هل الصّين دولة نامية أم متقدّمة؟
حققت الصين قفزة ناجحة من بلد منخفض الدخل إلى بلد متوسط الدخل بعد سنوات من الانفتاح على العالم، لكن بصرف النظر عن أي معيار، فإنها لا تزال دولة نامية. ما السبب؟
في ظلِّ تنامي قوة الصين الاقتصادية، فإن البعض يعتقد أنها اليوم تعد دولة متقدمة، وتصرّ الولايات المتحدة على تجريدها من صفة "دولة نامية" في المنظمات الدولية، لكن هل الصين حقاً قوية بما يكفي حتى تصبح "دولة متقدمة"؟
لا يوجد حالياً معيار واضح للتمييز بين الدول "النامية" و"المتقدمة" في العالم، ولكلٍّ من الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة التجارة العالمية تعريفاتها الخاصة، لكن بشكل عام، لن تأخذ المنظمات الدولية حجم الناتج المحلي الإجمالي لبلد في الاعتبار فقط عند تقييم ما إذا كان بلد "دولة متقدمة" أم لا، بل تأخذ في اعتبارها أيضاً نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي الإجمالي، ومستوى التصنيع، ومستوى المعيشة الوطنية، ومقدار البنية التحتية التكنولوجية لديها وما إلى ذلك.
كان تصنيف الصين دولة نامية مرتبطاً بشكل كبير بأن نصيب الفرد فيها من إجمالي الناتج المحلي كان منخفضاً، رغم اقتصادها الضخم، وذلك يرجع إلى عدد سكانها الهائل البالغ 1.4 مليار نسمة، إذ يمثل نحو 18% من إجمالي سكان العالم. في المقابل، الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، يبلغ عدد سكانها 333 مليون نسمة فقط.
من المعترف به عموماً أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في البلدان المتقدمة يجب أن يتجاوز 30 ألف دولار أميركي، لكن بلغ نصيب الفرد الصيني 12.741 ألف دولار أميركي عام 2022، ما يعادل تقريباً المتوسط العالمي البالغ 12.875 ألف دولار أميركي فقط، ويساوي 1/6 عما في الولايات المتحدة، و1/3 عما في الاتحاد الأوروبي. وإذا قورن بما في دول الخليج، فيكون 1/7 عما في قطر، و1/4 عما في الإمارات، وحتى أدنى من أي دولة خليجية. من هنا، يبدو أن الفجوة بين الصين والدول المتقدمة ما زالت كبيرة.
وإضافةً إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، يعدّ مؤشر التنمية البشرية (HDI) الذي يشير إلى رفاهية الشعوب مؤشراً مهماً لتقسيم البلدان إلى نامية ومتقدمة أيضاً. ووفقاً لمعايير تصنيف الأمم المتحدة، فإنَّ البلد الذي حصل على 0.8 نقطة أو أعلى من المؤشر ينتمي إلى دولة متقدمة.
وقد حصلت الصين على 0.761 نقطة عام 2022، محتلةً المرتبة الـ85 في العالم، أي في مرتبة الوسط، وهي أعلى قليلاً من المتوسط العالمي البالغ 0.732 نقطة. كذلك، تنتمي الصين إلى مستوى المتوسط من التنمية البشرية.
علاوةً على ذلك، تعاني الصين من عدم توازن التنمية والفجوة بين الحضر والريف وبين الشرق والغرب. تعيش غالبية الفئات ذات الدخل المنخفض في الصين في المناطق الريفية، وتتركز بشكل أساسي في المناطق الوسطى والغربية. على الرغم من أنَّ فجوة الدخل بين المناطق الحضرية والريفية في الصين ضاقت في السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2022، عادل متوسط دخل الفرد القابل للإنفاق في الحضر 2.45 ضعف نظيره في الريف، وبلغت نسبة الحضر في الصين 63.89%، مقارنة بـ80% في البلدان المتقدمة.
ويشكل الناتج المحلي الإجمالي للمناطق الشرقية 51% من إجمالي الناتج المحلي الوطني، فيما تمثل المناطق الوسطى والمناطق الغربية 22.1% و21.4% منه فقط. وتتشكل التنمية غير المتوازنة وغير الكافية العامل الرئيسي الذي يحدّ من تنمية البلاد.
في مجال التصنيع، على الرغم من أن الصين أصبحت واحدة من أكبر الدول المصنعة ولديها صناعات أكثر اكتمالاً في العالم، فلا يزال هناك مجال كبير للتحسين في التصنيع الراقي والابتكار التكنولوجي. وتظل الدول الغربية والمتقدمة تحتكر بعض الصناعات عالية التقنية المربحة، مثل الرقائق وأشباه الموصلات، وتسيطر عليها.
في الحقيقة، حققت الصين قفزة ناجحة من بلد منخفض الدخل إلى بلد متوسط الدخل بعد سنوات من الانفتاح على العالم، لكن بصرف النظر عن أي معيار، فإنها لا تزال دولة نامية.
ولطالما سعت الولايات المتحدة لنزع صفة الدولة النامية منها؛ ففي 27 آذار/مارس من هذا العام، أقر مجلس النواب الأميركي ما سمي "قانون جمهورية الصين الشعبية ليست دولة نامية". وفي 8 حزيران/يونيو الماضي، صدقت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على "قانون إنهاء وضع الصين كدولة نامية"، مطالبةً بإنهاء معاملتها كأنها "دولة نامية" في المنظمات الدولية من خلال التشريعات المحلية.
في الواقع، تعمل الصين بنشاط للوفاء بتعهدها لتحقيق ذروة الكربون عام 2030، والحياد الكربوني بحلول عام 2060، من خلال انتقال الطاقة وتطوير الصناعة الخضراء، كما تتحمل مسؤوليتها كأكبر دولة نامية في العالم.
تفوق مساهمة الصين في النمو الاقتصادي العالمي والميزانية العادية للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية واليونسكو وأنصبة حفظ السلام بكثير مساهمة معظم البلدان المتقدمة؛ فهي ثاني أكبر مساهم في حصص الميزانية العادية للأمم المتحدة وعمليات حفظ السلام.
وفي الوقت نفسه، تشارك الصين بنشاط في التعاون مع دول الجنوب. وقد بادرت إلى إنشاء "صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للسلام والتنمية" (تعهدت الصين بالتبرع بمبلغ 200 مليون دولار أميركي على مدى 10 سنوات) و"صندوق المساعدة للتعاون بين دول الجنوب" لدعم الدول النامية لتحقيق التنمية والاستجابة للأزمات الإنسانية وتحقيق الحد من الفقر، كما قدمت مساعدات تنموية لأكثر من 160 دولة محتاجة، وهي تخفّف أعباء الديون عن الدول المتخلفة، وتعتبر عضواً في مجموعة العشرين التي تنفذ أكبر قدر من تعليق ديون البلدان النامية.
في التاريخ، شاركت الصين مع عددٍ من الدول النامية في تجارب مماثلة في مكافحة الاستعمار الإمبريالي. وفي العصر الجديد، ستواصل الصين العمل مع الدول النامية للسعي من أجل الحقوق والمصالح المشتركة وحماية المصالح المشتركة لجميع الدول النامية.