في محنة لبنان.. لمن نبتسم؟
استحقاق الحكومة "مكربج" عند مفاعيل النكد والكيدية و"البهورة"، والاستحقاق النيابي مر بقطوع النفس، غير أنَّ نتائجه جاءت ببنية نيابية معقّدة تعقّد معها إنجاز كل الاستحقاقات بدلاً من تسهيلها.
عديدة هي الأسباب التي أوصلت لبنان إلى هذا الدرك. إنها جملة موروثات من الأخطاء والخطايا، كما يقال، تبدأ من أساس تكوين هذا البلد بجغرافيته الحالية، كما حدّدها لنا الجنرال الفرنسي المنتدب هنري جوزيف أوجين غورو عام 1920، على حد منطقة رسمتها معاهدة الدبلوماسيين البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو السرية عام 1916، حين تقاسما النفوذ على الإمبراطورية العثمانية.
موروثات جغرافية، وتاريخية، وسياسية، واقتصادية، وأمنية، وثقافية، وولاءاتية، سمِّ ما شئت... استمرت سلوكاً تتوارثه الأجيال أفواجاً أفواجاً... وحقبات حقبات، فيها محطات اتسمت بالفوضى والعنف على أشكال متنوعة، تارةً ثورة، وتارةً فتنة، والأخطر كانت الحرب التي امتدَّت من العام 1975 إلى العام 1990. ولكلٍّ منها أبطالها وسارقوها، تجيء معهم، وتروح معهم... والتاريخ سيأتي بيوم يسمح له أن يسجّل، وسيسجّل.
ومن جملة ما سيسجّل أنّ حالتَي الكيدية والنكد طبعتا الحياة السياسية، وأن تداعياتها بالخطورة نفسها، من الفتن والبلبلة والحروب. والنّكد والكيديّة لا يمارسهما بالغالب إلا المراهقون، ونحن، كما يبدو ونشهد، ابتُلينا بسياسيين وتجار من النوع الذي رضع الكيدية والنكد وأرضعهما لنسله الذين يعيثون إلى اليوم في الوطن فساداً ويتسبّبون بالأخطار التي تتهدّده، فالكيدية بمعناها العلمي والقانوني والسلوكي هي التي لا يهدف صاحبها إلى تحقيق مصلحة مشروعه من خلالها فحسب، إنما يبغى منها أيضاً الإضرار بالخصم لإلحاق الأذيّة به أو إزعاجه.
أما النكد، فيعني التعكير الدائم لصفو الآخر، وهو تماماً كالحرب النفسيّة، بحيث تختفي معه لغة الحوار والكلام والتفاوض وسواه. ويتبيّن أن السبب يرجع الى أمور نفسيّة عديدة، لكن أبرزها الفراغ وسطحية التفكير عند من يختلف معه، أو لتربية غير سوية خضع لها منذ الصغر، أو محاولة لجذب الآخر أو انتقاماً منه بسبب تجاهله.
وإلى الكيديّة والنكد، تأتيك سياسة "البهورة" التي تسود نتيجة غياب الرقابة والمحاسبة والعدالة، فيأخذ المواطن حقه بيده، وخصوصاً أنَّ الأزمة ضربت الأجهزة والأسلاك العسكرية، فشُلّت، وهي تعاني الأمرّين، ومهامها مهدّدة جراء افتقارها إلى الحد الأدنى من مقومات الاستمرار.
كما ضربت الجسم القضائي، فتعطّل، إذ إن القضاة مضربون، ولا أمل بعودتهم عن الإضراب قريباً. المدير العام للأمن العام في لبنان اللواء عباس إبراهيم وصف الأخطار التي يمر بها لبنان بالمهولة، وهي بمعناها البسيط: مفزعة ومخيفة ومرعبة، وإلى آخر معزوفة المخاطر.
نعم، حين تكون الدولة بوضعية اللادولة في وظائفها كافة، فكيف سيكون وضع البلاد والناس؟
استحقاق رئاسة البلاد يتم التعاطي معه على أن لا استحقاق ولا رئيس، فنحن شعب أدمن الفراغ بانتظار اسم من الخارج، في ظرف ما، لوظيفة ما.
استحقاق الحكومة "مكربج" عند مفاعيل النكد والكيدية و"البهورة"، والاستحقاق النيابي مر بقطوع النفس، غير أن نتائجه جاءت ببنية نيابية معقّدة تعقّد معها إنجاز كل الاستحقاقات بدلاً من تسهيلها.
استحقاق العام الدراسي والجامعي أيضاً من تأجيل إلى إضراب إلى وهن وتعطيل... والنتائج الرسمية 100% نجاح وتفوّق وشهادات بالكيلو والأوقية مزورة أو دون المستوى... لا ثقل فيها إلا ندرة الحصول على أوراق تطبع عليها نتائج الفوز، نظراً إلى الافتقار إلى الميزانيات المفلسة.
استحقاق إعادة ما يقارب نصف عدد اللبنانيين المقيمين من النازحين السوريين إلى ديارهم في سوريا نزل إلى حلبة التصارع بين الوزراء المعنيين، ليس على من يتولّى هذه المهمة - التي لن تتحقق ما دام المجتمع الدولي يرفض ذلك- إنما من يحمل ناصيتها.
أما استحقاق الترسيم البحري مع العدو الإسرائيلي، فهو سيد الاستحقاقات، ويجري السباق بين من يسجّل له هذا الإنجاز. الكل بانتظار آموس هوكستين، الوسيط الأميركي المنحاز، والشاطر من يهاتفه، وينقل عنه (قللي وقلتللو)، فيما نبقى في الانتظار، ونظلّ رهن عودته وابتسامته، إن حصلت... وإن حصلت! فإن لبنان سيدخل نعيم نادي الدول النفطية، وسيزول الفقر، وننعم بالخبز والمحروقات من دون الانتظام لساعات في طوابير عند أعتاب الأفران والمحطات.
نعم، بات الكثيرون يراهنون على كلمة من سفيرة وبسمة من وسيط. وإن سقط رهانهم، فكثيرون منهم سيغادرون بحثاً عن وظيفة أو وطن آخر. وحدها من تجعل آموس هوكستين ومن خلفه ومن أمامه يراهنون على موقف أو على فعل هي المقاومة برهبتها، قبل مسيّراتها وإحداثيّاتها، لأن من يقودها ومن فيها هم رجال ونساء ليس هناك كيدية ولا نكد ولا "بهورة" عندهم، إنما صدقوا، ففرضوا العزة والكرامة والمهابة، وعاهدوا لبنان بالانتصار وما بدّلوا ولن يبدلوا تبديلاً.