نتنياهو والخان الأحمر.. الموقف والتداعيات
مساعي نتنياهو للتفرغ للملف الإيراني الذي يعتبره أقصى أولويات سياسته الخارجية قد تدفعه إلى اتخاذ عدد من الخطوات في الساحة الفلسطينية، وإلى حسم القضايا العالقة والمؤجلة، ومنها الخان الأحمر.
-
نتنياهو والخان الأحمر.. الموقف والتداعيات
عادت قضية قرية الخان الأحمر الفلسطينية إلى الواجهة من جديد، وصدرت مواقف إسرائيلية متتالية تدعو إلى هدمها، وشارك عدد من أعضاء الكنيست من حزب الليكود وأحزاب اليمين الصهيوني الفاشي في اقتحام مشارف هذه القرية الفلسطينية البدوية، ونظم أهلها ومتضامنون أجانب تظاهرة رفضاً لتهجير سكانها وهدمها.
في إطار حملة تبدو منظمة ومنسقة بين أطراف حكومة بنيامين نتنياهو لتصدير القضية وإبرازها من جديد، صرح رئيس حكومة العدو بأن حكومته أزالت 38 مبنى فلسطينياً في الضفة الغربية المحتلة منذ كانون الثاني/يناير الحالي، وهدّد بأن الوقت الذي حاول فيه الفلسطينيون فرض أمر واقع في الضفة الغربية انتهى.
ودعا وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير، أمام جلسة حكومة العدو أمس الأحد، إلى هدم ما وصفه بالبناء غير المرخص للفلسطينيين في المناطق المصنفة "ج" في 5 مواقع في الضفة الغربية، ودعا أيضاً إلى هدم الخان الأحمر.
يبدو أنَّ هناك عدداً من العوامل المختلفة التي دفعت كلاً من رئيس حكومة العدو نتنياهو وأحزاب التحالف اليميني الفاشي بزعامة بن غفير وسموتريتش إلى تصدير المواقف والتصرفات تجاه "الخان الأحمر" وإبراز قضيتها في واجهة الأحداث، منها رغبة نتنياهو في استرضاء زعماء "الصهيونية الدينية" الذين غابوا عن اجتماع حكومة العدو الأسبوعي، احتجاجاً على إخلاء "الجيش" بؤرة استيطانية أنشأها المستوطنون ورفض سموتريتش القرار واعتباره مخالفاً لاتفاقيات التحالف الحكومية وتعدياً على صلاحياته المتفق عليها مع نتنياهو باعتباره وزيراً في ما يسمونه وزارة "الدفاع" ومسؤولاً عن الاستيطان والإدارة المدنية في الضفة الغربية.
من جانبها، تدرك أحزاب اليمين الفاشي أنها تمتلك روافع ضغط على نتنياهو خلال الأيام المئة الأولى للحكومة بسبب الحاجة إلى إقرار الميزانية. وفي حال لم تقر خلال هذه المدة، يُحلّ الكنيست، وتتم الدعوة إلى انتخابات جديدة. لذا، تسعى أحزاب اليمين الفاشي لتحقيق أقصى مطالبها خلال هذه المدة، ومن ضمنها تهجير سكان قرية الخان الأحمر.
تأتي المواقف الصهيونية تجاه الخان الأحمر قبيل انعقاد ما يسمى محكمة العدل الإسرائيلية مطلع شهر شباط/فبراير المقبل. ويُعتقد أن المحكمة ستصدر قراراً نهائياً بإخلاء الخان. بعدها، تصبح الكرة في ملعب حكومة نتنياهو إما بالتنفيذ السريع وإما تأجيل تنفيذ القرار على غرار قرارات الحكومات الإسرائيلية السابقة.
وفي آذار/مارس 2010، صدر أول قرار عما تسمّى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" بهدم الخان الأحمر. ونتيجة الالتماس ضد القرار على مدار السنوات الماضية، تم تأجيل الهدم عدة مرات، إلى أن صدّق ما يسمى المحكمة العليا الإسرائيلية في أيار/مايو 2018 على أمر تهجير سكانه وهدم التجمعات البدوية.
من بين العوامل التي تدفع باتجاه تصدير الائتلاف اليميني الفاشي قضية الخان الأحمر إلى واجهة الأحداث، هناك عوامل داخلية بحتة، منها سعي نتنياهو للهروب إلى الأمام، وصرف انتباه الرأي العام الإسرائيلي عن الاحتقان الداخلي الإسرائيلي على خلفية لجوء المعارضة إلى الشارع وتنظيم تظاهرات ضخمة ضد عزم حكومة نتنياهو على تنفيذ ما يسمى إصلاحات في السلك القضائي تعتبرها المعارضة محاولة لتسييس القضاء والتمهيد للانقلاب على السلطة القضائية لأهداف شخصية وحزبية يتم بموجبها إلغاء التهم الموجهة إلى نتنياهو، وإعادة صديقه رئيس حزب شاس أرييه درعي إلى الحكومة بعدما أقاله مضطراً بأمر قضائي، كما تتجه "الإصلاحات" لفرض سيطرة يمينية على السلك القضائي بتعيين قضاة مقربين إلى اليمين الصهيوني بعد إجراء تعديلات تشريعية.
وبالتالي، إنَّ افتعال أزمة الخان الأحمر يمهّد الطريق لنتنياهو لتسكين الخلافات الداخلية وإجهاض ما سمّته وسائل الإعلام الإسرائيلية "الربيع الإسرائيلي" في مهده، تمهيداً لتنفيذ مخططاته في السيطرة على القضاء وتفكيك ما يعتبره المؤسّسات العميقة لليسار الإسرائيلي.
على الرغم من حرص نتنياهو على تماسك أركان حكومته واستقرار الائتلاف كي تستمر ولايته كاملة، فإنَّ إدراكه المسبق للتوجّهات الشعبوية والمتهورة لبن غفير وسموتريتش قد يعرقل مسار استقرار حكومته.
كما أن الضغوط الأميركية ما زالت تمارس على نتنياهو للحد من السياسات الداخلية والخارجية الموترة لأقطاب حكومته، الأمر الذي قد يدفع نتنياهو المعروف بالخداع إلى إعطاء مساحة واسعة لبن غفير وسموترتش في المجال العام داخلياً وخارجياً، وقد يستخدمهما كأداتين لإجبار أحد تيارات المعارضة، ولا سيما بيني غانتس، على التحالف معه على قاعدة "إنقاذ الدولة" والحفاظ على هويتها العلمانية وعدم خسارة الولايات المتحدة.
ونقدر أنَّ نتنياهو سيلجأ إلى إلحاق غانتس بالحكومة بعد ترتيب المسارات القضائية التي تمنع محاكمته، وسيستخدم أدوات أخرى لضمّه، منها طلب تدخل الادارة الأميركية ورئيس الكيان للضغط عليه.
ونقدر أيضاً أن غانتس يدرك أنَّ حزبه لا يمتلك فرصاً كبيرة في مرحلة ما بعد نتنياهو، الأمر الذي يجعل مستوى استجابته للانضمام إلى الحكومة الحالية في مرحلة لاحقة مرتفعاً.
تنطلق مقاربة أخرى لتفسير سلوك حكومة نتنياهو تجاه الخان الأحمر من البعد الأمني وتقدير الموقف الاستخباري للعدو، الذي يسعى للسيطرة على الموقف الميداني وتقليص بؤر التوتر في الضفة الغربية قبل شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يسهم في خفض مستوى التهديدات بالتصعيد والمواجهة خلال رمضان، نظراً إلى تزامن الشهر الفضيل مع عيد الفصح اليهودي وما يتخلله من اقتحامات صهيونية جماعية للمسجد الأقصى.
كما أنَّ مساعي نتنياهو للتفرغ للملف الإيراني الذي يعتبره أقصى أولويات سياسته الخارجية قد تدفعه إلى اتخاذ عدد من الخطوات في الساحة الفلسطينية وحسم القضايا العالقة والمؤجلة، ومنها الخان الأحمر.
العوامل الداخلية الإسرائيلية، والدوافع الشخصية لنتنياهو، والمركبات المؤثرة في الائتلاف الحاكم، وتقديرات المستويين الأمني والعسكري تجاه الجبهة الفلسطينية، وأولوية الملف النووي الإيراني على أجندة نتنياهو، إضافةً إلى انشغال المجتمع الدولي بالصراع في أوكرانيا، كلها عوامل قد تدفع باتجاه سيناريو إقدام حكومة العدو على تنفيذ قرار هدم الخان الأحمر وترحيل سكانه البدو الفلسطينيين وتصعيد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ولا سيما في الضفة الغربية، قبل قدوم شهر رمضان المبارك، الأمر الذي سيسهم في رفع مستوى التصعيد ومواجهة الاحتلال في الضفة الغربية وكل الساحات.