ماذا تراه يفعل روبرت وود عندما يقفل راجعاً إلى بيته؟
رجل واحد تُرفَع مستعملةً حق الفيتو مقابل آلاف الأيدي المبتورة تحت أطنان من الركام في فلسطين. فلسطين نصف دولة في الأمم المتحدة.
لم يرَ مندوب الولايات المتحدة الأميركية روبرت وود أي سبب يدعو إلى الموافقة على مشروع القرار الداعي إلى وقف إطلاق نار إنساني في غزة. لا شيء غير إنساني يحدث هناك يستوجب الموافقة على المشروع. كانت يده اليمنى تتوسل إليه أن يرفعها لاستعمال حق النقض.
رفع روبرت وود يده اليمنى، وكانت يُمناه وحيدة مِن بين 15 يداً مُسبَلَة. كل يدٍ لسبب. واحدة لأنها رافضة للفيتو، وأخرى لأنها رافضة للتصويت. وحده روبرت وود الذي شاءت الإدارة التي عيّنته ألا يكون سفير درجة أولى رفع يده بثقة. النظر في قتل نحو 10 آلاف طفل لا يستدعي رتبة سفير، ولا يستدعي التصويت على وقف إطلاق نار.
السكرتير الثاني مستر وود أخذ على العرب عدم قيامهم بواجب التعزية بضحايا "الإرهاب" الفلسطيني. ربما يستلحقون أنفسهم في ذكرى الأربعين. الفلسطينيون يموتون في غزة من دون جنازات. ذكرى أربعينهم يحتفل بها الله والملائكة. هناك لا تطبيع ولا من يطبّعون. فليكن ذكرهم مؤبَّداً.
مستر وود ألقى خطاباً قبل استعماله حق النقض، أعلن فيه أسباب عدم رغبة بلاده في التصويت لمصلحة المشروع الإماراتي. وقف الحرب على غزة يعني عدم القضاء على حماس. الموقف نفسه لرئيس دبلوماسية "بلاده" نتنياهو. كيف لا وهما يرددان الكلام نفسه؟ ما يُقَرَّر في "تل أبيب" يُنَفَّذ في واشنطن. يصرخ الصهيوني في "تل أبيب"، ويصل الصدى إلى واشنطن.
مستر وود وصف ما حدث لـ"شعبِنا" بالكارثة والهَول غير المسبوق. نعم. شعبنا قال: "Our people". راجعت العبارة أكثر من مرة للتأكد مما إذا كان يقصد الشعب الأميركي تجاوزاً. لا. الشعب "الإسرائيلي" هو "شعبنا" الأميركي. وطنٌ واحد شعب واحد شعبك يا لبنان، كان يغني إحسان صادق من ألحانه وكلمات فؤاد شعبان. وطن واحد شعب واحد غنّى روبرت وود من نيويورك في غرفة يُطلَقُ عليها مجلس الأمن.
لا شيء في فلسطين يحدث. الحدث الجلل في "إسرائيل". الرئيس الأميركي يقترح إيجاد "إسرائيل" لو لم تكن موجودة. الرئيس الفرنسي يستقبل غداً اجتماعاً تأسيسياً لتحالف دولي ضد "إرهاب حماس". العرب لن يشاركوا. فعل سيادي بامتياز. يكفيهم ألا يحضروا مؤتمراً ضد غزة ليكونوا معها. ماتَ العرب واستبدلوا تحرير فلسطين بعدم المشاركة في مؤتمر.
كل شيء بارد في قاعة مجلس الأمن. رئيس الجلسة شابٌ إكوادوري يدير مداولاتها كأنه رئيس مجلس إدارة مصنع حواسيب. كل شيء يتم بحسب النظام الداخلي وعبارات تبادل التشكّرات في القاعة تلعلع عاكسةً لطافة السفراء ودماثة دبلوماسيتهم.
في غزَّةَ لا تُسمَع صرخات الأطفال. قاعة مجلس الأمن مدعّمة بعوازل للصوت. طفل يسأل عن أمه الشهيدة. أشلاء الأجنة بين أيدي آبائهم. كل هذا لا يصل إلى آذان السفراء. عزل الصوت وعزل غزة حتى لا يُسمَع العويل.
إنه مجلس الأمن أيها السادة. يد رجل واحد تُرفَع مستعملةً حق الفيتو مقابل آلاف الأيدي المبتورة تحت أطنان من الركام في فلسطين. فلسطين نصف دولة في الأمم المتحدة. لها مقعد بصفة مراقب. تُقتَل كل يوم منذ 75 سنة.
في الرابع والعشرين من هذا الشهر الفضيل، سيعود السيد روبرت وود إلى بيته. سيلتقط السيلفي مع أحبائه قرب شجرة الميلاد محتفياً بأصوله المسيحية المتصهينة. سيتبادل الهدايا مع زوجته غيتا ووحيده جوناثان. روبرت وود منهمك حالياً باختيار الهدايا. في فلسطين، ينهمك ذوو الشهداء في إيجاد مدافن لائقة لفلذات أكبادهم. هم ماتوا ميتة لائقة وما عادوا ينتظرون مجلس أمن لائقاً يصوت فيه روبرت وود على وقف إطلاق نار إنساني في غزة.