هل من اتفاقيات تسمح لتركيا بالتوغل في الأراضي العراقية؟
تصاعد الجدل داخل العراق بشأن المسوّغ القانوني، الذي تتذرَّع به تركيا للتوغل داخل الأراضي العراقية، من أجل استهداف حزب العمال الكردستاني، في ظل رفض المسؤولين الأتراك ما يعدّونه اتهامات جائرة.
حمّلت بغدادُ أنقرة المسؤولية عن قصف منتجع سياحي في قضاء زاخو في محافظة دهوك في كردستان العراق، في 20 تموز/يوليو، ومقتل 9 أشخاص و23 جريحاً.
في إثر ذلك تصاعد الجدل داخل العراق بشأن المسوّغ القانوني الذي تتذرّع به تركيا للتوغل داخل الأراضي العراقية، من أجل استهداف حزب العمال الكردستاني، في ظل رفض المسؤولين الأتراك ما يعدّونه اتهامات جائرة، بحيث أوضحت أنقرة أن هجمات دهوك مشابهة لتلك التي ينفّذها حزب العمال الكردستاني، بينما جدّد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، نفي بلاده مسؤوليتَها عن الهجوم، ودعا السلطات العراقية إلى ألّا تقع في هذا "الفخ"، معتبراً أن هناك دولة تحاول ضرب العلاقات بين العراق وتركيا.
مجلس النواب العراقي، من جهته، طالب تركيا بتقديم اعتذار رسمي، وسحب قواتها العسكرية من جميع الأراضي العراقية، بينما حاول وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، اتهام قوى داخلية تدعم حزب العمال الكردستاني في عملياته ضد تركيا، واستخدام الساحة العراقية من أجل إرسال رسائل إلى تركيا.
وفي مقابلة عبر "ترك برس"، أكد أحمد أويصال، مدير مركز "اورسام " للدراسات الاستراتيجية، أن تركيا في حاجة إلى عراق قوي ومستقرّ لأن المصلحة القومية والأمن القومي التركي يتطلّبان وجود جيران أقوياء يمنعون العصابات والتنظيمات الإرهابية، وأن تركيا في حاجة إلى عراق مستقرّ لأن الأراضي العراقية مَعْبَر دائم ووحيد حالياً لوصول النشاط التركي إلى الخليج، وللوصول إلى الشرق الأقصى.
تأخّرت تصريحات الساسة الأتراك المبرِّرة أهميةَ العلاقة ببغداد بعد أن نقل العراق المشكلةَ إلى مجلس الأمن الدولي، الذي دان الاعتداءات. فعلى مدى الأعوام الماضية، لم ينفكّ الجيش التركي يستخدم الطائرات الحربية أو المسيّرة والمدفعية والقوات البرية في مطاردة حزب العمال الكردستاني المنتشر في الجبال الحدودية بين البلدين، وفي منطقة سنجار شمالي غربي الموصل عند الحدود العراقية السورية، إلّا أن الاستهداف الأخير فتح باب التساؤلات بشأن ماهية الاتفاقيات الأمنية، أو مذكِّرات التفاهم، التي تسمح من خلالها بغداد لأنقرة بالتدخل عسكرياً في عمق الأراضي العراقية، من عدمه.
وكان خيار المنطقة الآمنة شمالي العراق برز إلى واجهة النقاش كأحد الحلول المطروحة أمام تركيا لمواجهة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وخصوصاً بعد عملية "قفل المخلب" العسكرية الأخيرة، التي أطلقتها لتأمين عدد من المناطق المهمة.
لكن، هل فعلاً تسعى تركيا لإنشاء مناطق آمنة في شمالي العراق، لمنع حزب العمال الكردستاني من القيام بعمليات في أراضيها؟ وإن كانت تركيا تخطّط من أجل إقامة منطقة آمنة، فالأمر سيكون استحالة بالنسبة إلى العراق وإيران معاً، كلّ لأسبابه الخاصة. حتى إقليم كردستان العراق، الحليف الأبرز لتركيا، بدا قَلِقاً من هذا المسار، باعتبار أن ميدان تلك المنطقة الآمنة سيكون قرى ومناطق في الإقليم، إذا ما نُفِّذ فعلاً.
هل من اتفاقيات تسمح لتركيا بالتوغل في الأراضي العراقية؟
في عهد الرئيس الأسبق صدام حسين، وقّع وزير الخارجية آنذاك، طارق عزيز، مع نظيره التركي، عام 1984، محضراً رسمياً يسمح للقوات التركية بدخول أراضي العراق مسافةً لا تتجاوز خمسة كيلومترات، ولا وجود لاتفاقيات أو مذكِّرات تفاهم أخرى بين البلدين تُتيح لتركيا التوغل في الأراضي العراقية. كما أن المحضر الموقَّع كان يخدم عاماً واحداً فقط؛ أي ينتهي مفعوله عام 1985.
الخبراء الأمنيون والاستراتيجيون يؤكدون أن هناك عدداً من الاتفاقيات الخاصة بالحدود الدولية وتقاسُم المياه والأنهار، وأنه لا توجد اتفاقيات أو مذكِّرات تفاهم أمنية بين البلدين. لكن، علامَ اعتمدت تركيا من أجل التوغل في الأراضي العراقية؟
تركيا، من جهتها، اعتمدت على المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تنص على أن الدولة، التي تتعرّض لاعتداء عبر حدود دولة جارة، تسمح للدولة المهدَّد أمنها القومي بالدخول للدولة الأخرى، وخصوصاً التي لا تستطيع ضبط أمنها، إلّا أنه كان على تركيا إعلام مجلس الأمن الدولي بالأمر، وهو ما لم يحدث. لذلك، حتى التذرع بالمادة الـ51 غير مقبول.
أمّا قاعدة زيليكان في بعشيقة، فكانت نتاج اتفاق الحكومة التركية مع حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، إلّا أنه، عندما طلبت وزارة الخارجية العراقية انسحاب تركيا، تعنّتت ورفضت.
تستند تركيا، في عملياتها العسكرية الدائمة، شماليّ العراق، إلى "اتفاقية أنقرة" التي وقّعتها مع بريطانيا والمملكة العراقية، عام 1926، لتسوية نزاعها معهما بشأن السيادة على ولاية الموصل شمالي العراق، إذ قضت بتبعية الموصل للعراق، على أن تحصل تركيا على امتيازات، بينها نسبة من عائدات نفطها مدة ربع قرن، ورسّمت الحدود بين البلدين. لكن أنقرة تقول إن المعاهدة تتضمن بنداً أساسياً لمكافحة تهديدات أمنها القومي القادمة من شمالي العراق، كما أن الساسة الأتراك يذكّرون، بصورة متكررة، بتلك الاتفاقية، ويرون أنها تسمح بالتدخل العسكري في شمالي العراق، من أجل منع أي تهديدات لأمن بلادهم القومي، قادمة من هناك.
في هذه الحالة، يُعَدّ التقصير ناتجاً من الحكومات العراقية المتعاقبة، إذ لو أرادت لكان في إمكانها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية من أجل منع دخول تركيا أراضي العراق.
الدبلوماسية العراقية لم تكن ناجعة، فالمشكلة تكمن في عدم وضع محاذير في مؤتمر مكافحة الإرهاب الأممي عام 2015، لأجل عدم تدخل جيش أي دولة مجاورة في الأراضي العراقية، إلّا أن حجة تركيا هي أنه، في أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، تم توقيع مذكِّرة تفاهم أمني بين الطرفين. وسمحت المذكرة للجانب التركي بالتوغل حتى عمق 35 كلم داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني.
كذلك، أعطى رئيس الوزراء الكاظمي ضوءاً أخضر، في أثناء زيارته تركيا، لتنفيذ عمليات قصف وتحليق للطائرات المسيّرة بعمق 50 كلم، من أجل ملاحقة حزب العمال الكردستاني.
يقدَّر عدد العسكريين الأتراك بأكثر من 7 آلاف عسكري، يتحركون في مساحات جغرافية واسعة تصل إلى نحو 100 كلم في عمق الأراضي العراقية، كنقاط عسكرية، وقاعدة واحدة في بعشيقة. وبحسب القانون العراقي، والمادة الـ17، لا يمكن اعتبار المحاضر اتفاقيات. كما يمكن للعراق إبطال مفعولها من خلال رفع مذكِّرة من جانب وزارة الخارجية العراقية والوزارات الأمنية إلى مجلس الأمن الدولي.
حاول الساسة الأتراك اتهام إيران بحماية حزب العمال الكردستاني، والسعي لخلق توتر بين العراق وتركيا. لكن الواقع هو أن إيران تريد اتفاقات محدَّدة بين العراق وتركيا عند حدودها، وحلاً سياسياً للمشكلة، التي تعود إلى أوائل ثمانينيات القرن الماضي.
يسعى حزب العدالة والتنمية للعمليات العسكرية التي تعود على العراق بمشكلات تضاف إلى مشكلاته الداخلية، بحيث يراهن "العدالة والتنمية" على استقطابات، منها سياسي وآخر مذهبي، الأمر الذي قد يخلق فجوات في الاجتماع السياسي العراقي يتيح لتركيا، تحت حجة قتال "إرهاب" حزب العمال، الحصول على نفوذ سياسي ومكتسبات نفطية من العراق، والمحافظة على القواعد التي تقيمها في أراضي كردستان العراق وقواعد أخرى في زيليكان.