لعبة الدّم القواتية والمقاومة المنتصرة
القوات اللبنانية التي لم تتخلَّ عن المنطق الميليشياوي، حتى بعد خروج قائدها من السِّجن بعد حلّها عام 1994، ما زالت تلعب على أكثر من وتر، وتقدّم نفسها رأس حربة المشروع المناوئ لمحور المقاومة.
يتصدّر حزب القوات اللبنانية المشهد برمّته في الشارع المسيحي، والذي يلعب فيه ركّاب السفينة على وتر الانتخابات النيابية، ويحاول كل منهم تجييش شارعه علّه يكسب بعض الأصوات هنا أو هناك.
القوات اللبنانية التي لم تتخلَّ عن المنطق الميليشياوي، حتى بعد خروج قائدها من السِّجن بعد حلّها عام 1994، ما زالت تلعب على أكثر من وتر، وتقدّم نفسها رأس حربة المشروع المناوئ لمحور المقاومة. فتراها تارةً تتصدّر المشهد إعلامياً وترفده بثقافة تعبئة خاصة ومحابية لقوى التآمر، وتتصدّره طوراً سياسياً وعسكرياً، وظهر ذلك في أكثر من نقطة، بدءاً بالتخلي عن الرئيس الحريري في عزّ محنته السعودية وتركه وحيداً والتمايز عنه، ثم عسكرياً في إبراز حزب القوات اللبنانية على أنه الوحيد القادر على منازلة المقاومة، أو إزعاجها، أو "زكزكتها"، بالاستناد إلى أن حزب الله لن ينجرّ إلى حرب لا تخدمه ولا يريدها. ويقدّم القواتيون عدة مشاهد حدثت في الأسابيع الماضية في حاصبيا وخلدة، وقبلهما في عدة مناطق.
يُخطئ القواتيون الذين يبنون كل شيء حالياً وفق حسابات الانتخابات، مرّة بالركوب على موجة ما يُسَمى "الثورة"، ومرة أخرى عبر تقديم أنفسهم إلى الراعيَين، الأميركي والسعودي، على أنهم القوة الأكثر تنظيماً وأدلجةً، والقادرة على الحشد ومواجهة المقاومة.
لم يخطر في بال أبناء القتل الممنهَج والغدر الطاغي أنهم لا يتعاملون مع حركة وطنية مشتَّتة الولاءات، تنطلق من رؤوس كبيرة، لكل رأس منها أهدافه الخاصة وأولوياته التي تتضارب مع المشروع المناوئ؛ أي الجبهة الوطنية، أو اليمين في ذلك الوقت. وسيرى القائد المغوار أن حساب الحقل لن يطابق حساب البيدر، لا الآن، ولا بعد فترة، إن جرت الانتخابات النيابية. وإن تعويل القواتيين على إحداث خضّة قوية في الشارع المسيحي تنعكس على صناديق الاقتراع، وتُترجَم بتسونامي معاكس لمصلحتهم، لن يتحقَّق. وحتى لو نجحوا في ذلك، فلن يستطيعوا تقريشه سياسياً. فالبلد لا يُدار إلاَ وفق رؤية معروفة، وتوافق لا يخفى على أحد.
ولْيَلْحَظْ أبناء معسكر الدم النقاطَ التالية:
أولاً: لا يوجد في لبنان مَن يشكّ في قدرات المقاومة العملياتية والعسكرية على إنهاء أيّ حالة شاذّة، مهما علا شأنها، مع اختيار الوقت الملائم. وبالتالي، فإنّ الصبر الاستراتيجي محلياً، والعضَّ على الجرح، لا يعنيان خوفاً أو ضَعفاً أو تلكؤاً.
ثانياً: ليَحْمدْ أبناء هذا المعسكر اللهَ، لأن على رأس الخط المقابل سيداً يسترشد بعقله، ويتصرّف بحكمة ومنهجية، ولا يعتمد أبداً نَكْءَ الجراح، وإثارةَ القلاقل، وزيادةَ الإفرازات الطائفية والمذهبية.
ثالثاً: إن مَن حقّق انتصارات إقليمية هنا أو هناك، ومن ساهم في إرساء معادلات جديدة، وأصبح لاعباً محورياً، لن يردعه قارئ نَهِم استراتيجياً(!!) وخاسرٌ في كل معاركه السياسية والعسكرية.
رابعاً: مَن يساهم في كسر إرادة الحصار الاقتصادي الأميركي، ويربط البلاد بمحور شرقي يبدأ بإيران ولا ينتهي بروسيا والصين، لن يقف أمام الحرائق التي تُشعلها هذه الأدوات، على الرغم مما تتحمَّله الطبقة السياسية طبعاً من مسؤولية عما حدث من انهيار في لبنان.
خامساً: إن سلاح الغدر الذي يميّز جماعة السفارة الأميركية، لن يُرَدّ عليه بغدر مماثل. فمحور المقاومة أبعد ما يكون عن الغدر، شكلاً ومضموناً ومعنىً ومبنىً.
سادساً: إن أكبر ردّ على هذه الأفعال الميليشياوية، والتي زنّرت تاريخ القوّاتيين منذ خمسة عقود، هو الاستمرار في كسر الإرادة الأميركية ـ الصهيونية، وإعادة صوغ علاقات سوية بسوريا، لمصلحة لبنان والشعب اللبناني.
سابعاً: يجب استمرار جبهة الأحرار في كسر هذه الطبقة اقتصادياً، من أجل خدمة أبناء الشعب اللبناني برمّته، وخصوصاً أن هذه الطبقة تُعرَف بارتباطها العميق بكارتيلات نفطية ـ مصرفية ـ غذائية، تُعَوِّق وضع البلد في السكة الصحيحة، ولو مرحلياً، على الرغم من أن مشكلة لبنان بنيوية، ولا تقتصر على مشاكل آنية أو مستحدَثة.
ثامناً: لقد فوّتت القوات اللبنانية عدّة فرص من أجل إعادة تكوين خطاب وطني يقرّب المسافات مع الشريك في الوطن، فتخاذلت واندمجت في أحلاف الحرب الناعمة والبترودولار. وإن الرابح في أيّ معركة سياسية أو عسكرية هو مَن يكسر أهداف الطرف الآخر، ويفوّت أي فرصة في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، كما يريدها تجّار الدم وأدوات المحاور المتهاوية.
لا شكّ في أن المرحلة المقبلة بالغة الأهمية، من خلال إسقاطاتها الإقليمية. والساحة اللبنانية ستشهد إشكالات متنوّعة كلما اقتربنا من الاستحقاق الانتخابي. ومَن يقدّم نفسه قرباناً على المذبح الأميركي المشتَّت والمتراجع، والمذبح السعودي الذي يرتّب أوضاعه في المنطقة والإقليم، فلن يلقى سوى الخيبة.
الرحمة للشهداء، والمجد لمن يصون وطننا لبنان ويحفظه.