سوريا ومكافحة الكبتاغون: هل تنجح آلية التنسيق العربية في تحييد القانون الأميركي؟

عمليات تهريب المخدرات تحولت خلال السنوات الماضية إلى هاجس مخيف لدول المنطقة، وإلى ذريعة أميركية لتشديد الحصار الغربي المفروض على سوريا.

  • سوريا ومكافحة الكبتاغون: هل تنجح آلية التنسيق العربية في تحييد القانون الأميركي؟
    اجتماع وزراء خارجية 5 دول عربية عُقد في العاصمة الأردنية عمان

من بين أكثر من 15 توصية تضمنها البيان الختامي لاجتماع وزراء خارجية 5 دول عربية، والذي عقد في الآونة الأخيرة في العاصمة الأردنية، وخصّص لمتابعة الجهود العربية الرامية إلى إيجاد حل للأزمة السورية، كان الاتفاق على "تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الإتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية مع دول الجوار". 

وبحسب ما ورد في البيان، فإنّ سوريا "ستتعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين/ أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم عمليات التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق وتديرها وتنفذها، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهائها".  

عمليات تهريب المخدرات تحولت خلال السنوات الماضية إلى هاجس مخيف لدول المنطقة، وإلى ذريعة أميركية لتشديد الحصار الغربي المفروض على سوريا، وذلك عبر إقرارها نهاية العام الماضي قانوناً جديداً سمي قانون مكافحة الكبتاغون. 

من هنا، فإن الاتفاق العربي مع دمشق على خطوات عملية لمكافحة إنتاج المخدرات وتهريبها يثير تساؤلات عن الموقف الأميركي المرتقب من هذا الاتفاق، فهل تدعم واشنطن هذا الاتفاق فعلياً، وتساعد على إنجاحه، وتالياً محاصرة الظاهرة الخطرة أو أن عداءها لـ"النظام" في سوريا وأهدافها العملياتية غير المعلنة سوف يجعلانها تمضي قدماً في تنفيذ قانون مكافحة الكبتاغون؟

من مظاهر الحرب

شهدت تجارة المخدرات نشاطاً متزايداً في سوريا مع خروج مناطق عدة عن سيطرة الحكومة منذ عام 2012، واعتماد فصائل مسلحة، من بينها التنظيمات المسلحة كالنصرة و"داعش"، على إنتاج المخدرات وتجارتها في تمويل أنشطتها وشراء السلاح والولاءات، مستغلة سيطرتها على شريط حدودي واسع مع دول الجوار، وخبرة بعض منتسبيها في تهريب المخدرات وزراعة بعض أنواعها، لينتقل الأمر لاحقاً إلى تصنيع الحبوب المخدرة.

ورغم تقلص المساحات الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة تدريجياً منذ عام 2016، فإنَّ المخدرات بقيت تشكل مصدر تهديد داخلياً وخارجياً لحياة الكثيرين، ومصدراً اقتصادياً مغرياً للعديد من المنخرطين في الأعمال غير المشروعة خلال سنوات الحرب، وذلك نتيجة استمرار وجود مناطق حدودية مع دول الجوار تحت سيطرة فصائل مسلحة مدعومة غربياً، تسهل مرور المخدرات إلى مناطق سيطرة الحكومة، وغياب آلية تنسيق ثنائي بين دمشق ودول الجوار لضبط الحدود الواسعة، ولا سيما أن وحدات الجيش السوري اضطرت على مدار سنوات الحرب إلى الانتشار على مساحات واسعة من أراضي البلاد. وتالياً، فإن المعابر غير الشرعية مع دول الجوار لا تزال تنشط في تهريب الكثير من السلع والبضائع، ومن بينها المخدّرات بأشكالها المختلفة. 

أما الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون والسوريون المعارضون، فهم يصرون على تحميل دمشق مسؤولية تصنيع المخدرات وإيصالها إلى بعض الأسواق المجاورة والدولية. وقد توجت هذا الاتهام بإقرارها قانوناً ضمن ميزانية وزارة الدفاع سمي قانون مكافحة الكبتاغون في سوريا ووضعه موضع التنفيذ قبل أيام قليلة من نهاية العام الماضي.

واللافت في القانون الجديد أنه لم يحدد إجراءات معينة، إنما طلب من الوكالات الأميركية وضع إستراتيجية مكتوبة خلال 180 يوماً، وهو ما يشير إلى أنَّ إقرار القانون بهذه الصيغة المتسرعة ليس أكثر من ورقة ضغط جديدة يراد استثمارها ضد دمشق.

تتباين التقديرات المتعلقة بحجم تجارة المخدرات عبر الأراضي السورية تبعاً لمدى موثوقية المصدر والموقف السياسي. مثلاً، الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها يتحدثون عن تجارة يصل حجمها السنوي إلى نحو 4-6 مليارات دولار، وهو عملياً رقم مهول جداً، إلى درجة الاعتقاد بأن كل الشاحنات التي تنقل السلع والبضائع السورية إلى الأسواق الخارجية محملة بالمخدرات. 

في المقابل، يشير تلاحق الأخبار المتعلقة بنجاح السلطات السورية الأردنية والسعودية في ضبط شحنات من الحبوب المخدرة إلى أن حجم تلك التجارة ليس قليلاً، ما جعل من التعاون لمكافحتها بنداً أساسياً في الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية السوري مع نظيريه الأردني والسعودي في لقاءاتهم الأخيرة.

كل شيء متوقع

من دون أدنى شك، فإن حكومات الدول المجتمعة ستضع واشنطن وغيرها من الدول المؤثرة في الملف السوري في تفاصيل ما تم الاتفاق عليه مع وزير الخارجية السوري، وذلك بغية الحصول على دعمها ومساندتها في تنفيذ الاتفاق، فما الموقف الفعلي الذي سوف تتخذه الإدارة الأميركية بخصوص البند المتعلق بمكافحة المخدرات؟ هل تدعم آلية التنسيق المشتركة مع دمشق أو تمضي قدماً في تطبيق قانون مكافحة الكبتاغون، وتالياً تهديد الجهود العربية بمحاصرة تجارة المخدرات؟

بعيداً من التصريحات الإعلامية، فإن التوقعات المبنية على الموقف الأميركي من الأزمة السورية وبعض التجارب القريبة تؤشر إلى أنَّ واشنطن لن تبدي تجاوباً مثمراً مع الجهود العربية، فما دامت مصالحها في سوريا لم تتحقق، فإنها لن تسمح للأمور بأن تنفرج بهذه الطريقة، وإن سارت في الاتجاه الذي تطالب به إعلامياً.

الدليل على ذلك هو موقفها المعرقل لمشروعات التعافي المبكر التي من المفترض أن تستفيد منها في النهاية أسر سورية محتاجة، لا "مسؤولو النظام"، كما يروج عادة، وكذلك عرقلة واشنطن مشروع إحياء خط الغاز العربي لإنقاذ قطاع الطاقة اللبناني، رغم إدراكها أن الفوائد المالية التي ستعود على دمشق ستكون محدودة.

لذلك، من المرجح ألا يخرج الموقف الأميركي حيال الجهود العربية لمكافحة المخدرات عن أحد السيناريوين التاليين:

- السيناريو الأوّل يتمثل في اعتماد واشنطن سياسة تقوم على الاستمرار في تنفيذ العمل بقانون مكافحة الكبتاغون، وتحديداً تقديم الوكالات الحكومية الإستراتيجية التي طلبت منها بموجب مضمون القانون، والبدء بتطبيق بعض إجراءاتها، بالتزامن مع متابعة تطورات العمل السوري-العربي المشترك، أي إبقاء سيف العقوبات مسلطاً للحصول على تنازلات سياسية من دمشق، وليس تحقيق نتائج ملموسة على صعيد مكافحة تجارة المخدرات، لكن مع الإيحاء للرأي العام العالمي بمساندة الجهود العربية ودعمها.

دوافع هذا السيناريو تنحصر في أمرين؛ الأول أن الولايات المتحدة الأميركية لم تُوقف أو تُعلق أو تلغي عقوبات فرضتها على دولة من قبل، والأمثلة كثيرة في هذا السياق. لذلك، لن تكون سوريا استثناء. 

الأمر الآخر يكمن في أن المشروع الأردني للمساهمة في حل الأزمة السورية نال موافقة أميركية سابقاً عندما زار الملك عبد الله واشنطن قبل عامين. وبناء عليه، فإن واشنطن ستكون مضطرة إلى مسايرة مطالب 4 دول عربية أساسية في المنطقة لديها علاقات خاصة بها.

- السيناريو الثاني يقوم على تجاهل الجهود العربية والتعامل معها على أنها أحد أشكال التطبيع المرفوضة أميركياً. وبموجب ذلك، فإن الإدارة الأميركية سوف تسارع الخطى في تنفيذ القانون المشار إليه، والهدف هو إفشال آلية التنسيق العربية مع دمشق والتعامل معها على أنها بمنزلة "تبرئة للنظام" من جهة، وعدم التفريط في ورقة ضغط جديدة على دمشق من جهة ثانية، ولا سيما أن الصراع الأميركي الروسي يشتد في مناطق كثيرة من العالم، ومن غير المحتمل أن يبرد في الساحة السورية التي تعد إحدى الساحات المرشحة دوماً للرد الأميركي على تطورات الحرب الأوكرانية.

فرص النجاح أعلى

ومع ذلك، يبقى ما سبق وجهة نظر مبنية على بعض المقاربات للسياسات الأميركية في المنطقة، والمؤشرات المرحلية تقتضي وضع خيار الفشل إلى جانب خيار النجاح، إذ لا يعرف على وجه التحديد ماهية المتغيرات التي يمكن أن تحدث خلال الفترة المقبلة، فمن كان يتوقع أن تسير علاقات طهران والرياض بهذا المسار أو أن تطلب أنقرة ود دمشق وتستعجل التطبيع معها!

لننتظر الأيام المقبلة وما يمكن أن تحمله من إشارات ستكون كافية للحكم على الموقف الأميركي من الاتفاق السوري العربي على محاصرة تصنيع المخدرات وتهريبها، التي ربما تكون مؤشرات النجاح فيها أعلى من باقي البنود التي يحتاج بعضها إلى تنسيق دولي فعال ومدعوم بتمويل كبير، وبعضها الآخر يتطلّب تفكيك ألغام كثيرة للتوصل إلى أرضية مناسبة لفتح حوار مباشر بين السوريين.