طوفان الأقصى يستعر على الأرض السورية.. وواشنطن: ندافع عن أنفسنا!
لغة الصلف الأميركي المعتادة قبل "طوفان الأقصى" وتداعياته تغيّرت وخفتت بشكل كبير، والردود الأميركية على هجمات المقاومة، حذرة وقليلة جدّاً مقارنة بحجم التصعيد الذي تقوم به المقاومة.
بعد أكثر من 36 يوماً على قيام أبطال حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس) بالعملية الملحميّة "طوفان الأقصى"، وبدء العدوان الإسرائيليّ الهمجيّ على مدينة غزة الصامدة، وأكثر من 52 هجوماً استهدفت فيه المقاومة الإسلامية قواعد الاحتلال الأميركي في الشرق السوريّ، في سياق الجهد المباشَر العظيم الذي تقوم به قوى محور المقاومة في المنطقة ضمن المعركة ذاتها، وضد قوى العدوان التي ترتكب المجازر بالشعب الفلسطينيّ في غزة، يبدو أنْ درجة الإحساس بالخطر الجسيم قد بلغت ذروتها لدى القيادة العسكرية والسياسية في واشنطن.
ففي الـ 13 من هذا الشهر، تشرين الثاني/نوفمبر، أقدم طيران الاحتلال الأميركي على تنفيذ غارتين جوّيتين على مواقع قال إنّها تابعة "للميلشيات الإيرانية العاملة في الشرق السوريّ" في مدينتي الميادين والبوكمال في ريف محافظة دير الزور السورية. ليعلن وزير الدفاع الأميركيّ، لويد أوستن، في مؤتمر صحافيّ عقده بعد ساعات قليلة من العدوان، عن عزم بلاده الردّ على الهجمات التي تستهدف قواعدها في المنطقة.
وحذّر أوستن من القيام "بكلّ ما يلزم لحماية قواتنا" في حال استمرّت هذه الهجمات، تاركاً الباب مفتوحاً أمام احتمال شنّ المزيد من الغارات على مواقع المقاومة في المنطقة. وبعد الاطّلاع على التفاصيل، تبيّن أنّ العدوان الأميركيّ قد استهدف منطقة "الجسر" في مدينة الميادين، ومستودعاً يتبع للقوى الأمنية المحليّة في منطقة "السيّال" في مدينة البوكمال شرقيّ مدينة دير الزور، بالقرب من الحدود العراقية – السوريّة، وأنّ مدنيّاً سوريّاً قد ارتقى شهيداً من جرّاء الهجومين، بينما جُرح مدنيّ آخر.
لم تكن هذه هي المرّة الأولى التي يردّ فيها جيش الاحتلال الأميركيّ، على هجمات المقاومة على مواقعه وقواعده منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أي ضمن سياق وتطورات معركة "طوفان الأقصى"، بل أقدم صباح يوم الجمعة 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي على تنفيذ غارات متتالية على ما ادّعى أنهما "منشأتان للحرس الثوريّ الإيراني" بالقرب من مدينة البوكمال. لكنّ الجديد هنا، أنّ القيادة العسكرية والسياسية الأميركية، بدأت باستخدام مصطلح "الدفاع عن النفس" في إطار مواجهتها الجديدة مع المقاومة الإسلامية.
وقد استخدم وزير الدفاع الأميركيّ، لويد أوستن، هذا التعبير بعد عدوان 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وأيضاً بعد العدوان الأخير في الـ 13 من هذا الشهر، تشرين الثاني/نوفمبر. وكذلك أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن هذه الضربات بعد الحديث عن رسالة من الرئيس الأميركيّ، جو بايدن، إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي.
وبحسب المصادر الأميركيّة، فإنّ بايدن حذّر في رسالته من أنّ استمرار الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا والعراق، سيؤدّي إلى "توسيع نطاق الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس"، بينما أوجز المتحدث باسم البيت الأبيض الأميركيّ، جون كيربي، الأمر بقوله: "لقد بُعثت رسالة مباشرة، ولن أذهب أبعد من ذلك".
وأوّل ما يجب أن نلاحظه هنا، هو أنّ لغة الصلف الأميركي المعتادة قبل "طوفان الأقصى" وتداعياته، قد تغيّرت وخفتت بشكل كبير، وأنّ الردود الأميركية على هجمات المقاومة، حذرة وقليلة جدّاً مقارنة بحجم التصعيد الذي تقوم به المقاومة، وبعدد الضربات التي تتلقّاها القواعد الأميركية في سوريا خصوصاً، كذلك بعدد الإصابات في صفوف قوات الاحتلال العاملة في تلك القواعد، وأنّ الغارات القليلة التي تأتي في سياق الرد، غير مؤثّرة أو فاعلة على الأرض في الحقيقة، وأن الأميركيّ يُصرّ على اعتبارها تأتي في سياق "الدفاع عن النفس"، كما عبّر أعلى مستوى عسكريّ أميركيّ. وهذا كلّه، يشير إلى خوفٍ أو قلق أميركيّ بالغ من توسّع الحرب لتطال جميع قواعده في المنطقة.
الإشارة المقابلة، وهي شديدة الأهمية أيضاً على الميدان السوريّ، أنّ ردّ المقاومة بعد "الردّ الأميركي" في المرتين، جاء أقوى وأكبر بكثير، وليس أدلّ على ذلك من قيام المقاومة بقصف القواعد الأميركية في حقلَي "كونوكو" و"العمر" بـ 36 صاروخاً بعد الغارة الأميركية الأولى التي استهدفت محيط مدينة البوكمال بـ 6 صواريخ. بينما أمطرت المقاومة قاعدة "حقل كونوكو" بـ 16 صاروخاً، بعد غارة أميركية بـ 4 صواريخ على موقعين في البوكمال والميادين.
وقد أكّدت معلومات ميدانية متقاطعة، مقتل 4 جنود أميركيين من جرّاء سقوط صواريخ المقاومة على مقرّ قيادة القاعدة الأميركية في حقل "كونوكو" يوم الأحد الماضي، واللافت جدّاً هنا، أنّ بقايا الصواريخ التي سقطت في تلك القاعدة، تشير إلى أنها من نوع تُطلقه راجمة صواريخ يستخدمها الجيش السوريّ حصراً، ولم تظهر مع القوات الرديفة أو الصديقة للجيش طوال سنيّ الحرب.
وفي إطار هذه المعادلة الجديدة، أكّد مصدر ميدانيّ في المقاومة الإسلامية، أنّ أيّ اعتداء أميركيّ على الأراضي السوريّة، سيقابله ردّ مزلزل من قوى المقاومة التي ستنتقم لدماء كلّ شهيدٍ يسقط من جرّاء هذه الاعتداءات. والواضح بعد حجم الردّ المباشر والسريع على القصف الأميركي، والذي طال، لعدة مرات متتالية خلال 24 ساعة، عدداً من القواعد الأميركية، بينها قاعدة "العمر" و"كونوكو" و"القرية الخضراء، و"الشدّادي" و"خراب الجير"، والذي استُخدمت فيه الصواريخ والطائرات المسيّرة، أنّ زمام المبادرة قد بات في يد المقاومة في الشرق السوريّ، وأنّ تصعيد هجماتها وتقدّمها في الميدان، يُنبئ عن قرارٍ يقضي بإنهاك قوات الاحتلال الأميركي في سوريا والمنطقة، ووضع واشنطن تحت ضغط يومي هائل لدفعها إلى إخلاء قواعدها والانسحاب من الأراضي السورية، أو المواجهة الشاملة.
وبموازاة القصف اليومي الذي تتعرّض له القواعد الأميركيّة في الشرق السوريّ، تتداول المعلومات الميدانية أخبار تحرّكات الجيش العربي السوريّ على ضفّة الفرات الغربية، ليبلغ الأمر حدّ التماس العسكريّ مع "قسد" الأسبوع الماضي، أي قبل يومين فقط من العدوان الأميركيّ الأخير.
والأرجح أنّ هذه التحركات، إضافة إلى نوع الصواريخ التي سقطت على قاعدة "كونوكو"، هي ما زادت من منسوب القلق لدى البنتاغون، خصوصاً أنّ الجيش صعّد من حركته في البادية أيضاً، حيث شنّ هجوماً كبيراً على فلول تنظيم "داعش" التي حرّكها الأميركيّ بكثافة خلال الأسبوعين الأخيرين، تحديداً على محور "الرصافة" جنوبيّ محافظة الرقة، ومحور "السخنة" شرقيّ مدينة حمص، ومحور بادية "التنف" المتاخمة لريف مدينة "تدمر".
وفي إطار المعركة ذاتها، قام العدو الإسرائيليّ خلال الأيام الأخيرة باعتداءين على الأراضي السوريّة، حيث أقدم صبيحة يوم الأربعاء 8 تشرين الثاني/نوفمبر على تنفيذ غارة جويّة على مواقع تابعة للجيش العربي السوريّ في ريفَي السويداء ودرعا، ثم بعد يومين من ذلك، أقدم طيران العدو على قصف موقع في ريف محافظة حمص، لتعلن المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) عن ارتقاء 7 شهداء من مقاتليها من جرّاء هذا العدوان.
وأعلن الناطق باسم "جيش" العدو أنّ الغارة أتت بعد التأكّد من أنّ الطائرة المسيّرة التي قصفت مدينة "إيلات" المحتلة يوم الـ 9 من هذا الشهر، قد أتت من سوريا، وليس من اليمن. وفي حين لم يصدر عن وزارة الدفاع السورية أي تصريح بهذا الشأن، فإنّ صلية صاروخية قد أطلقت من الأراضي السورية على مواقع الاحتلال في الجولان السوري المحتلّ، بعد العدوان الإسرائيليّ بساعات.
وتشير هذه التطورات إلى توسّع الحرب على الجبهة السورية بشكل كبير، خصوصاً بعد الإعلان، لأوّل مرة منذ بدء معركة طوفان الأقصى، عن سقوط شهداء لحزب الله على الأرض السورية في قصف للعدو، وهو إعلان يدلّ على أنّ المواجهة بين سوريا وقوى المقاومة وبين العدو الإسرائيلي، قد انتقلت إلى مرحلة جديدة تدلّ على تجاوز كل قواعد الاشتباك السابقة، خصوصاً أنّ العدو كان قد أعلن عن نيّته استهداف سوريا إذا ما قامت قواتها، أو أي فصيل مقاوم على أراضيها، بالهجوم على قواعده ومستوطناته في الأرض المحتلة.
على المستوى السياسيّ، شهدت الأيام الأخيرة مواقف واضحة من عموم قيادات محور المقاومة، حيث كان للرئيس الأسد كلمته في القمة العربية والإسلامية المشتركة التي عُقدت في المملكة العربية السعودية، والتي أكّد فيها حقّ الشعب الفلسطيني في الحرية والتحرّر، وعبثيّة محاولات السلام مع هذا العدو الهمجي، وضرورة أن يقوم العرب بدعم المقاومة الفلسطينية حتى التحرير.
وفي هذا السياق، كشفت المعلومات عن طرح سوريا ولبنان والعراق والجزائر، لقرار يقضي بمقاطعة الدول العربية لكيان الاحتلال اقتصاديّاً، لكنّ هذا الطرح قوبل بالرفض من ممثّلي الدول العربية المطبّعة. كما جاء كلام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، في السياق ذاته الدّاعي إلى مقاومة هذا الاحتلال ونبذه ورفض وجوده ومؤازرة الشعب الفلسطيني ومقاومته.
وعلى خطّ موازٍ، جاء خطاب السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وخطاب السيد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة أنصار الله المقاوِمة في اليمن، ليؤكّدا وحدة وتكامل خطاب محور المقاومة، وموقفه العام والمبدئيّ من القضية الفلسطينية، وجاهزية قوى المقاومة، وتطوّر جهودها وعملياتها باتّجاه التصعيد على كلّ الجبهات ضد قوى العدوان في فلسطين والمنطقة.