هل تفجّر الآثار اليونانية المسروقة أزمة سياسية بين لندن وأثينا؟

الحكومة اليونانية تعتبر أنّ الآثار تمّ الاستيلاء عليها بطريقة غير قانونية في زمن احتلال السلطنة العثمانية لبلادها، متهمة السفير البريطاني السابق اللورد إلجين بدفع رشى للمسؤولين الأتراك والحصول عليها بطريقة غير مشروعة.

0:00
  • لا يبدو أن الحكومة اليونانية ستوافق على اقتراح الإعارة البريطاني.
    لا يبدو أن الحكومة اليونانية ستوافق على اقتراح الإعارة البريطاني.

عادت أزمة استعادة تماثيل إلجين Elgin marbles اليونانية المعروفة أيضاً باسم منحوتات البارثينون من المتحف البريطاني إلى الواجهة مجدّداً لتضفي توتراً على العلاقات بين أثينا ولندن.

وكادت هذه الأزمة أن تصل إلى مستوى الاشتباك الدبلوماسي والسياسي بين البلدين عندما ألغى رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك العام الماضي موعداً لاستقبال نظيره اليوناني في الدوانينيغ ستريت لمناقشة مسألة الآثار اليونانية المسروقة. 

وتسعى اليونان منذ استقلالها إلى استعادة تماثيل إلجين منذ عام 1925 حيث تمثّل تماثيل إلجين جزءاً من النقوش التي كانت على جدران معبد البارثينون الذي يعود إلى 2500 عام، وقد عرضت في المتحف الوطني البريطاني لأكثر من 200 عام منذ أن تمّت إزالتها بواسطة اللورد إلجين عندما كان سفير بريطانيا في الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر.

ويعود تاريخ الخلاف بشأن ملكية تماثيل إلجين بين الدولتين الأوروبيتين إلى أكثر من مئتي عام. تقول بريطانيا إن ملكيتها للتماثيل مشروعة وقانونية بعدما حصل عليها سفيرها اللورد إلجين بعلم ومن دون اعتراض السلطنة العثمانية حيث كانت اليونان خاضعة آنذاك للباب العالي وقد تمّ شحن هذه التماثيل عبر البحر إلى بلاده.

وقد اشترى البرلمان البريطاني هذه الآثار من اللورد إلجين عام 1816 بعدما قامت اللجنة البرلمانية آنذاك بالتحقيق في الأمر وأقرّت موافقتها على قانونية أعمال اللورد إلجين ثم قدّمها البرلمان إلى المتحف الوطني البريطاني في لندن التي ما زالت معروضة للعامة منذ ذلك الوقت. 

بينما الحكومة اليونانية تعتبر أن الآثار التي تمّ الاستيلاء عليها بطريقة غير قانونية في زمن احتلال السلطنة العثمانية لبلادها متهمة السفير البريطاني السابق اللورد إلجين بدفع رشى للمسؤولين الأتراك والحصول عليها بطريقة غير مشروعة.

وقال رئيس الوزراء اليوناني في مقابلة مع بي بي سي: "نشعر أن المنحوتات تنتمي إلى اليونان وأنها سُرقت في الأساس".

بين إصرار اليونان على استعادتها ورفض بريطانيا وقد يأخذ النزاع بشأن أحقيّة امتلاك التماثيل أبعاداً سلبية على العلاقات الثنائية بين البلدين. في السابق كانت حكومة المحافظين تتجنّب النقاش مع نظرائهم اليونانيين حول تماثيل إلجين ويسجّل للحكومة العمالية الجديدة بقيادة كير ستارمر انفتاحاً في طريقة التعاطي مع أزمة الآثار اليونانية.

وتشير بعض التقارير البريطانية إلى احتمال موافقة رئيس الوزراء البريطاني على نقل تماثيل إلجين إلى اليونان عندما يغلق المتحف الوطني البريطاني أبوابه لإجراء إصلاحات وتجديد داخل المتحف، وهو إجراء سياسي يهدف إلى تسجيل معادلة رابح -رابح للطرفين. وأشار البيان عن الدوانيينغ سترتي إلى أنّ الحكومة لن تقف في طريق أيّ اتفاق لإعادة التماثيل إلى اليونان فمكانها الأصلي في اليونان، وهذا يمثّل تحوّلاً في الموقف البريطاني عن الموقف السابق لحكومة المحافظين. 

والتقديرات تشير إلى إمكانية عقد اتفاق بين المتحف الوطني وأثينا بحيث تستعيد اليونان التماثيل على سبيل الإعارة لمدة طويلة، لكن يترك لبريطانيا حق الاهتمام والإدارة.

اقتراح قد يخفّف من احتقان المواقف بين البلدين لكنه لن يحلّ أزمة ملكيّة الآثار لأن الحكومة البريطانية تعتبر أن التخلي عن الملكية هو خط أحمر عندها، وهو أمر يحتاج بحسب المسؤولين البريطانيين إلى إجراء تغيير في القانون البريطاني.

ولا يبدو في الأفق أن الحكومة تخطط لتغيير القانون. فبحسب القانون البريطاني الصادر عام 1963 يمكن الموافقة على الإعارة لمدة طويلة لمنقوشات أثرية تملكها لكن من  دون السماح لبيعها أو التخلي عنها.

ويملك المتحف الوطني البريطاني سلطة مستقلة عن الحكومة البريطانية ولكن إذا عارض أحد الوزراء أيّ اتفاق إعارة يمكن فرض حظر على نقل أي قطعة أثرية.

لا يبدو أن الحكومة اليونانية ستوافق على اقتراح الإعارة البريطاني باستعادة آثارها على سبيل الإعارة. فاستعادتها تمثّل مطلباً شعبياً يونانياً، والقبول بالإعارة ربما قد يهدّد مصداقية الحكومة أمام الرأي العام اليوناني. 

أما بريطانيا، فالمعارضة المتمثّلة بحزب المحافظين تتشدّد في موقفها الرافض التخلي عن تماثيل إلجين معتبرة أن التخلي عنها هو بمثابة خيانة وطنية.

وزير الثقافة البريطانية في حكومة الظل المحافظ ساقيب باهتي اتهم ستارمر بالرضوخ للجناح اليساري في حزبه في حال موافقته على السماح في إعادة التماثيل إلى اليونان . 

أما شعبياً فقد أشار استطلاع للرأي إلى موافقة نحو 64% من الذين شملهم الاستطلاع تأييدهم إعادة المنحوتات اليونانية بشرط موافقة أثينا على إعارة قطع أثرية أخرى لعرضها في المتحف الوطني البريطاني، فيما وافق نحو 52% على إعادة المنحوتات من دون شروط.

وتتوخّى الحكومة البريطانية الحذر في تعاطيها مع ملف المنحوتات اليونانية ساعية في الوقت نفسه إلى إنهاء أزمة الآثارات حتى لا تنعكس سلباً على العلاقة مع دولة أوروبية تربطها بها مصالح استراتيجية واقتصادية هامة.

لكنها تواجه معضلة سياسية لأنّ تسليم القطع الأثرية إلى اليونان سيعدّ اعترافاً رسمياً بسرقة الآثار اليونانية، فضلاً عن أنه قد يدفع عدداً آخر من الدول إلى المطالبة باسترجاع آثارها التاريخية، فالمتحف الوطني غني بالآثارات القيّمة والكنوز التراثية لحضارات عريقة تعود إلى آلاف السنين.

وهي تواجه حالياً مطالبات من عدد من الدول منها نيجيريا التي تطالب باستعادة البرونزيات التي تمتلكها، والصين التي تتهم بريطانيا بسرقة آثارها الثقافية مطالبة باستعادتها أيضاً.