شعبنا لا يحتاج للبرهنة على شجاعته

أولئك الجنود ربما يكونون من طاردوا الطفل الفلسطيني (رايان) ابن السنوات الثماني، حتى قطعوا نفسه، فسقط ميتاً، وأضافوا إلى جيشهم مأثرة انتصار على طفل فلسطيني آخر؟ 

  • شعبنا لا يحتاج للبرهنة على شجاعته
    شعبنا لا يحتاج للبرهنة على شجاعته

بهدوء فتح باب السيارة وخرج من جوفها شاهراً سلاحه، وسدد نحوهم فبعثرهم، وقد فاجأهم في موقعهم العسكري، هو الواحد المسلّح بمسدس عتيق، ثم انسحب، ومضى تاركاً الجنود المدججين بالسلاح، المحصنين في موقعهم العسكري، المختالين بسلاحهم وكثرتهم وتحصينهم، واطمئنانهم إلى أنهم خارج أي خطر، فمن هو المجنون الذي سيلقي بنفسه في هذا الموقع العسكري الحصين بمسلحيه المدججين بكل ما يضمن تفوقهم؟!

لكن فلسطينياً خرج من جوف سيارة بعد أن طلب إلى السائق التوقف، وبلمح البصر شرع في إطلاق الرصاص من سلاحه الذي توقف بعد 8 رصاصات، وإلا لتضاعف عدد القتلى والجرحى. 

الشاب الفلسطيني لم يكن مدججاً بالسلاح مثلهم، لكنه كان رشيقاً، يتنقل خفيفاً، وبدا كأنه يعزف عليهم برشاقة، ويستمتع بأنه يثقبهم برصاص سلاحه المتواضع، ويلقنهم درساً كبيراً ليوقظهم من وهم زُرع في رؤوسهم، فهنا التفوّق لأبناء الأرض وبناتها على حاجز شعفاط، وقبله، وبعده.

هذا الشاب الفلسطيني يمضي على خطى من سبقوه، من اقتحموا شوارع "تل أبيب"، وضواحيها، وتسبّبوا باستنفار كل أجهزة الكيان، وحرّر كل واحد منهم "تل أبيب" بضع ساعات، وكانوا واحداً في كل مآثرهم، وهذا الواحد وهو يقتحم حصون الصهاينة وقلاعهم قصد أن يُذلهم جماعياً، فالفاعل المقتحم فرد، وهنا فوجئت الأجهزة المنفوخة بغرور ما لديها من أسلحة، وأدوات تنصّت، وتصوير، وطائرات تجسس وأجهزة ملاحقة. ولعلها، وبعد ساعات، عندما صدمها الواحد الفلسطيني الذي ضرب من قبل في "تل أبيب" وأذلها وتركها ساعات "دائخة" أُصيبت بحال خزي، وصعقها السؤال: كيف لشاب فلسطيني أن يقتحم وحده (مدينتنا) الغاصّة بكل ما هو عدو للفلسطينيين؟!

ومن جديد يسألون: كيف لفلسطيني واحد أن يصل إلى الحاجز (المحسوم) في مدخل شعفاط بسيارة عمومية، ويهبط منها بهدوء وفي صدره سرّه، وينقّض على جنودنا الذين يُطاردون ويطلقون الرصاص كيفما أرادوا، ولا يخشى جنودنا، ويرديهم برصاص مسدسه العتيق، ثم ينسحب ويتركهم ينزفون، ويرتجفون هلعاً. من أين لواحد كل هذه الشجاعة في مواجهة جيش الاحتلال؟!

أولئك الجنود ربما يكونون من طاردوا الطفل الفلسطيني (رايان) ابن السنوات الثماني، حتى قطعوا نفسه، فسقط ميتاً، وأضافوا إلى جيشهم مأثرة انتصار على طفل فلسطيني آخر؟ 

هذه شجاعتهم الموصوفة، التي أورثتم إياها جدتهم غولدا مائير التي أطلقت مقولتها قبل سنوات بعيدة: أنا لا يأتيني النوم عندما يخطر في بالي أن طفلاً فلسطينياً يولد في هذه الساعة، يا للعجوز الصّهيونية! هذه هي الشجاعة التي ورثها الجنود، فمارسوها مطاردة وقتلاً لتلاميذ يحملون دفاترهم ويتوجّهون إلى مدارسهم وهم ينشدون:

 موطني موطني

 الجلال والجمال 

والسناء والبهاء

 في رباك

الفلسطيني المقتحم مدناً ارتجلها العدو، ومصفحاته، لا يسعى لإبهار جيش العدو بشجاعته، لا، إنه يقدم نموذج البطل الفلسطيني المُحرِّر، والمتكرر، فهو ليس بطلاً نادراً، ولذا تراه يضرب في المدن المحصنة، وعلى الحواجز المحصنة، وفي الدبابات والمصفحات المحصنة، ويستشهد فيخرج بطل آخر لهم، ويكرر الفعل فيصعقهم، ويفاقم شكّهم في دوام كيانهم الذي لن يدوم.

شجاعة العربي الفلسطيني في غنى عن تقديم البرهان على جدارتها، فهي موروثة مذ كان الأجداد يصعدون قمم جبال فلسطين، ويجندلون جنود الاحتلال البريطاني، والصهاينة المحتمين بهم. وكانت نساء فلسطين، أمهات، وزوجات، وبنات يودّعنهم بالزغاريد، وعبارات الرضى والفخر.

وهذا ما يتكرر منذ أكثر من مئة عام، وسيتواصل حتى تعود فلسطين عربيّة من نهرها بحرها إلى بحرها. 

شعب فلسطين شجاع تاريخياً، وشاعته صقلتها بطولاته، وحبّه لفلسطين، وتراثه في هزيمة أعدائه، منذ الفرنجة والمغول وحتى الاحتلال الإنكليزي والصهيوني.

قبل أربعة أيام ولد طفل فلسطيني في بلد أوروبي بعيد، فماذا سمّاه والداه؟ رايان، إي والله، وعندما يكبر شبراً، ويذهب إلى المدرسة سيعرّفانه بأنه رايان فلسطيني، وأنه سيثأر وسيعود إلى فلسطين. 

أطفالنا، حيثما ولدوا، يورثون جيناتهم لمن يأتون بعدهم، وهي جينات فلسطين وحريتها، وبها يواصلون مسيرة التحرير مهما جوبهوا بالعوائق والمؤامرات وتكالب قوى الاحتلال والخيانة والتطبيع المتصهين.