"كمين النمر".. هل سيؤدّي إلى عملية سورٍ واقٍٍ 2؟
الكمين المركّب الذي نفّذته المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين، بقيادة كتيبتها، أحدث صدمة حقيقية لكل من المستوى العسكري والأمني في آن واحد، من حيث قدرة الكتيبة على تطوير قدراتها العسكرية والتقنية والاستخباراتية
تزايد الحديث الإسرائيلي بعد عملية "كمين النمر" الذي استخدمت فيه كتيبة جنين للمرة الأولى العبوات الناسفة لاستهداف رتلٍ من العربات المصفّحة الإسرائيلية المتطوّرة من نوع "نمير"، والذي أسفر عن تدمير مدرّعة بشكل كليّ، وأربع مدرّعات بشكل جزئي، وإصابة سبعة جنود إسرائيليّين.
فهذا الكمين المركّب الذي نفّذته المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين، بقيادة كتيبتها، أحدث صدمة حقيقية لكل من المستوى العسكري والأمني في آن واحد، من حيث قدرة الكتيبة على تطوير قدراتها العسكرية والتقنية والاستخباراتية، رغم كل عمليات الاغتيال والملاحقة والاعتقال والاستهداف للكتيبة ضمن استراتيجية كاسر الأمواج الإسرائيلية التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي منذ قرابة عامين ضد المقاومة في الضفة الغربية.
أما على المستوى السياسي المتمثل بالحكومة الإسرائيلية فعلى ضوء تلك المتغيّرات باتت "إسرائيل" تشعر بالقلق على فقدان ثقة نواتها الناخبة بها، وهم المستوطنون واليمين الديني، وباتت تفكّر بأعمال تعيد استرجاع ثقتهم، من خلال دعوة بعض أركان الحكومة الإسرائيلية لعملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية على غرار عملية السور الواقي التي نفذها الجيش الإسرائيلي عام 2002 والذي أعاد احتلال المناطق التي كانت تحت سيادة السلطة الفلسطينية. لكنّ عملية عسكرية إسرائيلية في شمال الضفة الغربية تداعياتها الأمنية والسياسية والعسكرية تحتاج إلى حسابات إسرائيلية معقّدة.
واعتبر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنّ أحد أكبر المخاطر لعملية واسعة النطاق في الضفة الغربية هو تسريع انهيار السلطة الفلسطينية، ومثل هذا الانهيار يتعارض مع مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. رغم أن معهد الأمن القومي الإسرائيلي معروف بارتباطاته الأميركية القوية، وموقفه الداعم لإيجاد حلّ سياسي لإنهاء الصراع من خلال خطة قدّمها المعهد قبل عامين تعتمد على إعادة الانتشار الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتسليم بعض المناطق للسلطة الفلسطينية لإنشاء كيانية سياسية للفلسطينيين دون الدولة وأعلى من السلطة.
كلّ ذلك خوفاً من قتل حلّ الدولتين والانتقال الفعلي لحل الدولة الواحدة والتي من وجهة نظرهم ستحوّل "إسرائيل" إلى دولة "أبرتهايد" تفقدها شرعيتها الدولية، لذلك معهد الأمن القومي الإسرائيلي دائماً مع تعزيز دور السلطة الفلسطينية كونها بالنسبة لهم الجسم الفلسطيني الملائم لتحمّل عبء السكان الفلسطينيين وعدم انزلاق "إسرائيل" للدولة الواحدة.
لكن طروحات معهد الأمن القومي تتناقض مع توجّهات الحكومة الإسرائيلية السياسية، فلا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مع تقوية السلطة ولا حتى مؤمن بحلّ الدولتين، فمنذ تولّيه الحكم عام 2009 وهو يرفع شعار عقيدة اللا حلّ مع الفلسطيني، وصولاً إلى فكرة التطبيع الإبراهيمي الذي يقفز عن القضة الفلسطينية تجاه التطبيع مع العرب.
والأهم أنّ كلّاً من إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، هدفهما المركزي هو تهويد وضم الضفة الغربية، بمعنى آخر إنهاء السلطة بدورها السياسي الطبيعي، وحتى فكرة تحويلها إلى وكيل أمني لخدمة أمن الاحتلال بن غفير وسيموتريتش يرفضانه، وتبقى الجهة التي حتى الآن تحافظ على وجود السلطة الفلسطينية إسرائيلياً جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) ومجموعة من قادة الجيش الإسرائيلي.
هناك تخوّفات إسرائيلية حقيقية من عملية عسكرية واسعة في شمال الضفة الغربية من أهمها:
الأول، الخوف الإسرائيلي من اتساع عمليات المقاومة العسكرية والشعبية لكل إرجاء الضفة الغربية، وإدخال وسط وجنوب الضفة على خط المواجهة، على أثر تداعيات العملية العسكرية الواسعة بما تحمله من مجازر وضحايا من الجانب الفلسطيني. وهنا تدخل الضفة بكاملها للمواجهة الأمر الذي تعمل "إسرائيل" جاهدة على عدم حدوثه.
ثانياً، دخول ساحات غزة والخارج على خط المواجهة، وتجد "إسرائيل" نفسها أنها تخوض حرباً على جبهات متعددة، السيناريو الذي دوماً تسعى "إسرائيل" لتفاديه، وخاصة أنّ كلّ الجبهات الأخرى تحمل في طياتها عوامل تفجير، سواء الجبهة اللبنانية أو السورية أو حتى الإيرانية، والتي من السهل أن تكون العملية العسكرية الواسعة شرارة التفجير لتلك العوامل الكامنة في الجبهات كافة.
ثالثاً، الخشية من حملة انتقادات دولية على أثر الضحايا الفلسطينيين المتوقّع سقوطهم أثناء العملية الواسعة في شمال الضفة الغربية، وخاصة مع تململ الموقف الأميركي تجاه الحكومة الإسرائيلية الحالية، والنظرة الناقدة للاتحاد الأوروبي للحكومة الإسرائيلية الفاشية الحالية.
لكن رغم كل المخاوف الإسرائيلية، تبقى الحسابات الإسرائيلية تعتمد على معادلة هل الخسائر الإسرائيلية من وراء تلك العملية بشرياً وسياسياً تتناسب مع حجم الإنجاز الذي يمكن لها تحقيقه؟ وهنا الإجابات تختلف داخل مؤسسات صنع القرار الإسرائيلي، فالجيش الإسرائيلي لا يعتقد أن العملية الواسعة ذات جدوى عملياتيّ حقيقيّ.
أما المستوى السياسي فأهم أهدافه من العملية الواسعة استثمارها كورقة انتخابية وأيدلوجية لتعزيز قوته السياسية الانتخابية بين جمهوره اليميني الاستيطاني الفاشي، وجهاز الشاباك الإسرائيلي موقفه متردّد من الذهاب لعملية واسعة، فتدفعه بقوة حجم التحذيرات الأمنية الصادرة من شمال الضفة، ولكن الشاباك يدرك أيضاً التداعيات الكبيرة من جراء تلك العملية على الحالة الأمنية برمّتها في الضفة الغربية بما فيها انهيار السلطة الفلسطينية.
بناء على كل ما تقدّم سابقاً، أعتقد أن "إسرائيل" لن تقدم على عملية واسعة في شمال الضفة الغربية إلا إذا توفّر لها توقيت سياسي مناسب، أو أن تُجبر على تلك العملية على ضوء عمل نوعي كبير يخلط الأوراق صادر من شمال الضفة.
من دون توفّر ذلك، ستذهب "إسرائيل" إلى زيادة وتيرة عملياتها العسكرية المعتادة ضمن استراتيجية كاسر الأمواج التي تستخدمها ضد المقاومة في الضفة، مع إدخال أساليب عسكرية وأمنية جديدة، مثل استخدام الطائرات المروحية في القتال والاشتباكات مع مسلحي المقاومة، والعودة لاستخدام الاغتيال من طائرات مسيّرة أو مروحية من الجو من دون الحاجة للقوات البرية التي باتت تدفع ثمناً باهظاً على ضوء دخول تكتيك العبوات المتفجّرة والكمائن المباغتة على خط المواجهة مع قوات جيش الاحتلال.
فرغم أن ذلك يعتبر فقداناً إسرائيلياً للسيادة على الأرض بشكل غير مباشر، إلا أنه يمنحها السرعة والمرونة والأهم السلامة العملياتية لتنفيذ عمليات اغتيال أو قصف لبيوت أو مخازن للمقاومة، التي نتوقّع ارتفاع وتيرتها خلال الأيام المقبلة.