ما وراء بندقيّة الأسير هدار غولدن؟
يُفهم من كلام قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار أنَّ الحركة ستكون خلال الفترة المقبلة أمام تحديات كبيرة تدفعها إلى تحريك ملف الجنود الأسرى بطرق خشنة وغير اعتيادية، وربما زيادة غلّتها بهم.
مثّل عرض "وحدة الظل" في الجناح العسكري لحركة حماس "كتائب القسام" - خلال احتفال الحركة بانطلاقتها الخامسة والثلاثين- بندقية الضابط الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة هدار غولدن مفاجأة للجميع، فهي تحمل دلالات مهمة عن ملف تبادل الأسرى الذي ينتظر موافقة حكومة الاحتلال منذ 8 سنوات، وما يخفيه الجناح العسكري عن هذا الملف لتحقيق صفقة تبادل مشرفة.
تعدّ "وحدة الظل" إحدى الوحدات العسكرية التي استحدثها الجناح العسكري لحركة "حماس" بعد أسر الجندي جلعاد شاليط عام 2006، وهي تتكفل بتأمين جنود الاحتلال الأسرى لدى المقاومة وحمايتهم لحين إتمام صفقات تبادل معه.
يأتي هذا العرض في وقت تزداد الضغوط على قيادة حركة "حماس" من قبل قرابة 5 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال وعائلاتهم، وسط مطالبات بممارسة ضغط أكبر على الاحتلال لتنفيذ صفقة تبادل جديدة، تترافق مع مناشدات لقائد الجناح العسكري في الحركة محمد الضيف باتخاذ خطوات عملية لتحقيق وعده ووعد قيادة "حماس" بالإفراج عنهم عبر صفقات تبادل.
وفي تحليل ما نشره الجناح العسكري لـ"حماس"، يمكن إدراك أن الحركة ما زالت مصرة على موقفها بأنَّ أي معلومات في ملف الجنود الأسرى لن تكون من دون ثمن. وقد قالت سابقاً إنَّ ثمن هذه المعلومات هو الإفراج عن الأسيرات والأطفال وكبار السن من سجون الاحتلال. هذا الإصرار ينبع من رغبتها في الإفراج عن أكبر عدد من الأسرى الفلسطينيين.
أمّا فيما يتعلَّق بالبندقية التي عرضتها "وحدة الظلّ"، فمن ناحية ميدانية، يتضح أن المجموعة التي أسرت الضابط هدار غولدن شرق رفح خلال معركة "العصف المأكول" عام 2014، استطاعت السيطرة على هدار وعلى عتاده وهو بكامل قواه. هذا الأمر يشير إلى أن الوضع الذي أسر فيه كان مواتياً للحفاظ عليه كأسير على قيد الحياة، بعكس المزاعم التي ساقها الاحتلال والحاخام العسكري لـ"جيش" الاحتلال إبان عملية الأسر.
هذا الأمر يعزز رواية المقاومة التي أشارت إلى أنَّ عملية أسر الضابط هدار تمت قبل ساعتين من اكتشاف الاحتلال عملية الأسر، إذ تشير رواية المقاومة إلى أنَّ اشتباكاً استمر لمدة 5 دقائق في منطقة "أبو الروس" شرق محافظة رفح أدى إلى استشهاد القائد الميداني في القسام وليد مسعود. وخلال الاشتباك، تمت السيطرة على الضابط هدار والانسحاب به. وقد اعتقد الاحتلال أنّ جثة الشهيد مسعود تعود إلى الضابط الأسير، وهو ما أخّر إعلانه فقدان أحد جنوده لمدة تقارب ساعتين.
ولربط الأحداث أكثر، فخلال عملية "نحال عوز" شرق مدينة غزة خلال الحرب نفسها عام 2014، استطاع مقاومون من كتائب القسام السيطرة على أحد جنود "جيش" الاحتلال في الموقع. وقد قُتل نتيجة خطأ في عملية السيطرة عليه، فتركه المقاومون في المكان، وعادوا بغنيمة سلاحه. وبالمنطق ذاته في عملية أسر هدار غولدن، لو كان جثّة لتركه المقاومون وعادوا بجثّة الشهيد وليد مسعود.
وليكون تحليلنا لما تطرحه المقاومة منطقياً بصورة أكبر، فإن ما تحدث عنه قائد "حماس" في قطاع غزة يحيى السنوار عن السلوك التفاوضي مع حكومة الاحتلال قبل الانتخابات الأخيرة، يشير إلى أنَّ الحركة تملك أوراق قوة تدفعها إلى تجزئة الصفقة إلى نصفين؛ الأول معلوماتي، والآخر مقابل الجنديين، وذلك عندما قال: "إن حماس اشترطت الإفراج عن معتقلي صفقة وفاء الأحرار، والأسيرات والأسرى الأطفال والأسرى المرضى، إضافة إلى الأسرى القدامى والجثامين المحتجزة، في مقابل تسليم الاحتلال كلاً من جنوده (منغستو والسيد) ومعلومات عن صندوقين أسودين... إما جثامين الضابط هدار وشاؤول أو الدليل على حياتهما، ثم نكمل كما كان في صفقة شاليط".
كلام السنوار يشير بشكل واضح إلى أن "حماس" تمتلك أوراق قوة بخصوص حياة الجنديين هدار غولدن وشاؤول أورون، بما يمكنها من تنفيذ صفقة تبادل جديدة، وأن المشكلة والمعضلة فقط عند حكومة الاحتلال التي تماطل في دفع الثمن.
من الواضح حالياً أنّ "حماس" قدمت كل ما يمكنها من معلومات ودلالات عن مصير الجنود الأسرى، بما لا يدع مجالاً للشك لدى عائلات الجنود، ولدى جمهور الاحتلال وحكومته، بأنَّ هناك أطرافاً في "دولة" الاحتلال لا تريد حل هذا الملف خشية على مصالحها الذاتية والشخصية.
بعد هذه المعلومات، تلقي "حماس" اليوم الكرة في ملعب المجتمع الصهيوني الذي يرى حكومة المتطرفين مقبلة على الحكم، وسط تأكيدات ومخاوف لدى "جيش" الاحتلال من أن هذه الحكومة لا تعي المخاطر المحدقة به وبالجنود، وقد تستغلّ من يخدمون فيه لتحقيق مصالح المتدينين الذين لا يتجندون ولا يعون معنى المخاطر التي يتعرَّض لها من يخدم في "الجيش".
يُفهم من كلام قائد "حماس" في غزة يحيى السنوار أنَّ الحركة ستكون خلال الفترة المقبلة أمام تحديات كبيرة تدفعها إلى تحريك ملف الجنود الأسرى بطرق خشنة وغير اعتيادية، وربما زيادة غلتها بهم، وهو ما يتوافق مع ما صرح به نائب قائد الأركان لكتائب "القسام" مروان عيسى العام الماضي بأنهم يملكون "أوراق مساومة قوية لإنجاز صفقة تبادل أسرى مشرفة، وهو أهم ملفّ الآن لدى كتائب القسام"، مؤكداً أن ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال سيكون الصاعق والمفجر للمفاجآت القادمة مع العدو.