عودة اللاجئين السوريين.. درب من الشوك
تأتي مراسيم العفو الرئاسية السورية التي تصدر باستمرار بهدف تخفيف الأعباء عن اللاجئين، وتسهيل عودتهم إلى وطنهم، وإجهاض أي محاولة لبثِّ الفتنة من جديد.
وازى تحرير الأراضي السوريّة دعوة واسعة لعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، ليساهموا في إعادة إعمارها من جهة، وليعود توزع السكّان فيها إلى سابق عهده، قبل اندلاع الحرب، من جهة أخرى، لتجنب أيّ تغيير ديموغرافي مخطط له.
وقد واجهت هذه العودة تحديات كبيرة، سواء أمام الدولة السورية أو اللاجئين أنفسهم، وطُرحت تسهيلات أكبر من خلال مؤتمرات عودة محلية ودولية ومراسيم عفو رئاسيّة شملت عدداً كبيراً من المواطنين السوريين المحكوم عليهم.
مؤتمرات العودة
على المستوى الرسميّ السوريّ، نظّمت الدولة السورية عدة مؤتمرات للعودة، كان آخرها المؤتمر الذي عقدته لجنة سورية روسية في قصر المؤتمرات في دمشق بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 2021، والذي بيّن فيه وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف "أنّ الدولة السورية تعمل بشكل ممنهج ومنظّم بمختلف الاتجاهات والجوانب لتأمين متطلبات المواطن السوري الصامد في بلده وتشجيع المهجّر على العودة إلى وطنه"، مؤكّداً "استمرار الدولة بتقديم ما يلزم للمهجرين في مراكز الإيواء وخارجها صحياً وتربوياً وغذائياً".
وفي تموز/يوليو 2021، عُقد اجتماع سوري روسي وقّعت خلاله سوريا وروسيا على 15 اتفاقاً ومذكرة تفاهم في مختلف المجالات. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عُقد مؤتمر دولي في دمشق حول عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بمشاركة عربية ودولية واسعة.
وقد أسهمت الجهود المشتركة للهيئتين التنسيقيتين السورية الروسية في عودة أكثر من مليونين و320 ألف سوري إلى ديارهم، من بينهم أكثر من مليون و372 ألف مهجّر داخلي، وأكثر من 947 ألف مهجّر من الخارج، بحسب رئيس مركز التنسيق الروسي السوري لإعادة اللاجئين ميخائيل ميزنتسييف.
على المستوى الدولي، نظمت المعارضة التركية في العام 2019 مؤتمراً عن سوريا، وأصدرت في ختامه بياناً حثّ على وجوب تشجيع اللاجئين على العودة إلى بلادهم بشكل طوعي، بعد إعادة الأمن مجدداً، داعياً إلى "تأسيس منظمة الشرق الأوسط للسلام والتعاون، على أن تضمّ تركيا وسوريا والعراق وإيران، بهدف تأسيس سلام دائم في منطقة الشرق الأوسط".
وطالب البيان نفسه "الدول الإقليمية التي تدخّلت في الصراع السوري بإنهاء الحرب في سوريا، من أجل هدوء المنطقة وسلامها واستقرارها، وتقديم الدعم لسوريا لتضميد جراحها.
مراسيم العفو
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد خلال سنوات الحرب عدداً من مراسيم العفو، كان أكثرها شمولاً المرسوم الذي صدر في 25 كانون الثاني/يناير الماضي. وبحسب نص المرسوم، يرفع الرئيس كامل العقوبة عن مرتكبي "الفرار الداخلي"، والتي تصل إلى السجن لمدة 5 سنوات، على أن يسلّموا أنفسهم خلال 3 شهور، كما شمل العفو الفارّين خارجياً، والذين تصل عقوبة فرارهم إلى 15 عاماً في السجن، على أن يسلموا أنفسهم خلال 4 أشهر.
ويعدّ هذا العفو الأشمل من بين قوانين العفو التي صدرت خلال فترة الحرب، إذ شمل آلاف العسكريين الذين أعلنوا انشقاقهم عن الجيش السوري في بداية الحرب تحت تهديد الجماعات المسلّحة التي انتشرت في أغلب الأراضي السوريّة قبل تحريرها، فأتى العفو أوسع وأشمل، ليسهّل أيضاً عودة الفارين قسراً أو عمداً من سوريا، كي يعودوا إليها، ويستأنفوا حياتهم بشكل طبيعي.
وفي العام الفائت، أصدر الرئيس بشار الأسد عفواً عاماً عن الجرائم المرتكبة قبل 2 أيار/مايو 2021. وشمل العفو إلغاء كامل العقوبة في الجنح والمخالفات وتدابير الإصلاح والرعاية للأحداث، والفرار الداخلي والخارجي، ونسباً من العقوبات الجنائية المؤقتة، وجرائم الأحداث، وجرائم أخرى.
وفي العام 2019، أصدر الأسد عفواً عاماً عن كلِّ من ارتكب جرائم قبل 14 أيلول/سبتمبر 2019، وشمل المرسوم المتهمين في الجرائم والجنح المدنية والعسكرية، لكنَّه استثنى منهم من "حمل السلاح ضدّ سوريا في صفوف العدو".
وكان الرئيس الأسد أصدر سابقاً مرسوم عفو كان يُعدّ الأكثر شمولاً في تلك الفترة، وهو المرسوم الذي صدر عقب إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثالثة في حزيران/يونيو 2014، والذي مَنح فيه عفواً عن كامل العقوبة بالنسبة إلى جريمة الاشتراك في "المؤامرة التي تهدف إلى ارتكاب أي جناية"، وجريمة الانضمام "إلى منظمة إرهابية أو إكراه شخص بالعنف أو التهديد بالانضمام إلى منظمة إرهابية"، وكلّ فعل تم بقصد إثارة عصيان مسلّح، والجرائم المتعلقة بـ"الاعتداء بهدف إثارة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي بتسليح السوريين والحض على التقتيل"، وهي جرائم يُحكم عليها عادة بالإعدام.
وتأتي مراسيم العفو الرئاسية التي تصدر باستمرار بهدف تخفيف الأعباء عن اللاجئين، وتسهيل عودتهم إلى وطنهم، وإجهاض أي محاولة لبثِّ الفتنة من جديد، ورأب الصدع بين الدولة والمواطنين السوريين في سوريا وخارجها.
معوقات خارجية
بقيت الأسباب نفسها التي ساهمت في تشجيع السوريين على اللجوء حاضرة وبقوة، رغم تحرير الدولة قسماً كبيراً من أراضيها التي دخلها المسلَّحون في بداية الحرب، إلا أنّ الدول الحاضنة لهم، والتي ما زالت تأخذ إعانات باسمهم من جهة، وتستخدمهم كوسيلة ضغط على الدولة السورية من جهة أخرى، تحول دون عودتهم إلى بلدهم سوريا.
هذا على الصعيد المحليّ. أمّا على الصعيد الدوليّ، فقد بقيت المنظمات الدولية تقف حاجزاً صلباً أمام أي قرار تطلقه الدولة السورية وتشجّع فيه أبناءها على العودة إليها، بحجة أنّ سوريا ليست آمنة، على الرغم من توقف الحرب فيها وإعادة الأمن والأمان إلى معظم الأراضي السوريّة، في الوقت الذي زار مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي سوريا منذ عدة أشهر، والتقى مسؤولين في الحكومة السورية لمناقشة ظروف عودة اللاجئين، وأكَّد أنّهم هم "مواطنون سوريون، ومسؤولية الحكومة أن تضمن الأمان لهم".
وفي إثر الزيارة، دعت الأمم المتحدة إلى تسليط الضّوء على مخاوف اللاجئين المتعلقة بسلامتهم وحقوق الملكية وسُبل عيشهم بالتعاون مع الحكومة السورية، ما لاقى صدى سلبياً لدى الباقين، وانتقادات واسعة ولاذعة من المجتمع الدولي، بهدف عرقلة عودة اللاجئين السوريين واستمرار الضغط على الدولة السوريّة.
وعلّق المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" (مراقبة حقوق الإنسان) على تغريدة نشرها فيليبو غراندي حول إزالة العوائق أمام عودة اللاجئين إلى بلادهم، قائلاً: "إنها ليست مسألة إزالة عقبة أو عقبتين. لا يزال جهاز الأمن السوري بأكمله قائماً".
يأتي ذلك إضافةً إلى نشر المنظمة معلومات تضليلية تحذّر فيها العائدين من مواجهة ما أسمته "الانتهاكات" التي أدّت إلى خروجهم من سوريا، ومنها الاعتقال التعسفي والتعذيب، رغم أنّ الذين عادوا إلى سوريا أكّدوا خلاف ذلك، وهم يمارسون حياتهم الطبيعية من دون مواجهة أيّ تضييق من قبل الدولة.
معوقات داخلية
يواجه الراغبون في العودة إلى سوريا معوقات داخلية تقف أمام عودتهم بسلاسة، رغم كلّ التسهيلات التي تقدمها الدولة لهم. تتمثل هذه المعوقات بعدم القدرة على إعادة إعمار ما تهدم من ممتلكاتهم، أو بقاء أرزاقهم تحت سلطة المحتل التركي في حلب أو إدلب، أو عدم القدرة على تلبية حاجاتهم المعيشية، في ظلّ الظروف الاقتصادية التي تعيشها سوريا بسبب العقوبات المفروضة عليها.
وينتظر آلاف السوريين العودة إلى سوريا، آملين أن تذلّل حكومات الدول المضيفة العقبات التي تواجههم في هذا المجال من جهة، وأن تقدم الدولة السورية المزيد من التسهيلات من جهة ثانية، إذ يعاني معظم اللاجئين السوريين الرفض في المجتمعات المضيفة، إضافةً إلى ما يعانونه من ظروف مناخية سيئة وظروف معيشية صعبة في المخيّمات التي يقطنون فيها، في ظل غياب العدل في توزيع المساعدات من قبل ما يُسمى بـ"المنظمات الإنسانية".
وتستضيف تركيا أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، ويستضيف لبنان أقلّ من مليون لاجئ، والأردن نحو 630 ألفاً مسجّلين، والأردن حوالى نصف مليون لاجئ، وألمانيا ما يقارب نصف مليون أيضاً، بينما يتوزع السوريّون بين لاجئين ومواطنين في دول أخرى، كالعراق ومصر والسودان والسويد والنمسا واليونان، بأعداد متفاوتة وأقلّ من غيرها.