قمة بغداد والتحوّلات الإقليمية والغربية
بحسب مصادر مطّلعة، فإن العراق يكثّف جهوده لضمان حضور محمد بن سلمان وبشار الأسد، إلى جانب إبراهيم رئيسي، كي يُصار إلى إصدار ميثاق.
قمة يدعو إليها العراق، ومن المقرَّر أن تنعقد في بغداد نهايةَ الشهر الجاري، سيُدعى إليها قادةُ دول الجوار العراقي، بالإضافة إلى قادة عرب وممثِّلين رفيعي المستوى عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
قمة تبدو، بحسب مصادر دبلوماسية، أكبرَ وأوسع من محيط الجوار العراقي، حيث لدى قادة بغداد مآربُ أخرى من ورائها، على ما يبدو.
وتقول المصادر إن وزارة الخارجية العراقية وسِفاراتها في العواصم المعنية، تشهد حالة استنفار كامل لضمان حضور قادة الدول المدعوّة، وتحديداً رؤساءَ مطلوباً عراقياً حضورهم القمة. وإن أيَّ أعذار سوف لن تكون مقبولة، بحسب ما أكّد صديقنا الدبلوماسي، الذي قال إن دعوة مؤكَّدة وُجِّهت إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أجل حضور القمة، وإن العراق يطمح إلى حضور وليّ عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
آمال عراقية في مصالحة شاملة بين ضفتي الخليج
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين وصل طهران وسلم الدعوة إلى الرئيس الإيراني، مع تأكيد حضور السيد رئيسي، بغضّ النظر عن الظروف ومواعيد تشكيل الحكومة.
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن العراق يكثّف جهوده واتصالاته لضمان حضور كلّ من وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، كي يُصار إلى إصدار ميثاق، أو "إعلان بغداد"، الذي سيؤسس مصالحة شاملة في المنطقة – بحسب ما يأمل العراق –، من أجل قطف ثمار اللقاءات والحوارات المباشِرة وغير المباشِرة بين إيران وكل من السعودية ومصر بوساطة عراقية، وبين سوريا والسعودية بوساطة إماراتية.
وكشف مصدر مسؤول في الخارجية العراقية أهداف القيادة العراقية من عقد القمة، وقال إن العراق يسعى لعرض خلاصات مساعيه كقطب توافقي في المنطقة، وعبر وضع النقاط على الحروف بشأن نتائج طاولة بغداد للحوار الذي جرى بين إيران والسعودية، والتمهيد أيضاً لعودة سوريا لاعباً فاعلاً ومؤثّراً، لتهيئة الأرضية لمشاريع استراتيجية اقتصادية في الدرجة الأولى، تحتاج إلى ظروف إقليمية هادئة وعلاقات إيجابية بين الدول.
يعتقد القادة العراقيون أن سياسة "النأي بالنَّفْس الإيجابي" في السنوات الماضية أتت ثمارها، وأن بغداد كانت مطلوبة على الدوام في الوساطات، وفي مناقلة الرسائل.
صحيح أن الدعوة إلى هذه القمة المهمّة والكبيرة توحي بأن تطوّرات إيجابية في الطريق، إلاّ أنَّ من المبكر الحكم فيما إذا نجح العراق فعلاً في تقريب وجهات النظر بين المتخاصِمِين في المنطقة، وأنه استطاع تقليل أحجام المشكلات والتوترات بين بعض الدول ذات الأوزان الكبيرة، وأنه نجح في تبريد مستوى حديتها. وبالتالي، فهو في حاجة إلى قرارات بشأن التهدئة من جميع الأطراف، بما فيها الغربية والأميركية؟
إيران والمتغيرات الأوروبية
في القراءات التفاؤلية، تظهَرُ في الأُفقَين، القريب والمتوسط، جملة مؤشرات إيجابية، في مقدِّمتها الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية من المنطقة، وفي إطار ما يُعتقد أنه انسحاب سيترك لعقلاء هذه المنطقة فرصةَ الاجتماع ومعالجة أزماتهم، ومعرفة أن الولايات المتحدة لم تعد الشرطي الذي يهدّد هذا الطرف ويُسكت ذاك، بحسب ما كتبت "بلومبيرغ" قبل مدة، مشيرة إلى خيبة سعودية من خذلان الغرب للرياض في حسم حرب السنوات السبع مع اليمن، وأيضاً الخيبة بشأن عدم تعاطيه الحازم مع إيران.
وفي هذا السياق، برزت مؤشِّرات إيجابية في الساعات الأخيرة، تدعم فكرة أن الغرب يؤيد تهدئة راسخة في المنطقة، وأن التطورات ذاهبة إلى استقرار بعد مراجعة كل الأطراف أجِنْدَةَ مصالحها المستقبلية في هذا الجزء من العالم:
- عودة السفير البريطاني الجديد، سايمون شركليف، إلى مقر عمله في طهران، حاملاً رسالة تفيد بأن بريطانيا لا تذهب إلى الصِّدام مع إيران كرمى لسواد عينَي نفتالي بينيت، بشأن حادثة السفينة ميرسر ستريت.
- اتصال هاتفي لمدة ساعة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني، فحواه أن باريس مصمِّمة على بقاء العلاقة بطهران، وأنها تأمل في اللقاء إلى طاولة فيينا قريباً، وأن إيران شريكة في ترتيبات قريبة في المنطقة، ومنها لبنان، على سبيل المثال.
هذا التحوُّل في الموقف الأوروبي يأتي باكورةَ قراءة غربية لآفاق الدور الإيراني، وذلك مع مجيء طاقم جديد يُدير مؤسسة القرار في إيران، ويحمل رؤية واقعية، في ضوء ما رسمه وتحدّث عنه الرئيس إبراهيم رئيسي، وتحت عنوانَي التغيير والعهد الجديد، ومع تأكيده، في كل مناسبة، أنه سيعمل على إقامة علاقات وثيقة وتشاركية بجميع دول الجوار.
وهنا، أستعير كلاماً مهماً للرئيس الإيراني الجديد، قلّما سمعته من المسؤولين الإيرانيين خلال السنوات العشر الماضية على الأقل، إذ قال ما نصّه "أمن الخليج لا يكون بالضرورة عبر السفن الحربية والترسانات العسكرية. الأمن يمكن أن يتحقّق عبر الاقتصاد، أو ما أسمّيه الأمن الاقتصادي، من خلال الروابط المشتركة، والتداخل في المنافع الاقتصادية مع الدول الجارة".
في التمهيد لذلك، وعقب الإعلان بشأن الحوار، لثلاث جولات على الأقل، بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين في بغداد، لم تتوقّف المصادر المسؤولة في طهران عن تأييد هذا الحوار، والتطلع إلى أن يُفضي إلى نتائج إيجابية.
ثمار النصر السوري عبر بوابة بغداد
لكنْ، ماذا يعني حضور الرئيس المصري المحتمل قمةَ الجوار العراقي؟
إن الحضور المصري في القمة هو حاجة عراقية في الدرجة الأولى. فالمتوقَّع أن تعمل بغداد على أداء لعبة تبادل أدوار مع القاهرة، بثقلها الكبير، بشأن إقناع بعض العرب (أو عبر "الفرض") بضرورة العودة السورية إلى الجامعة العربية، والاندماج في الجسد العربي، بعد أن صار واضحاً أن دمشق انتصرت وخرجت من المعركة، وهي في حاجة، في الوقت نفسه، إلى عملية إعادة إعمار، ترى دمشق أن من الضروري أن يكون للعرب دورٌ فيها، مستثمرين ومساهمين، وفق ما كشفه أثرياء ومسؤولون عرب زاروا دمشق مؤخراً.
حتى الآن، كل ما كُتب وقيل هو جميل وإيجابي، ويبعث على التفاؤل بشأن قمة بغداد. لكن، ماذا عن المعوّقات؟ وماذا عن تركيا، التي تورّطت في تجارة الأزمات، وارتهان خيوط التوتر التي تريد بغداد تفكيكها؟ ولماذا تحدّث رئيس الوزراء العراقي هاتفياً لأكثر من نصف ساعة مع إردوغان، لإقناعه بقَبول لقاء موفد بغداد الحامل إليه دعوة إلى حضور القمة؟
هنا، أفشي ما همس به أحد المطَّلعين في العاصمة طهران، وتحدَّث عن أزمة تَلُوح في الأفق مع أنقرة. من مؤشِّراتها تراجع الرئيس إردوغان عن المشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني. يقول المصدر: للأسف، إن بعض أصدقاء إيران لا يريدون لها أن تخرج من القمقم. وإن مجيء رئيس جديد يتبنّى أجندة من أجل إحداث انقلاب واسع، اقتصادياً وسياسياً، ويخطّط لنشر مروحة واسعة من العلاقات الإقليمية والدولية، أمر لا يحبّذه هذا البعض. فما بالك بمصالحة إيرانية– سعودية، وبعلاقة إيرانية مصرية، ثم استقواء سوريا بالعمق العربي؟
في معنى أوضح، يبدو أن حلحلة الأزمات، وخفض مستوى التوتّر، وتبريد الأزمات في المنطقة، إن لم يكن تصفيرها، يبدو أنها ستُضعف مستوى تأثير تركيا وقطر وأطراف أخرى لا تحبّذ دخول سوريا "نادي بغداد، عمان، القاهرة"، وهو المتوقَّع بعد القمة العراقية.
والأكثر من ذلك، إذا ساعد الأوروبيون، الذين سيحضرون قمة بغداد، العراقَ على وضع النقاط على حروف وساطته بين الرياض وطهران، وبين طهران والقاهرة، فإن الرؤية التقليدية بالنسبة إلى هذا الجزء من العالم سوف تتغيّر بالكامل، ولمصلحة الجميع.