لقاء النقب.. بناءٌ هشّ في وجه إيران

يخطئ المحور الأميركي دائماً في تحديد مواطن الفشل الذي مُني به في أكثر من جبهة. لذلك، فإنه يبادر إلى العلاج بطريقة غير فعالة.

  • المجتمعون أعلنوا في ختام اللقاء أنَّ هذا الاجتماع سيتحول إلى
    المجتمعون أعلنوا في ختام اللقاء أنَّ هذا الاجتماع سيتحول إلى "منتدى دائم"

يتّفق عدد من المحللين، ومنهم إسرائيليون، على أنَّ المجتمعين في لقاء النقب سعوا لتشكيل حلف متعدد المهام، يطوف بالاقتصاد، ويهتم بالدبلوماسية، ويشدد على الأمن، ويتعاون في العسكر. ووصفت وسائل إعلام أميركية اللقاء بأنه تاريخي، إذ ضمَّ 4 وزراء خارجية عرب (البحرين، الإمارات، مصر، المغرب)، إلى جانب نظيريهم الأميركي والإسرائيلي.

وقال وزير خارجية الكيان الصهيوني في وصف اللقاء: "نكتب التاريخ هنا، ونؤسس لبنية جديدة قائمة على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والاستخبارات"، وشدَّد يائير لابيد على خطورة إيران، وصرح بأنَّ هذا الحلف هدفه مواجهتها.

 ويذهب بعض المتخصّصين في الشأن الإسرائيلي إلى أنَّ مهام هذا الحلف 3:

-         تقوية أعضاء الحلف في الجانب السياسي عبر تعاضدهم أمنياً واقتصادياً وعسكرياً.

-         حماية أعضاء الحلف من أي تعاظم لـ"النفوذ الإيراني"، وخصوصاً بعد التوقيع على الاتفاق النووي.

-         طمس القضية الفلسطينية، عبر الترويج لـ"إسرائيل" كدولة طبيعية وصديقة للعرب.

المجتمعون أعلنوا في ختام اللقاء يوم الاثنين 28 مارس/آذار الجاري أنَّ هذا الاجتماع سيتحول إلى "منتدى دائم" تتم بموجبه سلسلة من الإجراءات، كالاجتماعات الدورية ووضع الخطط المشتركة في مجالات متعددة.

السؤال الذي أحاول بحثه: ما مدى فاعلية هذا المنتدى/الحلف؟ وإلى أي درجة يمكن أن يحقق أغراضه؟ قبل الولوج إلى الإجابة عن هذا السؤال، نطوف على الدول المشاركة، وننظر في ملامح استفادتها من تشكيل هذا الحلف.

1-   الولايات المتحدة

الولايات المتحدة الأميركية هي الراعية لهذا اللقاء الذي تحول تالياً إلى منتدى. ورغم أنّ من دعا إلى اللقاء هو الكيان الصهيوني، فإنَّ رعاية واشنطن تأتي بمعنيين؛ بمعنى الدعم السياسي وغير السياسي لأنشطة المجتمعين، لكن بالطبع بالسقوف التي تضعها واشنطن، والتي تنأى – حالياً - عن أي تهور تجاه إيران، لأنَّ لديها قضايا تعتبرها أهم، كالصين وروسيا، والمعنى الآخر هو التطمين بأن أميركا، وإن سحبت بعض جنودها من المنطقة، فهذا لا يعني أنها سترفع الغطاء عن مجال نفوذها الحيوي. وليس من المتوقع أن تذهب الولايات المتحدة أبعد من ذلك بخصوص هذا الحلف.

2-   جمهورية مصر العربية والمغرب

صرَّح وزير الخارجية المصري سامح شكري لوسائل إعلام مختلفة يوم ختام اللقاء، أنَّ مشاركة مصر ليست موجهة ضد أحد، وهو يعبر ضمنياً عن أن القاهرة لن تذهب بعيداً مع المشاركين في عدائهم الهستيري ضد إيران. أما ما تسعى له مصر، فهو واضح جداً، وهو جمع الاستثمارات وتقوية الروابط الاقتصادية مع المشاركين، وخصوصاً الدول الغنية منهم، كالإمارات، ومن ورائها السعودية.

 وقد سارعت المملكة إلى إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، بحسب خبر نشرته مجلة "فوربس" يوم الأربعاء 30 مارس/آذار، أي بعد يومين من انتهاء لقاء النقب. صحيح أن الرياض لم تكن ضمن المشاركين، لكن يعلم الجميع أنها تدعم هذا التحرك، كما تدعم كل ما يخص التطبيع مع "إسرائيل" ومعاداة إيران. 

ولا يبدو أنَّ مشاركة المغرب تبتعد عن الإطار والهدف المصري، فاقتصاد المغرب يعاني منذ عامين ارتفاع الدين العام وتفشي البطالة، ويحتاج إلى علاجات هيكيلة في اقتصاده واستثمارات وازنة لكي يخرج من أزماته. 

3-   الإمارات والبحرين

يسعى الثلاثي الخليجي، السعودية والإمارات والبحرين، إلى توطيد العلاقة مع "إسرائيل"، وإن توارت السعودية خلف الرسائل غير الرسمية. وقد بدأ هذا المسار منذ عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومؤتمر البحرين المنعقد في حزيران/يونيو 2019 برعاية جاريد كوشنير وحضور "إسرائيل".

إذاً، لقاء النقب - بالنسبة إلى الخليجيين – هو تتويج لكلِّ هذا المسار الذي يهدف إلى طرق مسامير الثبات في عروش الخليج بعد أن تبتعد أميركا عنها. هذا القلق هو ما أبرزته تسريبات الصحافة الأميركية في الأسابيع الأخيرة الماضية من تخوف إماراتي سعودي بشأن الاتفاق النووي وما يفرزه من نفوذ متزايد لطهران، وطلب دول الخليج – الدائم - من واشنطن تطمينات وضمانات بهذا الشأن. وقد أبدت أبو ظبي والرياض استعداداً غير مسبوق أكثر من مرة في استخدام ملاءتهم المالية في دعم مسار التطبيع والقيام بكلِّ ما يلزم لحماية أنفسهم من خطر مُتوهم أو مصطنع يأتي من إيران.

4-   الكيان المؤقت

يدرك الإسرائيليون في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر أنّ مجتمعهم غير متماسك، وأنّ التلاوم الكبير التي تُظهر وسائل إعلامهم سفح الجبل منه فقط متفاقم وكبير وعميق، فمنذ انسحابهم المذل من لبنان في العام 2000، وهزيمتهم في العام 2006، اهتزت فكرة "الجيش الذي لا يُقهر"، التي تعتمد "إسرائيل" في تكوينها وتشكلها وبقائها عليها بشكل أساسي، وخصوصاً أنّ المجتمع الصهيوني في حالةٍ من تزايد الأزمات بشتى صورها.

يتعامد مع ذلك تعاظم محور المقاومة الَّذي يزيد من الخطر الوجودي على كيان بهذه الحالة المزرية. لذا، تأتي اتفاقات التطبيع و"صفقة القرن" ولقاء النقب وغيرها من المحاولات لترميم هذا الخوف، سعياً لتبديد هواجس المستوطنين الوجودية، ونحن نتذكر جيداً كيف عاش الإسرائيليون أياماً عصيبة حين أطلقت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية "سيف القدس" العام الماضي، والتي أذلت حارس الأسوار، وجعلته مرعوباً يتخطفه الموت.

 أما عمليات بئر السبع والخضيرة و"بني براك"، فهي عمليات تؤكد حاجة "إسرائيل" إلى الاطمئنان الذي يتلاشى من أفق الكيان، فالعمليات الفدائية أنجزت العديد من الأمور، أولها الاختراق الأمني، من خلال الفشل الذريع للشاباك والشرطة والأجهزة المختلفة، والثاني إنجاز قتل 11 مستوطناً صهيونياً، ما بدَّد الأمن في ما يسمى "الشريط الأخضر".

وهنا، نعيد التساؤل: ما مدى فاعلية هذا المنتدى/الحلف؟ وإلى أي درجة يمكن أن يحقق أهدافه؟

يخطئ المحور الأميركي دائماً في تحديد مواطن الفشل الذي مُني به في أكثر من جبهة. لذلك، فإنه يبادر إلى العلاج بطريقة غير فعالة، ومن المخاطر المفترضة لهذا المحور هو ما يسميه "الخطر الإيراني".

حين نأتي لنشرّح هذا الخطر المفتوح على السياسة والأمن والعسكر والجغرافيا، فإننا نتحدث عن دولة لا تخالف القانون الدولي، حتى في تملصها من العقوبات الأميركية، فطهران لا تخالف قانوناً دولياً صادراً عن الأمم المتحدة، كما أن الجمهورية الإسلامية تبني مع حلفائها استراتيجية "المقاومات المتفرقة على رقعة الجغرافيا، والمتحدة في وجهة الاستراتيجيا". هذه القوى المقاومة المختلفة ليست مرتزقة عند طهران لكي يكون القضاء عليها ممكناً، بل تتوفر على 3 عوامل مهمة تجعل تدميرها مهمة مستحيلة:

 الأول: أنَّ هذه القوى المقاومة تحمل قضايا وطنية محلية، كلٌّ منها في بلدها، وتتحد في القضية الفلسطينية، فإذا كانت تحمل هماً وطنياً، وآخر قومياً أو دينياً، فكيف يمكن دحض ذلك وتدميره؟

الأمر الثاني: أنَّ العقوبات وسياسة البطش الأميركية، والتي وصلت ذروتها في احتلال العراق وأفغانستان، دفعت قوى المقاومة إلى التمسك أكثر بفكرة تحطيم هذا الصّنم الإمبريالي، وهذه القوى التي تشكّل جسد محور المقاومة الممتدّ هي في طليعة النموذج العالمي الذي يقدم هذا الخيار الكبير والصعب، بالتالي كيف يمكن للقاء النقب أن يبخّر كل هذه الثقافة الراسخة في القناعات والنابعة من المعاناة؟ 

الأمر الثالث: أن استراتيجية محور المقاومة مبنية على تراكمية واضحة، متصلة بأيديولوجيا التحرير، بينما المحور الأميركي مبني على المصالح السياسية التي تتبدل باستمرار. خير مثال على ذلك أنَّ تحالف العدوان على اليمن بدأ في العام 2015 بأكثر من 20 دولة، لكن انتهى به المطاف إلى السعودية والإمارات اللتين تتسولان المزيد من الدعم من الأميركي والبريطاني.

الخطوط الحمراء لإيران في المنطقة

من أهمّ خطوط الحمراء الإيرانية التي تؤرق الكيان الصهيوني هو وجوده في أكثر من بقعة بحجج مختلفة. يرصد الإيرانيون تحركات "إسرائيل" عن كثب، ويستهدفون وجود استخباراتها في المكان والزمان المناسبين. وكان لضرب مركز استراتيجي للكيان الصهيوني في أربيل في كردتسان العراق في 12 مارس/آذار بـ12 صاورخاً دلالة واضحة على أن حرس الثورة يرصد مثل هذه التحركات التي تمثل خطراً على أمن طهران القومي، وأنَّ الخطوط الحمراء رُسمت في هذا الشأن.

كلّ تلك التحديات لا يمكن للقاء النقب أن يعالجها، ولو قام حلف عسكري من رحمه، ذلك أنَّ التشتّت الاستراتيجي عند المشاركين لا يمكن لـ"إسرائيل" لملمته، وبالتالي سيغدو هشاً في وجه إيران.