زيارة بلينكن: حصر الحرب في غزة وتسكين الجبهة الشمالية

يشعر الأميركيون بالقلق من إصرار نتنياهو على فتح جبهة ضد لبنان من أجل بقائه السياسي، فهو يعلم أنه إذا انتهت حرب غزة، فإنّ مسيرته السياسية ستنتهي أيضاً.

  • ما جاء به بلينكن هو خطة إلهاء لأصدقاء أميركا في المنطقة.
    ما جاء به بلينكن هو خطة إلهاء لأصدقاء أميركا في المنطقة.

أتت الجولة الإقليمية التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وشملت تركيا واليونان والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، تحت عنوان استشارة دول المنطقة حول اليوم التالي للحرب في غزة، وفي الحقيقة هي لحماية "إسرائيل" سياسياً أثناء تدميرها غزة بالأسلحة الأميركية، والبحث بمآلات الحلول والاقتراحات، والتأكيد أن واشنطن لا تريد التصعيد في المنطقة.

ما جاء به بلينكن هو خطة إلهاء لأصدقاء أميركا في المنطقة يعدهم فيها بأنّ الاحتلال سيتوقّف عن حملة الإبادة وينتقل إلى عمليات عسكرية دقيقة، وذلك لتخفيف ضغوط الرأي العام العالمي على "تل أبيب".

لا جدال في أن الولايات المتحدة تشترك مع "إسرائيل" في أهدافها المتمثّلة في تدمير المقاومة الفلسطينية بشكل كامل، وإنهاء قوة حماس، وتجريد غزة من السلاح. إضافة إلى إكمال التدمير، إلّا أنها ستسمح بالمزيد من المساعدات الإنسانية، وتطلب من "إسرائيل" التقليل من الضحايا المدنيين، والسماح للناس بالعودة إلى الأماكن التي يمكن اعتبار العملية العسكرية فيها قد اكتملت. 

توقّعت الولايات المتحدة من "إسرائيل" خريطة طريق لغزة بعد الحرب. يقول نتنياهو إنه "أخبر بلينكن، بأنه وحكومته قد أقسموا على القضاء على حماس، ولا شيء يمكن أن يوقفهم". فالخطة الإسرائيلية، تؤدي إلى توليها إدارة الأمن والسيطرة عليه؛ أما الإعمار فسيكون بقيادة أميركية وبمشاركة دول أوروبية وعربية وتشكيل لجان محلية للإدارة المدنية لغزة من عناصر فلسطينية "غير معادية لإسرائيل"، يتمّ تدريبها على يد الأميركي، وتقول "إسرائيل" إن مصر سوف تتعاون في ممر فيلادلفيا بينما تسيطر هي بإحكام على حدود رفح. 

وهي تريد الآن بناء ستارة خرسانية عميقة تحت الأرض على طول الممر. ولقد توجّه وفد من الشاباك إلى القاهرة الأسبوع الماضي لبحث هذه القضية. إنهم يحاولون إعداد الخطة مع المخابرات المصرية. 

كلّ السيناريوهات في المحور الأميركي-الإسرائيلي مبنية على اليوم التالي لتدمير قوى المقاومة المسلحة، التي لا تزال موجودة، والحل الذي طرحه الفلسطينيون على طاولة المفاوضات في القاهرة كان واضحاً أيضاً، ومساره لم يوحِ بهزيمة المقاومة بل بتأليف حكومة من أطياف القوى والمجتمع الفلسطيني التي تريد "إسرائيل" والولايات المتحدة تدميره. المهمة المباشرة لبلينكن هي منع الحرب من الانتشار خارج حدود غزة.

الجبهة الشمالية وإبعاد حزب الله ما وراء الحدود 

بدأت "إسرائيل" بالتصعيد والتهديد تحت حجّة عودة المستوطنين إلى الحدود الشمالية، لكنها عملياً سعت مند بداية الحرب على غزة لدى الأميركي من أجل شنّ حرب لإعادة بناء قوة الردع ضد حزب الله، وتالياً إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح داخل لبنان.

تبدي واشنطن خشيتها من الهجمات المتبادلة والذهاب إلى حرب شاملة في هذا الوقت بالذات الذي بدأت فيه الإدارة حملتها الانتخابية، لذلك تحاول تفعيل الدبلوماسية من أجل التوصّل إلى لجم تطوّر الجبهة الشمالية. بدأ نتنياهو بتهديد حذر وأكد أنه يفضّل استعادة الأمن في المنطقة من دون الدخول في حرب مع حزب الله، إلّا أنّه ووزير الدفاع يوآف غالانت أكّدا استعدادهما لحرب شبيهة بحرب غزة.

أدّى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، في بيروت في الثاني من كانون الثاني/يناير إلى إعلان حزب الله أنه لن يترك القضية من دون ردّ، وكأوّل ردّ له وجّه ضربة إلى قاعدة ميرون الجوية في منطقة الجليل الأعلى المحتلة، ميرون، هي قاعدة الرادار الوحيدة التي تسيطر على الحركة العسكرية في تركيا وقبرص وسوريا ولبنان وشمال الأراضي المحتلة، وردّت "إسرائيل" باغتيال أحد قادة حزب الله العسكريين في 8 كانون الثاني/يناير، فردّ الحزب بقصف صفد. 

تريد "إسرائيل" من الأميركي العمل على إبعاد حزب الله عن الجبهة الشمالية، أما تهديدات نتنياهو بحرب ضد لبنان فهدفها الأوّلي محاولة الظهور بمظهر المنقذ لأهالي الشمال وكسب شعبية في ظلّ انخفاض شعبيته بعد فشله بتنفيذ وعوده بإعادة الأسرى. إلّا أنّ هدفه الحقيقي هو توجيه ضربة لحزب الله بشكل أو بآخر، ويعتقد أنه طالما أن الأميركي لا يزال داعماً لـ "إسرائيل" وموقفه رادع في المنطقة يمكنه تنفيذ خطته. 

كان الإسرائيليون قد ناقشوا مع إدارة بايدن اقتراحاً لتوجيه ضربة استباقية ضد حزب الله في الأيام الأولى للحرب، عارضها الأميركيون بسبب احتمال أن تؤدّي إلى جرّ إيران ومحور المقاومة إلى صراع إقليمي. 

يشعر الأميركيون بالقلق من إصرار نتنياهو على فتح جبهة ضد لبنان من أجل بقائه السياسي، فهو يعلم أنه إذا انتهت حرب غزة، فإنّ مسيرته السياسية ستنتهي أيضاً، وقد يقوم بتوسيع الصراع لمنع ذلك، ولا سيما أنه لغاية اليوم لم يحصل في مفاوضاته مع الأميركيين على ضمانات بشأن استمرار حياته السياسية بعد انتهاء الحرب، وهو مستعد لإغراق بايدن والتأثير عليه انتخابياً وحمل مؤيّديه من اليهود في الولايات المتحدة على تأييد ترامب.

عوامل عديدة تدفع الأميركيين إلى منع فتح الجبهة اللبنانية مع جبهة غزة، ومن هذه العوامل حجم الترسانة لدى حزب الله وقدرات مقاتلي الحزب، والخوف من تشتّت قوة "إسرائيل" ومواردها العسكرية بين غزة والشمال، كذلك الخوف من أن يؤدّي التصعيد إلى ضرب عمق المدن والمنشآت البتروكيماوية، مع العلم أن "إسرائيل" حاولت نقل بعض منشآتها بعد حرب العام 2006. 

للولايات المتحدة مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية ولا تريد حشد طاقات محور المقاومة في جميع أنحاء المنطقة ضدها، وهي تعلم أنّ العالم بأسره يرى أن "إسرائيل" لا يمكنها خوض معركة من دون موافقتها، لذلك حاولت إرسال دبلوماسيين غربيين فرنسيين وأوروبيين من أجل التأثير على الحكومة وحثّ حلفائها داخل لبنان على التهويل بالحرب الإسرائيلية ونتائجها الكارثية على لبنان. 

كما حمل الدبلوماسيون خططاً ومقترحات يدرسونها من أجل معالجة مخاوف "إسرائيل"، ويقول مسؤول في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إنهم مستمرون في استنفاد جميع الخيارات الدبلوماسية ويرغبون في رؤية الجيش اللبناني على الحدود، مع أنّ "إسرائيل" كانت قد قصفت مواقع الجيش اللبناني في الأسابيع الماضية. 

أما المقترح الأساسي فهو يقضي بانسحاب الحزب إلى منطقة شمال الليطاني، وهناك مقترحات طلبتها الحكومة اللبنانية منها الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة كافة. وستتم مناقشتها مع المبعوث الأميركي عاموس هوكستين الذي كان قد توجّه إلى "إسرائيل" الأسبوع المنصرم.

يرمي مقترح إبعاد الحزب عن الجبهة الشمالية إلى عزل لبنان عن الصراع مع "إسرائيل" وعزله عن التحالفات الإقليمية، وما فكرة الانسحاب من أراضٍ لبنانية محتلة سوى تكتيك إسرائيلي مؤقت لا يمكن الركون إليه في ظل المعركة القائمة في غزة، وهو محاولة لبث الخلافات في الداخل اللبناني الدي يطرح فريق منه ضرورة تخلّي الحزب عن سلاحه.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.