كلمة السيد نصر الله.. تثبيت قواعد الاشتباك مع تغييرها في آنٍ واحد
لقد تحدَّث السيد نصر الله بشكل مُفصَّل خلال كلمته عما جرى في الأيام القليلة الماضية من عدوان إسرائيلي عبر الطائرات الحربية على جنوب لبنان، وعما تلاه من رد للمقاومة.
لعلَّ أهم ما جاء في كلمة الأمين العام لـ"حزب الله"، والتي ألقاها في الذكرى الخامسة عشرة لنصر تموز، كان في ما لم يُصرِّح به، بل في ما جاء بين الكلمات وفي مقتضيات حديثه.
لقد تحدَّث السيد نصر الله بشكل مُفصَّل خلال كلمته عما جرى في الأيام القليلة الماضية من عدوان إسرائيلي عبر الطائرات الحربية على جنوب لبنان، وعما تلاه من رد للمقاومة بقصف مناطق في مزارع شبعا المحتلة بعشرين صاروخاً بعد ساعات قليلة. هذا التفصيل يحتاج إلى بعض التمحيص في ما وراء الكلمات الصريحة لفهم أبعاده على الكيان الصهيوني.
بدأ السيد نصر الله حديثه بشرح الوضع الاستراتيجي للعدو الصهيوني، مستنتجاً من واقع المقاومة ووضع الكيان الصهيوني الداخلي ودرجة جهوزيته للحرب، عدم رغبة الأخير في الدخول في حرب ستشكل عليه خطراً وجودياً، كما يقر بذلك العديد من منظريه، ومن ثم استطرد في شرح دوافع المقاومة لتنفيذ رد شبه فوري على الغارات الجوية الصهيونية الأخيرة، معلناً حتمية رد "حزب الله" بشكل متناسب وسريع على أي عدوان جوي مستقبلي في حال وقوعه.
وقد أبقى خيارات الحزب مفتوحة بخصوص ساحة الردّ، إذ قال إنَّ "حزب الله" سيرد في أيّ بقعة يراها مناسبة، سواء في الجولان المحتل أو مزارع شبعا المحتلة أو في فلسطين العام 1948، ولكنَّ الأمين العام عاد وأكَّد أن هدف "حزب الله" يقتصر على تثبيت قواعد الاشتباك التي سرت منذ نصر تموز/يوليو 2006، لا محاولة تعديلها، كما قرأ الصهيوني، وفكرة تثبيت قواعد الاشتباك هذه يلزمها شيء من التفصيل.
بمعزلٍ عن قضية إخفاق الاحتلال في تقدير الجهوزية الحقيقية لـ"حزب الله"، وقراره بالرد على أي عدوان صهيوني يخرق قواعد الاشتباك السارية، إذ توهم أنّ الحزب سيمتنع عن الرد نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان في هذه المرحلة، محاولاً تعديل قواعد الاشتباك في ظروف ظنَّها مؤاتية، وفق ما تحدثت به كبريات الصحف العبرية، بمعزل عن هذا البعد للعدوان "الإسرائيلي" الأخير، يظل هناك مستجدّ لا يصحّ التغافل عنه، فقد تكرّرت أكثر من مرة في الأشهر القليلة الماضية بعد معركة "سيف القدس" وأثناءها عمليات إطلاق "صواريخ مجهولة المصدر" على شمال فلسطين المحتلّة، ولم تحصل عمليات كهذه منذ تموز/يوليو 2006، وحتى معركة "سيف القدس"، اللهم إلا مرة أو مرتين عابرتين.
وقد قال العدو الصّهيونيّ إنَّ غاراته الأخيرة كانت رداً على عملية إطلاق "الصواريخ المجهولة المصدر" الأخيرة، لكن السيد نصر الله، وفي معرض حديثه، أشار بعجالة إلى أنَّ مسؤولية ضبط عمليات كهذه تقع على عاتق الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل".
وبهذا، أكَّد - وبحقّ - أنّه ليس من مسؤوليّة "حزب الله" حماية حدود فلسطين المحتلة، ولكن في المقابل، رسم خطوطاً حمراً أمام العدو الصهيوني تمنعه من استخدام الطيران ضد الأراضي اللبنانية، أو الاعتداء على الجيش اللبناني أو المدنيين، أو البنية التحتية اللبنانية، أو مواقع "حزب الله"، تحت أيّ ظرف، وهذا بالفعل تثبيت لقواعد الاشتباك السارية منذ العام 2006 تقنياً.
أمّا فعلياً، فقد بات لبنان بعد كلمة الأمين العام محمياً من أي عدوان صهيوني يمكن أن يتعرّض له كنتيجة لتكرار عمليات إطلاق "الصواريخ المجهولة المصدر" على شمال فلسطين المحتلة، وهذا ببساطة يضع الكيان المحتل في مأزق إذا ما فكر مستقبلاً في الرد على عمليات كهذه، وهو يُضيِّق إلى حدٍ بعيد هامش المناورة أمامه، ما يغير في الوضع القائم على حدود فلسطين المحتلة الشمالية منذ العام 2006.
ولعلَّ هذا يجيء مصداقاً لِما تنبّأ به ألون بن دافيد حين قال في 24 تموز/يوليو المنصرم إنَّ الإشارات التي تلقّوها من الشمال توضح أنَّ الهدوء على الحدود اللبنانية انتهى، بعد أن تلقّى الكيان الصهيوني هذا الأسبوع تذكيراً آخر بأن الهدوء الرائع الذي ساد الشمال في سنوات ما بعد حرب لبنان الثانية انتهى. ومرة أخرى، أصبحت الحدود خط مواجهة نشطاً، وأضاف بأن الحدود نفسها ومستوطنات الشمال ليستا جاهزتين للمواجهة.
إذاً، يمكن القول إنَّه بعد جولة القصف والقصف المضاد، وما تلاها من بيان صادر عن "حزب الله" بخصوص رده الصاروخي، مصحوباً بتفصيل أمينه العام، صار العدو الصهيوني في وضعٍ أسوأ من الناحية التكتيكية مما كان عليه قبل هذه الجولة الأخيرة المحدودة جداً في الزمان ورقعة الاستهداف، ناهيك بعدم سقوط أي خسائر في الجانب اللبناني، بشريةً أو مادية على حد سواء، والكرة الآن باتت في ملعب العدو الصهيوني بلا شك.