هل تدعم الصين القوميين في تكساس؟
انهيار الاقتصاد الأميركي من شأنه أن يؤثر في اقتصاد الصين، خاصة أن ولاية تكساس هي ثاني أكبر ولاية من حيث الحجم والسكان، ويشكل اقتصادها ثاني أكبر اقتصادات الولايات المتحدة والثامن على مستوى العالم.
تشهد الولايات المتحدة الأميركية توتراً حاداً بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ أبوت بسبب الهجرة غير الشرعية على حدود ولاية تكساس مع المكسيك.
وظهر الخلاف إلى العلن بعد أن أصدرت المحكمة العليا قراراً ألغى أمراً قضائياً من محكمة الاستئناف وسمح لوكلاء حرس الحدود الفدراليين بإزالة الأسلاك الشائكة التي أقامها مسؤولو تكساس على الحدود تحت إشراف أبوت الذي استمر في بناء الأسوار رغم صدور قرار المحكمة.
وتعاني الولايات المتحدة الأميركية من تدفق كبير للمهاجرين غير الشرعيين من المكسيك، إذ عبر في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي نحو 300 ألف مهاجر بطريقة غير شرعية الأراضي الأميركية أي بمعدل 10 آلاف مهاجر يومياً، في ظل اتهام إدارة الرئيس بايدن بالتقاعس عن تأمين أمن الحدود.
ويبدو أن الأمور تتجه إلى التصعيد إذ أعلن 15 حاكم ولاية جمهورية أميركية دعمهم المطلق لولاية تكساس من أجل الدفاع عن حدودها مع المكسيك. ولهذه الغاية، عقدوا اجتماعاً على الحدود الجنوبية للولاية، وأرسل بعضهم وحدات من قوات الحرس الوطني في ولايتهم إلى ولاية تكساس.
وإزاء الأوضاع المتشنجة، أعيد الحديث عن انفصال ولاية تكساس، إذ إن هناك بالفعل حركات تنادي بانفصال تكساس كـ"حركة تكساس القومية" التي تأسست عام 2005، وتدعو إلى ما يسمى بـ " تيكسيت"، المصطلح المستخدم للإشارة إلى خروج تكساس من الاتحاد وتصبح دولة مستقلة تتمتع بالحكم الذاتي.
كما أعلن في العام 2022 الحزب الجمهوري لولاية تكساس عن سياسته للمرحلة المقبلة ومنها المطالبة بإجراء استفتاء حول انفصال تكساس عن الولايات المتحدة الأميركية. وفي العام الماضي، قدم النائب عن ولاية تكساس الجمهوري بريان سلاتون مشروع قانون يدعو إلى إجراء استفتاء حول "ما إذا كان ينبغي للولاية التحقيق في إمكانية استقلال تكساس أم لا" عام 2024.
شكل خبر أزمة الحدود مادة دسمة لخصوم الولايات المتحدة الأميركية. فروسيا علّقت بطريقة ساخرة على السجال الحاصل بين إدارة بايدن وحاكم ولاية تكساس إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا " إن الوقت قد حان لكي يقوم بايدن بتشكيل تحالف دولي لتحرير سكان تكساس باسم الديمقراطية".
ومن جهته، قال ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، في منشور على منصة X، "إن النزاع الحدودي الأميركي هو مثال حي آخر على ضعف الهيمنة الأميركية". وأضاف "إن إنشاء جمهورية تكساس الشعبية أصبح أكثر واقعية"، "وإن هذا قد يؤدي إلى حرب أهلية دموية تكلف الآلاف والآلاف من الأرواح".
وبعكس موسكو، لم تعلق بكين على الأحداث في تكساس والتزمت الصمت، وذلك لأسباب عديدة منها أن سياسة الصين الخارجية قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهي تعدّ أزمة تكساس شأناً داخلياً للولايات المتحدة الأميركية.
كذلك تريد بكين أن تُظهر لواشنطن أنها لا تتدخل في شؤونها الداخلية على عكسها التي تتدخل في شؤون الصين من خلال دعمها لتايوان سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بالرغم من التصريحات الأميركية المتكررة بأنها لا تشجع الانفصاليين في تايوان على الاستقلال، وأنها تعترف بمبدأ الصين الواحدة.
ومن جهة أخرى، تدرك بكين أن انفصال تكساس، الذي من المحتمل أن يرافقه انفصال ولايات أخرى ككاليفورنيا ونيوهامشاير، قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات وتوترات أو حرب أهلية من شأن كل ذلك أن يضر باقتصاد الولايات المتحدة الأميركية التي يرتبط اقتصادها ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الصيني.
وبالتالي، فإن انهيار الاقتصاد الأميركي من شأنه أن يؤثر في اقتصاد الصين، خاصة أن ولاية تكساس هي ثاني أكبر ولاية من حيث الحجم والسكان، ويشكل اقتصادها ثاني أكبر اقتصادات الولايات المتحدة والثامن على مستوى العالم، وتعد مركز الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية إذ تمثل 42% من النفط الخام، و27 % من إنتاج الغاز الطبيعي، كما أنها رائدة في مجال الطاقة المتجددة. أما اقتصاد كاليفورنيا فهو أكبر اقتصادات الولايات المتحدة الأميركية وخامس أكبر اقتصاد عالمي.
وتعاني الصين اليوم من تباطؤ في نمو اقتصادها وتراجع للاستثمارات الأجنبية فيها، كما أثرت القيود المفروضة من جانب واشنطن في اقتصاد بكين وفي العلاقات التجارية بين البلدين؛ إذ تراجعت الصين لتكون ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة الأميركية بعد أن كانت لسنوات طويلة أكبر شريك تجاري لها.
إضافة إلى ذلك، ترى الصين أن الخلاف بين إدارة بايدن وحاكم ولاية تكساس أبعد من أن يكون بسبب أزمة الهجرة غير النظامية، بل يتعداها ليتعلق بعودة الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة، وبالتالي هي مسألة سياسية داخلية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي قبيل الانتخابات أكثر منها تقاعس الإدارة الأميركية عن تأمين أمن الحدود بين الولايات المتحدة الأميركية والمكسيك لمكافحة الدخول غير الشرعي للمهاجرين أو الانفصال عن الولايات المتحدة الأميركية.
وإذا كانت السلطات الصينية لم تعلق على الأحداث في تكساس، بيد أن هذه الأزمة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الصين. ففي تطبيق " ويبو" شبيه تطبيق X تداول ناشطون هاشتاغ "الحرب الأهلية للولايات المتحدة الأميركية" و" تكساس دخلت مرحلة الحرب" وانهارت التعليقات الساخرة على ما يجري في الولايات المتحدة الأميركية.
وبالتالي، ليس من مصلحة الصين التدخل لدعم انفصال تكساس ومساعدة القوميين هناك؛ لأن ذلك سيضر بثاني أكبر اقتصاد في العالم هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ترى بكين أن المسألة لا تتعدى كونها مشادات سياسية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي قبيل الانتخابات الرئاسية يمكن أن تخف وطأتها بعد الانتخابات.