عصابات واشنطن العسكرية في الشرق: قرصنةٌ ونهبٌ ممنهج لثروات الشعب السوري

حقول "الرميلان" و"الشدادي" و"العُمر" و"التنك" و"كونيكو" التي سيطرت عليها قوات الاحتلال الأميركي، تعدّ المصادر الأساسية للطاقة في سوريا، وبذلك باتت واشنطن السبب المباشر في أكبر كارثة اقتصادية ومعيشية للشعب السوري.

  • عصابات واشنطن العسكرية في الشرق: قرصنةٌ ونهبٌ ممنهج لثروات الشعب السوري
    عصابات واشنطن العسكرية في الشرق: قرصنةٌ ونهبٌ ممنهج لثروات الشعب السوري

"لقد أصبحنا نسيطر على النفط السوري بصورة تامة، وأقول بكلِّ صراحة إننا نتمتع في هذا الشأن بدعم عدد كبير من الناس. وفي حقيقة الأمر، لم يبقَ في هذه الأراضي (السورية) من عسكريينا سوى من يحمون النفط. النفط في أيدينا، ويمكننا أن نفعل به ما نشاء".

هذا ما أعلنه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بوضوحٍ في 3 كانون الأول/ديسمبر 2019، إثر لقاءٍ جمعه بالأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، عندما كانا يستعدان لافتتاح أعمال قمة الحلف في العاصمة البريطانية لندن.

وعلى الرّغم من أنَّ ترامب كان من أبرز الرؤساء الأميركيين تعبيراً عن الغطرسة الأميركية وإظهارها على حقيقتها، فإنَّ تصريحه ذاك كان بحاجة إلى "لمسة نفاقٍ" أميركية تقليدية. وقد تطوّع المبعوث الأميركي الخاص حول سوريا حينذاك، جيمس جيفري، لإضافتها بعد حديث رئيسه حين قال: "إن النفط، وفقاً للدستور السوري، يُعد ملكاً للشعب السوري".

 ولأنَّ إمبراطورية النهب والسلب الأميركية ضنينة جداً على تطبيق الدستور السوري بقدر حرصها على الشعب السوري ذاته وعلى ثرواته، فقد ظهر ترامب من جديد بُعيد ذلك بأيام، ليتحدَّث مطولاً عن النفط السوري والطريقة التي قررت واشنطن التصرف به من خلالها وتوزيعه "كما تشاء"، ولم يأتِ على ذكر الشعب السوري أو الدولة السورية بكلمة واحدة في ذاك الخطاب.

لقد تحدَّث ترامب تماماً كما اعتاد أيّ زعيم عصابة أشرار في الغرب الأميركي القديم أن يتحدث بعد أن يسطو وجماعته على قافلةٍ أو قريةٍ ويقتل ويشرد أهلها، بل إنه، وبعد أقل من شهرين من خطابه ذاك، أكد في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة الهندية "نيودلهي" أنَّ قوات بلاده "تملك النفط السوري"، وأن على "الآخرين أنْ يتكفلوا محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، بعدما كانت الذريعة الدائمة لوجود واشنطن العسكري في سوريا هي محاربة التنظيم والقضاء عليه نهائياً. 

وكان ترامب الَّذي أعلن أنَّه سينسحب عسكرياً من سوريا في ذلك العام قد سحب بالفعل كلّ جنوده من المناطق التي غزتها تركيا وأدواتها تحت عنوان عملية "نبع السلام" في شمال شرقي سوريا، لكنَّه أصرّ على إبقاء قوات من المارينز في حقول النفط الواقعة في تلك المناطق من البلاد. لقد أظهر الرئيس الأميركي بوضوح أنّ كلّ ما يهم الولايات المتحدة الأميركية في تلك البقعة البعيدة من العالم هو السيطرة على حقول النفط والغاز وسرقتها. 

وكانت وزارة الدفاع الروسيّة قد أعلنت في بيان رسمي لها في وقت سابق من ذلك العام أنَّ الولايات المتحدة الأميركية تقوم بسرقة النفط السوري وتهريبه إلى دول أخرى بواسطة شركات عسكرية أميركية خاصة ووحدات من القوات الخاصة، لكنَّ نهب واشنطن للنفط السوري لم يبدأ في ذلك العام، فمنذ أن أعلنت الولايات المتحدة إقامتها "تحالفاً لمحاربة الإرهاب" في سوريا، انطلقت من المثلث الحدودي السوري – الأردني – العراقي، وبدأت بالاتجاه نحو المنطقة الشرقية والشمالية من البلاد، حيث يقع مخزون سوريا الرئيسي من النفط والغاز والقمح والقطن.

وقد أعلنت الأحزاب الكردية الانفصالية تأليف ما بات يُسمى "وحدات حماية الشعب الكردي" التي وضعت نفسها تحت تصرف الأميركيين، ليتخذ هؤلاء مسألة "حماية الكرد" و"محاربة تنظيم داعش" عنواناً أساسياً لتبرير هذا الاحتلال الواضح والصريح، وتصبح المهمة الأساسية للميليشيا الكردية تأمين غطاء "إنساني" لعمليات النهب الأميركية تلك، وحراسة الناهبين وصهاريجهم وشاحناتهم المحملة بخيرات البلاد.

ولعلَّ الاتجاه الأميركي المباشر والصريح نحو هدف السيطرة على حقول النفط والغاز في تلك المناطق وصولاً إلى ريف حلب، تجلى بوضوح أكثر في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، إذ أعلنت واشنطن عام 2016 إقامة واحدةٍ من أهم وأكبر قواعدها في الشرق السوري في حقول نفط "الرميلان" التي كانت تُشكل أهم الموارد النفطية للدولة السورية، لتتوالى بعد ذلك إقامة القواعد والنقاط العسكرية حول حقول النفط والغاز انطلاقاً من أقصى الشرق السوري عند مدينة المالكية، وصولاً إلى محيط مدينة منبج في ريف حلب. 

وتعدّ حقول "الرميلان" و"الشدادي" و"العُمر" و"التنك" و"كونيكو" التي سيطرت عليها قوات الاحتلال الأميركي، وأقامت فيها قواعد عسكرية رئيسية، المصادر الأساسية للطاقة في سوريا، وبالتالي بات الاحتلال الأميركي لهذه الحقول هو السبب المباشر في أكبر كارثة اقتصادية ومعيشية تصيب الشعب السوري الذي تدَّعي الولايات المتحدة حرصها عليه.

وفي الوقت الَّذي يعاني هذا الشعب السوري أزمة خانقة في كلّ ما يتعلق بالمحروقات والمواصلات والكهرباء بسبب الاحتلال الأميركي وعقوباته، وبعد استمرار تدفق صهاريج النهب الأميركي للنفط السوري عبر الحدود العراقية في وضح النهار وأمام كاميرات العالم أجمع، كشفت وزارة الخارجية السورية هذا الشهر أنَّ خسائر الشعب السوري جراء النهب الأميركي المنظم للنفط والثروات المعدنية والزراعية وخسائر تخريب المنشآت وسرقتها بلغت 111،9 مليار دولار.

وتحدث بيان الوزارة عن الآثار الكارثية التي تركها هذا النهب والتدمير الأميركي الممنهج في حياة السوريين وحرمانهم من الحصول على الخدمات الأساسية من محروقات للتدفئة وغاز وكهرباء في هذا الشتاء القارس، مشيراً إلى تصريحات المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بآثار التدابير الانفرادية على التمتع بحقوق الإنسان، إلينا دوهان، التي زارت سوريا نهاية الشهر الماضي، واطلعت من كثب على الآثار التدميرية التي ألحقها الاحتلال الأميركية وسرقاته وعقوباته على الشعب السوري، واعتبرت أن التدابير القسرية المفروضة على الشعب السوري "ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وتزيد معاناة الشعب السوري، وتمنع أي جهود للتعافي المبكر وإعادة الإعمار".

ورأت وزارة الخارجية السورية، في بيانها، أن ما تقوم به قوات الاحتلال الأميركي هو "قرصنة وعودة إلى عصور الاستعمار"، وأعلنت عزم الدولة السورية على مطالبة الولايات المتحدة الأميركية بتعويضات عن كل ما نهبته من ثروات البلاد، وما سببته من خسائر للدولة والشعب في سوريا جراء ذلك. 

ولأنَّ واشنطن لا تحاول أن تخفي عملية النهب المنظم والوقح تلك، فقد بدأت الأصوات ترتفع من مختلف أنحاء العالم، مطالبةً واشنطن بالتوقف عن سرقة ثروات الشعب السوري الذي يختبر أسوأ كارثة إنسانية مرت بها البلاد في العصر الحديث، إذ صرح المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ ون بين في مؤتمر صحافي خلال أيلول/سبتمبر الماضي، أنَّ القوات الأميركية التي تحتل أجزاء من الأراضي السورية تسرق 66 ألف برميل من النفط يومياً، فيما يضطرّ السوريون إلى التوقف في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، ويُحرمون من الغاز المنزلي ومحروقات التدفئة. 

وشدد وانغ على ضرورة محاسبة واشنطن على أفعالها تلك، ودفعها تعويضات للشعب السوري، في حين اتهم تقرير صادر عن الاستخبارات الروسية في شباط/فبراير الماضي القوات الأميركية بسرقة ما يقارب 3 ملايين برميل من النفط من الحقول السورية وبيعه في الدول المجاورة.

وإذ يُعاني المواطن السوري حرمانه من أبسط حقوقه في ثروات بلاده، ترى شريحة واسعة من السوريين أن لا حل مع المحتل الأميركي سوى بالمقاومة، وبضرورة تكثيف الهجمات الصاروخية والعمليات العسكرية ضد القواعد الأميركية، وأن واشنطن لا تفهم سوى لغة القوة، وهي ليست في موقع القادر على احتمال الخسائر البشرية والاقتصادية التي ستنجم عن أي عمليات مقاومة مكثفة على تلك القواعد. 

ويعتقد هؤلاء بوجوب محاسبة السوريين الذين يمكّنون قوات الاحتلال الأميركي من ثروات البلاد، ويحمون تلك القواعد في مقابل حصة زهيدة من النفط والغاز ووعود انفصالية لن تسمح الدولة والشعب في سوريا بتحقيقها تحت أي ظرف، ومهما كلَّف الثمن.