عملية الخضيرة.. لقاء النقب لن يريح بن غوريون في قبره
تأتي العملية الجديدة في توقيت دقيق، ولا تخلو من إرسال العديد من الرسائل والإشارات المهمة.
تتواصل العمليات الفدائية المسلحة في الداخل الفلسطيني المحتل، وتتخذ أشكالاً أكثر نوعيةً وتخطيطاً، فبعد عملية الدهس والطعن في مدينة بئر السبع المحتلة التي نفّذها الشهيد محمد أبو القيعان، نفذ الفلسطينيان خالد وأيمن اغبارية من مدينة أم الفحم المحتلة عملية نوعية في مدينة الخضيرة المحتلة، أدت إلى مقتل جنديين صهيونيين وإصابة آخرين.
تأتي العملية الجديدة في توقيت دقيق، ولا تخلو من إرسال العديد من الرسائل والإشارات المهمة؛ الرسالة الأولى موجهة إلى دول التطبيع التي شاركت في لقاء النقب، إذ شارك فيه وزراء خارجية الإمارات ومصر والبحرين والمغرب، فضلاً عن "إسرائيل" والولايات المتحدة.
إنَّ رسالة العملية البطولية لدول التطبيع تتمثل بأن "إسرائيل" الفاشلة في تحقيق الأمن لجنودها ومستوطنيها، ليست مؤهلة لتوفير الأمن لأنظمة التطبيع، وهي عاجزة عن المساهمة في ذلك.
وتؤكّد العملية لهؤلاء أنّ فلسطين ما زالت محتلة، وما زالت تقاوم عدو الأمة الوحيد، وستبقى تقاومه حتى كنسه وهزيمته، وأنَّ "إسرائيل" ليست حليفاً، بل عدواً، وأن التحالف معها هو حلف ضد فلسطين وشعبها وقضيتها.
رسالة العملية الاستراتيجية الثانية موجّهة إلى العدو الإسرائيلي الذي أراد أن يطمئن رئيس وزرائه ديفيد بن غوريون المدفون في مقبرة في منطقة في النقب المحتل إلى أن أعداء الأمس يجتمعون في "إسرائيل"، وقرب قبره في "سديه بوكير"، ليس من أجل توقيع اتفاقيات صلح وتسوية، بل لبحث تشكيل تحالف مركزه "إسرائيل"، فإذا برصاصات عملية الخضيرة يصل صداها إلى قبر بن غوريون قبل انعقاد اللقاء، ما يعني أن هواجسه تجاه فلسطينيي الداخل المحتل والخشية من الفشل في أسرلتهم وتذويب هويتهم الوطنية وصهرهم في مجتمع العدو، أثبتت مصداقيتها، رغم مرور ما يقارب 74 عاماً على نكبة فلسطين.
أكَّدت العملية للعدو الاسرائيلي أنَّ مخاوفه من تزايد عمليات المقاومة ضده في محلها، مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، رغم أنَّ توقعه اتجه نحو القدس والضفة الغربية المحتلتين.
كما أكّدت أن نجاح عملية بئر السبع الأخيرة ستدفع باتجاه المزيد من العمليات، لكنها ستشتت جهوده وتستنزف قواته تجاه فلسطينيي الداخل المحتل، إضافة إلى ساحات الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة المحتلة.
تترك العملية النوعية أثراً بدأ يتراكم عند جموع المستوطنين والمهاجرين اليهود بأن حياتهم وأمنهم الشخصي بات مهدداً، وهم يعيشون وسط مليوني فلسطيني، من الملاك وأصحاب الأرض الحقيقيين.
ومع تزايد العمليات وتدحرجها لتصبح ظاهرة دائمة، وفي ظل تراجع ثقة المستوطنين بـ"جيشهم" وشرطتهم، فإن قطاعات منهم ستبدأ بالتفكير في إنقاذ حياتهم المهددة والهروب إلى خارج فلسطين، إذ يمتلك أغلبهم جوازات سفر مختلفة.
يدرك العدو أنَّ منظومته الاستخبارية والأمنية لم تقرأ أية نيات فلسطينية في الداخل المحتل لتنفيذ عمليات عسكرية، فضلاً عن فشله في الحصول على معلومات قبل تنفيذ عمليتي بئر السبع والخضيرة، فتكرار العمليات، وفي توقيت قصير، يدلّ على فشل جهاز الشاباك، وتحديداً في عملية الخضيرة، نظراً إلى استخدام السلاح الناري والتخطيط المسبق لها. ويخشى العدو أن يكون من نفَّذها خلية منظمة، وأن لا تكون عملاً فردياً، وهو ما يفسر قيامه بشن حملة اعتقالات واسعة ضد الفلسطينيين في الداخل المحتل.
الرسالة الثالثة لعملية الخضيرة عنوانها الداخل الفلسطيني المحتل، وفحواها أنَّ الوقت حان لإشهار السلاح في وجه العدو الذي اغتصب الأرض والديار، ويسعى لتهويد كلّ ما هو فلسطيني، ولا طريق لاستعادة الحقوق والكرامة إلا بتفعيل كل أدوات المقاومة بكل أشكالها، وعلى رأسها المقاومة المسلحة، وأن كل الطرق لمواجهة التمييز العنصري فشلت وتحطَّمت على صخرة الصلف الصهيوني وقوانينه العنصرية، فقد عانى فلسطينيو الداخل المحتل على مدى نحو 74 عاماً من إجراءات صهيونية سلبت حقوقهم وصادرت أراضيهم وممتلكاتهم، ولعلَّ أبرزها قانون القومية الذي أقره الكنيست في يوليو/تموز 2018، والذي ينصّ على أن أرض "إسرائيل" هي "الوطن التاريخي، وهي الدولة القومية للشعب اليهودي، والنشيد الوطني والعلم والحق بالاستيطان سيكون مضموناً لليهود".
تؤشر عملية الخضيرة التي تزامنت مع لقاء النقب إلى أنَّ أمن الاحتلال لا تضمنه دول التطبيع، التي لا تضمن بقاء أنظمتها واستقرارها أيضاً، وأنَّ الاحتلال الفاقد للأمن لن يسهم في أمن غيره، ففاقد الشيء لا يعطيه، ما يعني أن لقاء النقب هو لقاء العاجزين والفاشلين، وأن رصاص عملية الخضيرة ستعقبه رصاصات، فلا مستقبل لأنظمة التطبيع، ولا مستقبل لكيان العدو الغاصب، ولن يرتاح بن غوريون في قبره. هذه هي رسائل فدائيي عملية الخضيرة البطولية.