هل تُجرى الانتخابات التشريعية اللبنانية في موعدها؟
الأيام تنتظر حراك السفير السعودي. والسؤال الكبير هو: هل تحتمل بلاده هزيمة حلفائها أمام عينيها، وبحضور مندوبها، بعد قطيعة دامت عدة شهور؟
على مرمى أربعة أسابيع بقليل، يتصدّر الخامس عشر من أيار/مايو باعتباره مشهداً دستورياً يعوَّل عليه في تجديد السلطة، عبر الانتخابات النيابية المرتقبة، وسط رهانات بين إجرائها وتأجيلها. ففي الظاهر العلني، يؤكد أهل السلطة والمسؤولون السياسيون إجراءها وتوفير كل ما يلزم، بينما يشكّك فرقاء في احتمال إلغائها لأكثر من سبب.
فما هي أسباب المراهنين الإيجابيين والسلبيين؟ فأهل السلطة، بحُكم موقعهم، لا يمكنهم إلّا احترام المواعيد الدستورية، وتجنب أي مسؤولية تترتب على عدم إجرائها. والمسؤولية، في هذه الحال، لا يمكن إلّا أن تكون سلبية، وسط الأزمة الحادة والخطيرة وغير المسبوقة، والتي يمر فيها لبنان، والتي قد تتفاقم أكثر. أمّا القوى السياسية، وإن كانت أغلبيتها، باستثناء الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة "أمل"، المرتاحين إلى وضعيهما الانتخابي، وثقتهما بحصد جميع المقاعد الشيعية الـ27، فإن سائر القوى تبدو قلقة جرّاء تضاؤل شعبيتها، وهي قلقة من النتائج ومن خسارتها بعض المقاعد على الرغم من المكابرة التي يتعمدها البعض.
غير أن في حسابات القوى، وفق انقسامها العمودي وألقابها الأدبية ـ السياسية، بين قوى "منظومة" 8 آذار وقوى "سيادية" (14 آذار)، مضافاً اليها ما يسمى قوى التغيير، أو الحركة الاحتجاجية، أو ثورة 17 تشرين... فإن الغلبة والانتصار سيكونان إلى جانب قوى 8 آذار (تحالف الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وحلفائهما) بفارق لافت، وفق كل الإحصاءات، التي تؤكد أن هذه القوى ستظفر بالأكثرية المطلقة في المجلس النيابي العتيد.
المتابع للخطاب السياسي للوائح والمرشحين، يرى أن الاصطفاف السياسي عاد إلى مربع 8 و14 آذار، باعتبار أن لا فارق كبيرٌ بين قوى 14 آذار وقوى التغيير أو "الثورة"، إلى حد تجدها نفسها في مضامينها السياسية، وغياب البرامج والمقاربات الاقتصادية والاجتماعية والحياتية. وهو خطاب ملّه الناس، الذين يبحثون اليوم عمّا يفي احتياجاتهم وأدنى حقوقهم كبشر يعيشون في كنف ما يُفترض أن يكون دولة.
أمّا إذا تم تفنيد أرجحية فوز فريق 8 آذار على فريق 14 آذار، على الرغم من الحملات الدعائية الكبيرة للبعض من هذه القوى، والسخاء الظاهر في الترويج الإعلاني والترويج البرامجي التلفزيوني وسواهما في وسائل الإعلام، وخصوصاً المرئية، وفي المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يظهر الآتي:
أولاً: ديناميكية أكبر في الماكينات الانتخابية لمصلحة قوى 8 آذار.
ثانياً: تماسك في تشكيل اللوائح وتوحُّدها لدى قوى 8 آذار في أغلبية الدوائر، باستثناء بعض قليل في دائرتي جزين - صيدا والشمال الثالثة بشري – زغرتا - الكورة والبترون، بحيث يُسجَّل وجود لائحتين تتبعان الفريق نفسه في كل من الدائرتين، تتنافسان بصورة هادئة، وعلى نحو منسَّق مسبّقاً لضمان الحصول على أعلى الحواصل والكسور، بينما نشرت القوى المناهضة في كل دائرة ما يفوق ثلاث أو أربع لوائح، وصولاً إلى ستّ لوائح في بعضها، أغلبيتها غير متناسقة ومشرذمة، وتخاصم وتهاجم وتتهم إحداها الأخرى، الأمر الذي يشتّت الأصوات، ويحرم عدداً منها من بلوغ الحاصل الواحد.
ثالثاً: افتقار مرشحي أغلبية قوى التغيير إلى القدرة على إقناع الناس بطروحاتها، وإرباك الناخبين في تقديم نفسها على أنها فقط قوى اعتراضية على ما هو قائم، على الرغم من لجوء بعض المرشحين إلى عملية شراء الأصوات ورشوة المندوبين وسائقي وسائل النقل، وتوزيع حصص غذائية.
رابعاً: لائحتان فقط من القوى المعارضة استطاعتا، إلى حد كبير، إظهار تماسكهما. واحدة في دائرة صور - الزهراني، وثانية في دائرة مرجعيون – حاصبيا. وإن كانت المواجهة غير سهلة أمامهما، وانعدام الوصول إلى الحاصل لكل منهما وارد بنسبة عالية.
خامساً: خروج تيار المستقبل من السباق الانتخابي، ترشيحاً ودعماً، وربما اقتراعاً ومقاطعة، وانعكاس ذلك السلبي على حلفائه التقليديين، أضف إلى الإحباط الذي تركه في شارعه السني، وتشتت أصوات مريديه، عدا عن تخوين من تفلّت من قرار المستقبل في خيار عدم ترك الساحة السنية تفرغ لمصلحة حزب الله وحلفائه.
سادساً: خيبة منظومة السفارات الداعمة لقوى التغيير من أداء الذين سعت للبناء عليهم في عملية التغيير، بعد أن تبيّن ضعف تمثيلهم وضعف أدائهم على المستويات السياسية والشعبية على السواء، مضافاً إليها الطموحات الشخصية لهؤلاء إلى الوصول إلى المواقع السلطوية، بأي ثمن.
بلا شك، أمام واقع كهذا، إذا ما استمر على ما هو عليه، ومن دون أن يطرأ أي مستجد، سيكون لحزب الله وحلفائه، ليس الأكثرية المطلقة فحسب، وإنما سيحوز حلفاؤه أيضاً أكبر كتلة نيابية مسيحية وأكبر كتلة نيابية سنية، بالإضافة إلى كتلته النيابية الشيعية الكاسحة للمقاعد جميعها.
رُبّ قائل إن عودة السفير السعودي لدى لبنان إلى مزاولة مهمّاته، قد تبدّل المشهد، وإن خيرات المملكة ستتدفق من جديد لشدشدة ما يمكن شدشدته من همم الحلفاء، علّ تغييراً ما يقلب المشهد.. مضافاً إليها مواقف بطريرك الموارنة، مار بشارة بطرس الراعي، المنحازة إلى فريق ضد آخر، منبّهاً في عظة عيد الفصح الناخبين إلى أن خياراتهم في الانتخابات النيابية ستعكس خيارات الانتخابات الرئاسية، والشخصية التي ستتبوأ سدّة الرئاسة، والتي لا يريد لها بالطبع أن تكون خيار حزب الله وحلفائه.
الأيام تنتظر حراك السفير السعودي. والسؤال الكبير هو: هل تحتمل بلاده هزيمة حلفائها أمام عينيها، وبحضور مندوبها بعد قطيعة دامت عدة شهور؟
تُستحضر، في هذه الحال، لعبة تطيير الانتخابات. ربما كانت المخرج الأسهل لتجنُّب الكأس المُرّة. لكن، بأي ثمن، وبأي تداعيات؟ وخصوصاً أن كلاماً وفيراً يتردد أن لإلغاء الانتخابات تبعات لا يقوى لبنان على تحمّلها. أمّا خيار التمديد للمجلس لتجنُّب الفراغ فسيستتبعه بالتأكيد تمديد لولاية رئيس الجمهورية، الذي سيقايض فريقه التمديد للمجلس في مقابل التمديد للرئيس.
قد يبدو الأمر سابقاً لأوانه، لكن استعراضاً سريعاً لعوامل تعطيل الانتخابات يُبرز أكثر من عامل ومعطىً، مثمثلةً بـ:
أولاً: إضراب الجسم القضائي يعني توقف لجان القيد.
ثانياً: إضراب المعلمين يعني تعطيل عملية إدارة الانتخابات في الأقلام وأعمال الفرز.
ثالثاً: عدم القدرة على تأمين التيار الكهربائي بصورة متواصلة حتى الانتهاء من عمليات الفرز.
رابعاً: تفاقم الوضع المعيشي وانفجاره اجتماعياً، وخروج تظاهرات منددة وأعمال شغب.
خامساً: استحالة تأمين مستلزمات العملية الانتخابية في دول الاغتراب، نتيجة أسباب تبدأ إدارية، ولا تنتهي تمويلية.
سادساً: استهداف أمني كبير، وهو احتمال يردده الصغير قبل الكبير!!
احتمالات تبقى مفتوحة، ومفاجآت محتملة في كل لحظة... يبقى أن غداً لناظره قريب.