زيارة بلينكن: أدوار لتركيا ومنها دور الوساطة في غزة

هل يمكن لأنقرة أن تعطي الولايات المتحدة ما تريده حول ملفّ الحرب في القرم والمشاركة في خطط "حماية" الملاحة في حوض البحر الأسود والدفاع عن اتفاقية مونترو للمضائق؟ 

  • ماذا عن زيارة بلينكن إلى تركيا؟
    ماذا عن زيارة بلينكن إلى تركيا؟

التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارته إلى تركيا الأسبوع الماضي في 6 كانون الثاني/يناير الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان في إسطنبول كجزء من جولته الدبلوماسية، وهي الزيارة الثالثة التي يقوم بها بلينكن إلى تركيا، حيث كانت الزيارة الأولى في أعقاب الزلازل التي ضربت تركيا في شباط/فبراير 2023، والثانية في تشرين الثاني/نوفمبر مع بدايات الحرب على غزة.

تمحورت المحادثات حول الحرب على غزة والأولويات الأمنية الأوروبية، بما في ذلك أوكرانيا واستكمال انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وتركيا. ويبدو أن نتائج المحادثة كانت إيجابية، وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد طلب من تركيا تمرير الموافقة على عضوية السويد في الناتو، وهو سيقنع الكونغرس بالموافقة على صفقة الـ أف-16.

تريد تركيا الاقتراب من الغرب، فوضعها الاقتصادي لم يرَ تحسّناً رغم محاولات وزير الخزانة محمد شيمشك العمل على رفع الفائدة، إلا أنه لم يحصل على المساعدات التي طلبها من الدول الغربية، فالمساعدة الأميركية ضرورية في هذه الفترة لأنقرة التي تطالب بمساعدات اقتصادية وبموافقة واشنطن على صفقة مقاتلات أف-16 الأميركية. وهي تسعى إلى إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي لكنها تطلب أن يراعي مصالحها في انفتاحها على روسيا.

في المقابل، لدى الأميركي شروط تبدأ بمراجعة أنقرة لسياساتها تجاه روسيا وإيران وبملف حوض البحر الأسود، والابتعاد عن الاتفاقيات الاستراتيجية البعد مع موسكو في مسائل الطاقة والتجارة ومناطق القوقاز والقرم.  

هل تلقّت وعوداً أميركية بدمجها بمشاريع استراتيجية كانت مبعدة عنها؟

 يمكن أن يكون بلينكن قد أكّد لأنقرة أن تزويدها بـ 40 مقاتلة من طراز أف–16 وتحديث 80 مقاتلة، خطوة أولى على طريق التقارب من جديد. في المقابل، يحصل بلينكن على ما يريده في مسألة تسريع عضوية السويد في الأطلسي.

هل يمكن لأنقرة أن تعطي الولايات المتحدة ما تريده حول ملفّ الحرب في القرم والمشاركة في خطط "حماية" الملاحة في حوض البحر الأسود والدفاع عن اتفاقية مونترو للمضائق؟ 

من الواضح أن زيارة بوتين إلى تركيا سوف توضح طبيعة المحادثات بما خصّ روسيا وأوكرانيا والبحر الأسود، والاتفاقات التي قامت بها تركيا مع كل من دول حوض البحر الأسود بلغاريا ورومانيا والغاية منها.

أهمية غزة على جدول الأعمال 

من الواضح أنّ موضوع طوفان الأقصى وغزة كان الأكثر أهمية بالنسبة لبلينكن، ويبدو أن العدوان الإسرائيلي على غزة أحدث تقارباً بين واشنطن وأنقرة. فتركيا كانت قد عرضت من بين دول أخرى، القيام بدور "الضامن" لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وضمان تنفيذ الحلّ السياسي. ومع ذلك، فإن اقتراح الضامن الذي طرحه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في 17 تشرين الأول/أكتوبر لم يكتسب زخماً، بما فيه ذلك الطرح في مؤتمر السلام الذي عقد في 21 تشرين الأول/أكتوبر في القاهرة، فضلاً عن المحادثات في كلّ من باريس ولندن. 

وبدلاً من ذلك، قادت قطر بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة المفاوضات للحصول على "الهدنة الإنسانية" لمدة أسبوع، والتي بدأت في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، وتضمّنت إطلاق سراح الرهائن والسجناء إضافة إلى تسليم بعض المساعدات إلى غزة من مصر.

أوضحت الدبلوماسية التركية أنّ المناقشات مع وزير الخارجية الأميركي قد تطرّقت إلى القضايا الإقليمية، بما في ذلك الصراع بين حماس و"إسرائيل"، والحرب على غزة إذ كانت الملفات الأهم، وتحديداً فيما يتعلّق بالمسار السياسي بعد الحرب وأوضاع الملاحة في البحر الأحمر، ما تريده واشنطن من تركيا هو الضغط على حماس في مفاوضات وقف إطلاق النار، وترتيبات ما بعد الحرب بخصوص إدارة القطاع.

في أثينا، قال بلينكن إن "الأتراك يريدون أن يؤدّوا دوراً إيجابياً بعد الحرب"، وشدّد على ضرورة العمل من أجل سلام إقليمي أوسع نطاقاً يضمن أمن "إسرائيل"، ويعزّز إقامة دولة فلسطينية. فيبدو أن بلينكن طالب تركيا بالضغط على "أصدقائها "في اليمن وعلى جارتها إيران والقيام بما يمكنها، "واستخدام نفوذها، وعلاقاتها، للمساعدة في منع انتشار الصراع في الشرق الأوسط، والعمل على ما بعد الحرب بالحكم والأمن وإعادة البناء بقيادة الفلسطينيين.

 تبدو تركيا مستعدة لتأدية دور في العمل الذي يجب أن يحدث في اليوم التالي لانتهاء الصراع، وكذلك على نطاق أوسع في سوريا، وهذا ما أكدته لبلينكن الذي طلب من المسؤولين الأتراك النظر في المساهمات النقدية أو العينية المحتملة لجهود إعادة الإعمار في غزة والمشاركة في الترتيبات الأمنية.

توحي الاجتماعات التي عقدت بين إردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان ورئيس الاستخبارات أن الكثير من التفاهمات قد حصلت، ولا سيما أنّ تركيا تعمل منذ 2021 بمراجعات لسياساتها الماضية منها ما يوصف بالتراجعات، ومنها ما هو اتفاقات ذات طابع سياسي واقتصادي واستراتيجي، ترى تركيا أنّ هذه التحوّلات السياسية تخدم مصالحها، وإنْ وسمها البعض بأنها سياسة تنازلات.

من المستبعد أن تقوم تركيا بالضغط على حماس أو "إقناعها" بتليين موقفها في مفاوضات وقف إطلاق النار، وليس من المؤكد أنّ "إسرائيل" ستقبل بوساطة تركيا، بداية، لكن يمكنها أن تلين موقفها منها كونها لم تسحب السفير التركي، فهو لم يغادر "تل أبيب"، كذلك قامت حماس بإعطاء تركيا دوراً في إطلاق رهائن.

لا شكّ أنّ الرئيس التركي كان دقيقاً في خطابه في بداية الحرب وتعامل بخطاب حيادي، ما لبث أن تطوّر طبقاً لتطوّر الأحداث، وهو راقب التضارب بين بايدن ونتنياهو مما سمح له بمهاجمة الأخير مخمّناً أنّ الحكومة الإسرائيلية آيلة للسقوط، لذلك عندما تطوّرت الحرب ولامست الإبادة الجماعية هاجم الحكومة واعتبر حماس حركة تحرّر وطني فهو يفهم الديناميكيات الإقليمية. خطابه الناري كان فقاعة صوتية لأنه مارس ضبط النفس للحفاظ على دوره كوسيط. الموقف كان محسوباً بدقة، ويستند إلى اعتبارات جيوسياسية ومصالح مع الطرفين.

 تعلّمت إدارة إردوغان أن الموقف المتطرّف قد يسيء إلى السياسة التي اتبعتها مؤخّراً، وهي التصالح مع المحيط الإقليمي والدولي. لذلك حافظ إردوغان على توازن بين دعم القضية الفلسطينية والتعامل مع "إسرائيل"، من أجل الحفاظ على دور بلاده كمحور أساسي في الدبلوماسية الإقليمية.

  يمكن أن تشكّل قطر وتركيا شراكة دبلوماسية لمتابعة مساعدات إنسانية أو وقف إطلاق النار في نهاية المطاف، بناءً على علاقاتهما الأمنية والاقتصادية الحالية. يرى الغرب أنّ الثقة التي اكتسبتها قطر من كلّ من "إسرائيل" وحماس، إلى جانب القدرات العسكرية والدبلوماسية التركية، يمكن أن تتيح في نهاية المطاف إجراء مناقشات متعدّدة الأطراف حول حل الدولتين.