قراءة في دلالات طرد الوفد الإسرائيلي من قمّة الاتحاد الأفريقي

استكمال البناء على حادثة طرد الوفد الإسرائيلي للحيلولة دون استمرار الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا هو عملية مركبة تحتاج إلى جهد جماعي عربي أفريقي مستمر وموحد ومتفق على أدواته وآلياته.

  • قراءة في دلالات طرد الوفد الإسرائيلي من قمّة الاتحاد الأفريقي
    قراءة في دلالات طرد الوفد الإسرائيلي من قمّة الاتحاد الأفريقي

قُبيل مغادرته أوغندا مطلع شباط/فبراير 2020، وقف رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو قائلاً: "إنني أسافر الآن للقيام بزيارة أخرى إلى أفريقيا. هذه هي الزيارة الخامسة التي أقوم بها خلال 3 سنوات ونصف سنة مضت".

وأضاف: "إسرائيل تعود إلى أفريقيا بشكل كبير. لقد عادت الأخيرة إلى أحضان إسرائيل"، مؤكداً أنه متفائل "ببشائر جيدة بالنسبة إلى دولة إسرائيل في نهاية هذا اليوم".

من التسلل إلى الاختراق 

تسلل نتنياهو إلى أفريقيا لم يكن وليد لحظة زيارة أوغندا، فقد تمكَّن في تموز/يوليو 2016 من تحقيق أول اختراق بزيارته دول شرق أفريقيا (أوغندا وكينيا وروندا وإثيوبيا).

وقد توجت الزيارة لاحقاً باستضافة "تل أبيب" 7 وزراء زراعة من دول غرب أفريقيا في مؤتمر زراعي برعاية الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" في كانون الأول/ديسمبر 2016، الأمر الذي مهد لنتنياهو حضور القمة 51 لمجموعة "إيكواس" المنعقدة في العاصمة الليبيرية مونرويفا، بدعوة من رئيسة ليبيريا إلين سيرليف في 4 حزيران/يونيو 2017، وإعلانه أنَّ "إسرائيل تعود إلى أفريقيا بطريقة عظيمة". المفارقة التي حدثت آنذاك كانت مقاطعة ملك المغرب محمد السادس قمة "إيكواس" بسبب مشاركة نتنياهو.

تُوج التسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا بعملية اختراق تمثلت بموافقة موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، منفرداً على منح "إسرائيل" صفة عضو مراقب في الاتحاد الافريقي، وذلك في 22 تموز/يوليو 2021. 

ودعم القرار كل من تشاد والسنغال والمغرب والكاميرون والغابون وساحل العاج وروندا وأوغندا وجنوب السودان، فيما رفضته واعترضت عليه وعلَّقته كل من الجزائر ومصر وليبيا وتونس وجنوب أفريقيا ونيجيريا وموريتانيا والسودان وجيبوتي وغامبيا ونامبيا ولتسوانا والنيجر وأريتريا.

حيثيات الطرد وإحداثياته

لم تأتِ رياح الاختراق بما تشتهي سفن نتنياهو، وتبدل التسلل من النافذة إلى الخروج من البوابة؛ فبعد أقل من عامين على منحها صفة مراقب، طُردت "إسرائيل" من قمة الاتحاد الأفريقي، وعلى الهواء مباشرة.

وجاء في حيثيات حادثة الطرد جملة دلالات، مفادها أن "إسرائيل" غير مرحب بها، وأنها لم تكن مدعوة للحضور، وأن ما حدث لا يخلو من كونه تسللاً. أول الإشارات صدر عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، الذي قال في مؤتمر صحافي خُصص لحادثة طرد الوفد الإسرائيلي على هامش القمة الأفريقية الـ36: "لم تتم دعوة إسرائيل إلى القمة الأفريقية في أديس أبابا، وسيتم التحقيق في الأمر"، مضيفاً: "تم وضع لجنة مخصصة لمناقشة صفة مراقب لإسرائيل". 

هذا هو ما أكدته أيضاً المتحدثة باسم مفوضية الاتحاد الأفريقي إيبا كلوندو، إذ قالت إنَّ المفوضيّة لم توجه دعوة إلى المسؤولة الإسرائيلية - نائبة مدير الشؤون الأفريقية في الخارجية الإسرائيلية السفيرة شارون بار لي - التي طُردت من الجلسة الافتتاحية للقمة الأفريقية في أديس أبابا.

وقالت كلوندو في تغريدة عبر "تويتر": "لم يدعُ الاتحاد الأفريقي الشَّخص الذي تم طرده لحضور افتتاح قمتنا"، وأضافت أنَّ "وضع دولة إسرائيل في الاتحاد الأفريقي قيد المراجعة حالياً لدى لجنة رؤساء الدول".

وتبين لاحقاً أن الوفد الإسرائيلي تسلل إلى قاعة المؤتمر، رغم إرسال المفوضية رسالة إلى السفير الإسرائيلي في إثيوبيا أليلي أدماسو، تتضمن إلغاء دعوة أولى كانت قد وجُهت إليه للحضور. وقد استغل الوفد ظروف التنظيم في محاولة تسجيل حضوره، مُراهناً على عدم الانتباه إلى عملية التسلل خلسة، ومستعملاً بطاقات دخول أشخاص آخرين.

لم تقتصر الحادثة على طرد الوفد الإسرائيلي، فقد سحبت عضوية "إسرائيل" كعضو مراقب من الاتحاد الأفريقي. حدث ذلك بجهد رئيسي لكلٍّ من الجزائر وجنوب أفريقيا، ودعمه جميع القادة الأفارقة المشاركين في القمة، من بينهم رئيس دولة جزر القمر غزالي عثماني وممثلو مصر وتونس وليبيا وموريتانيا والصومال وجيبوتي.

عصفت بقرار موسى فكي الانفرادي بتمرير عضوية "إسرائيل" كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي مجموعة متغيرات بين الدول الأعضاء. وقد أفضى إلى جملة تبعات، كان من بينها قرار قمة الاتحاد الأفريقي في شباط/فبراير 2022 تعليق منح "إسرائيل" صفقة مراقب.

وفي إثره، شُكلت "لجنة السبعة" التي كُلفت ببحث عضوية "إسرائيل" في الاتحاد الأفريقي، وضمت كلاً من الرئيس السنغالي ماكي سال، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوز، والرئيس الكاميروني بول بيا، ورئيس رواندا بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، والرئيس النيجيري محمد بوخاري.

دلالات الطرد وتبعاته

تركت حادثة طرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الأفريقي مجموعة تبعات ودلالات، ولم تكن مجرد خلل في الدعوة أو خطأ في الإجراءات، فالأمر هنا أعمق وأكبر من مجرد حادثة يمكن استدراكها أو تمريرها، وهو يتعلق بالرفض الأفريقي للاختراق الإسرائيلي، وهو مقدمة سيكون لها ما بعدها في مواجهة التسلل الإسرائيلي إلى الدول الأفريقية منفردة؛ فبينما تستفرد "إسرائيل" في التطبيع بكل دولة أفريقية على حدة، كان قرار طرد الوفد وتعليق العضوية قراراً أفريقياً جماعياً.

ويُمكن إيجاز جملة الدلالات التي ترتبت على طرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الأفريقي في ما يلي:

1-  الدول المشكلة "للجنة السبع" المنوط بها بحث عضوية "إسرائيل" في الاتحاد الأفريقي هي دول مؤثرة في النظام الإقليمي الأفريقي، ولها حضورها ووزنها السياسي والاقتصادي، ومن غير الوارد في أجندتها تمرير أو قبول عضوية "إسرائيل" في الاتحاد الأفريقي، ولكن يجب الانتباه من حصول اختراق إسرائيلي مدعوم من واشنطن لبعض هذه الدول، ما قد يؤثر في موقفها.

2-  هناك اتهام إسرائيلي بأنَّ من يقف خلف قرار طرد الوفد الإسرائيلي هم إيران والجزائر وجنوب أفريقيا، ما يعني أن هناك كتلة إقليمية ودولية وازنة وفاعلة ترفض الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا، والأهم أن هناك إقراراً إسرائيلياً ضمنياً بقوة هذه الكتلة وتأثيرها.

3-  غضّت الدول الأفريقية المُطبعة مع "إسرائيل" الطرف عن حادثة طرد الوفد الإسرائيلي وقرار تعليق عضوية "إسرائيل" في الاتحاد الأفريقي، وهو ما يعني صفراً كبيراً لنتنياهو وللرهان الإسرائيلي على التطبيع مع الدول الأفريقية. 

وإذا وضُعت مصلحة أفريقيا أمام التطبيع، فإن الغلبة للمصلحة والوحدة الأفريقية. والمرجح أنه لا يمكن التضحية بالعلاقات البينية بين دول الاتحاد الأفريقي من أجل عضوية "إسرائيل" في الاتحاد، إذا كان التقدير أنَّ ذلك قد يُفضي إلى انقسام بين الدول الأفريقية.

4-  لم يفصل بين حادثة طرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الأفريقي وتطبيع تشاد مع "إسرائيل" وحفاوة استقبال الرئيس محمد ديبي في "تل أبيب" إلا أسبوع واحد فقط. ورغم ذلك، كان أول المُتنكرين لدعوة "إسرائيل" إلى حضور قمة الاتحاد الأفريقي رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي، وهو سياسي ودبلوماسي تشادي، وكان رئيس وزراء حكومة تشاد بين العامين 2003 و2005.

5-  لم تخلُ حادثة طرد الوفد الإسرائيلي من تسجيل هدف فلسطيني في مقابل صفر لـ"إسرائيل" في المرمى الدبلوماسي الأفريقي؛ فبينما كان أمن القاعة يطرد ممثلة "إسرائيل" والوفد المرافق لها، كان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية يجلس على المنصة الرئيسية في الجلسة الافتتاحية لقمة الاتحاد الأفريقي، ويلقي كلمة دولة فلسطين في الجلسة الافتتاحية، وهذا آخر ما كان ينتظره ويتوقعه نتنياهو كنتيجة لسلسلة التسلل والاختراق لأفريقيا.

6-  يمكن البناء على أن حادثة طرد الوفد الإسرائيلي وتعليق عضوية "إسرائيل" في الاتحاد الأفريقي قد تؤثر في السلوك التصويتي للدول الأفريقية في المنظمات الدولية لمصلحة القضية الفلسطينية.

7-  تحولت حادثة طرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الأفريقي من كونها حالة سياسية دبلوماسية إلى حالة شعبية عربياً وفلسطينياً. تمثل ذلك في تدشين حملة إلكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي، دعت إلى حشد الشعوب الأفريقية والعربية لمواجهة خطط حصول "إسرائيل" على عضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي. وغرد الناشطون تحت وسمي "التطبيع جريمة" و"أفريقيا تطرد إسرائيل".

8-  تزامنت حادثة طرد الوفد الإسرائيلي مع حالة ملغمة في العلاقة بين "تل أبيب" وبعض الدول الأفريقية، بعدما كشفت صحيفة "الغارديان" في 15 شباط/فبراير 2023 تورّط "إسرائيل" بالتلاعب في أكثر من 30 عملية انتخابية في العالم باستخدام مجموعة من الأدوات والبرامج السرية التي ضللت الرأي العام، وهو ما عُرف بـ"فريق خورخي". وكانت كينيا من الدول التي تورطت "إسرائيل" في تزوير نتائج انتخاباتها. 

وسابقاً، كانت فضيحة برنامج "بيغاسوس" الذي زودت به "إسرائيل" بعض الدول الأفريقية للتجسس على رؤساء دول وحكومات أفريقية، وهو ما يمكن توظيفه والتحذير منه واستحضاره في كشف محددات الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا.

إنَّ سيناريو إلغاء وإنهاء عضوية "إسرائيل" بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي وارد جداً، وعلى أهميته سياسياً ومعنوياً، لكنه لا يعني انتهاء الاختراق الإسرائيلي الحاصل في القارة الأفريقية، فلا يجب تجاهل العلاقات الأمنية والعسكرية التي تقيمها "إسرائيل" مع النخب العسكرية والجنرالات في أفريقيا.

وبالتالي، فإنَّ عملية محاصرة الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا يجب ألا تتوقف على الرهان على حادثة طرد الوفد الإسرائيلي من قمة الاتحاد الأفريقي وتعليق العضوية والركون إلى ذلك.

ختاماً، إن استكمال البناء على حادثة طرد الوفد الإسرائيلي للحيلولة دون استمرار الاختراق الإسرائيلي لأفريقي هو عملية مركبة تحتاج إلى جهد جماعي عربي أفريقي مستمر وموحد ومتفق على أدواته وآلياته، وخصوصاً أنه يستهدف في محدداته تقويض الأمن القومي العربي والأفريقي المشترك ومكوناته. 

يمكن أيضاً توظيف الحالة الشعبية العربية والأفريقية الرافضة للاختراق الإسرائيلي لأفريقيا، من خلال تسليط الضوء على الممارسات الإسرائيلية العنصرية تجاه الأفارقة المهاجرين الذين طردت منهم نحو 20 ألف مهاجر بعدما خيرتهم بين الترحيل أو السجن، والتذكير بأنَّ "إسرائيل" التي تمنح جنسيتها تلقائياً لأيِّ يهودي يرغب في الهجرة إليها مباشرة لا تفعل الشي نفسه مع اليهود الأفارقة، حتى وصل الأمر بها إلى وضع "الطلاب السود" في فصول دراسية خالية من الإسرائيليين.

ولا بد من التذكير أيضاً بأنَّ نتنياهو عراب الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا وصف في 20 آذار/مارس 2018 المهاجرين الأفارقة بأنهم "أسوأ من الإرهابيين في شبه جزيرة سيناء"، وذلك عقب اكتمال بناء السياج الحدودي على الحدود مع مصر.

هذه العنصريّة الإسرائيلية غير الإنسانية تجاه الأفارقة لا يمكن أن تُفضي إلى علاقات طبيعية بين "تل أبيب" وأفريقيا، وهو أمر لا يمكن تغافله وتجاهله، بل ينبغي استثماره وتسليط الضوء عليه في مواجهة الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا.