شتاء الغضب السوري

سوريا قادمة، وشتاء البرد القاسي سينهيه ربيع الغوطة، وخصب سهل حوران، وسهول الجزيرة وعودة حقول نفطها وغازها، وثروات إدلب.

  • شتاء الغضب السوري
    شتاء الغضب السوري

أنا أعرف قسوة الشتاء في دمشق، فقد عشت فيها لعقود، ولم أنقطع عنها في أشد أيام الحرب قسوة، أي عندما كانت تُقصف من جوبر وداريا، وكانت مهددة باجتياح الإرهابيين لها وهم يطبقون عليها من عدّة جهات. 

هذا العام، وبعد أن مرّت على السوريين عدّة شتاءات تحمّلوها على الرغم من قسوة الحصار، جاء الشتاء أشد وطأة، وهو ما أبدته وجوه السوريين المهمومة، الحزينة، التي كظمت قهرها لسنوات، وتشبثت بعروبتها، ولم تكفر بها على الرغم من اشتداد الحصار اللئيم، الأميركي- الصهيوني- الخليجي- التركي، والذي يطبق على سوريا من حدود تركيا وعبرها، ومن حدود الأردن وعبرها بإدارة غرفة (الموك) التي افتضح أمرها وفاحت رائحتها النتنة، وبرز فيها دور الضبع السعودي (الأمير) بندر الذي فشل دوره ودور ما يمثله بصمود جيش سوريا العربي الذي سحق جيوش المرتزقة المجلوبين من قرابة مئة دولة من دول العالم.. وبكل لحاهم، وأسماء فصائلهم (الإسلاموية) التضليلية.

12 سنة وشعب سوريا يقاوم حرباً عالمية استهدفت وطنه عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وهو صامد بقيادته وجيشه ودعم حلفائه، وفي مقدمتهم إيران، وحزب الله، وقوى فلسطينية عاشت وتمت رعايتها في سوريا، منها جيش التحرير الفلسطيني، ولواء القدس.. وفي عام 2015، تعزز صمود سوريا بدعم روسي لمواجهة سعار الحرب العالمية الإمبريالية الصهيونية وأدواتها التي تموّل جيوش المرتزقة بأموال الغاز والنفط.

وإذا كانت سوريا تصمد وتقاوم ويتحمّل شعبها ضنك العيش، والغلاء الفادح مع انهيار سعر الليرة السورية أمام الدولار، في حرب اقتصادية تشن بالترافق مع حرب جيوش الإرهاب، فإن الحرب تتواصل من إدلب وضواحيها، وشمال شرق سوريا، حيث زجّت أميركا وحداتها العسكرية لحماية (المشروع) الكردي الانفصالي ورعايته، والذي يشكل غطاء لعملية نهب النفط والغاز السوري ووضع اليد على ثروة القمح في منطقة الجزيرة، وهذا ما شدد الحصار الخانق على الشعب السوري بهدف تجويعه ودفعه إلى معاداة دولته وجيشه البطل.

وضع اليد على ثروات سوريا النفطية والغازية شدد الحصار عليها، وظهرت آثاره القاسية على الشعب السوري في موسم الشتاء هذا، إذ لم تعد الدولة قادرة على تزويد الأسر السورية بالحصص المتواضعة من المازوت للتدفئة في الشتاء الأشد قسوة في هذا العام، وهو ما يتبدى معاناة ثقيلة في حياة الأسر السورية.

السوريون لا يعتبون على (أعراب) يملكون الثروات ويبددونها في التآمر عليهم، أو على كرة القدم، ولا يطالبون من يجحد أخوّة الدم ويتحالف مع صواريخ الكيان الصهيوني التي تقصف دمشق وأهلها الذين يواجهون قسوة الشتاء التي تشتد وتزداد مع قسوة قلوب وموت ضمائر من يريد لدمشق الخراب والركوع والتمزّق إلى دويلات تحاكي دويلاته القزمة...

القوى التي تظهر بشكل واضح وفاضح في مشهد التآمر على سوريا هي قوى تابعة لأميركا والكيان الصهيوني، فقد سقطت اللحى الزائفة عن الوجوه، وسقطت الشعارات المُضللة في وقت مُبكّر، منذ ظهر السفير الأميركي في حماة في زفّة ثورية تبشّر بالتغيير والديمقراطية!

ولم تنطل شعارات التضليل على كثيرين، ومبكراً انكشفت الأدوار بين آكلي الأكباد، وقاطعي الرؤوس، وهادمي الكنائس، ومُحتلي أعرق المساجد التي حوّلوها إلى خرائب بقصفهم، أو مستودعات لسلاح القتل والخراب.

صمدت سوريا، ومن تآمر عليها وأنفق المليارات لم يتب، ولكنه يعاني الخيبة واليأس لعجز مخططات من قادهم ووجّههم وأمرهم بإنفاق المليارات على الحرب التدميرية لسوريا آخر حواضر العرب العريقة التي تحفظ للعروبة مكاناً تنبثق منه من جديد في نهضة لا بد آتية.

ما أقوله لعرب سوريا الأقحاح الصبورين العريقين: إخوتنا، وأهلنا.. مضى الكثير وبقي القليل. سيتهاوى المتآمرون عند أقدام سوريا العروبة، بعظمة صبركم وتضحياتكم وسيتوافدون مطأطئي الرؤوس خزيانين مما فعلوا، ودمشق لن تغفر تدمير أوابد تدمر، وتصحير أراضي سوريا، وخراب مدارسها وجامعاتها، ولكنها ستعيد البناء، ومنها سيشعّ النور...

ستكنس سوريا الدبابات الأميركية من شمال شرقها، من فوق حقولها، وستدفعهم ثمن قمحها ودم أبنائها وبناتها.

أولئك الذين احتموا بدبابات أميركا وعساكرها لن يكون لهم كيان انفصالي على الجغرافيا السورية، بعد أن أتيح لهم أن يكونوا إخوة وأهلاً فكفروا بنعمة المواطنة.

سوريا قادمة، وشتاء البرد القاسي سينهيه ربيع الغوطة، وخصب سهل حوران، وسهول الجزيرة وعودة حقول نفطها وغازها، وثروات إدلب.

سوريا قادمة يعني العروبة قادمة، وهي ليست جامعة (الدول) العربية، فجامعة الدول العربية الحقيقيّة هي ما يجمع فلسطين ومقاومتها، ومقاومة شعب لبنان، ومقاومة اليمن، ومقاومة شعب البحرين، ومقاومة الجزائر، ومليونيات المغرب، وألوف العرب الذين شكّلوا المفاجأة للمطبّعين وللصهاينة في مونديال الدوحة.

مرّ الكثير يا أهلنا في سوريا، وبقي القليل، وأنتم أساتذة في الصبر، والبرهان كلامكم عن قسوة الشتاء وأنكم تتدثرون بالبطانيات لتدفئة أجسادكم وأنكم تتحملون من أجل سوريا، فالمدافع والصواريخ لم تهزمكم، والشتاء مجرّد فصل، وربيع دمشق آت لا محالة.