رسائل "خرداد 15": توازن ردعٍ أو مرحلة اشتباكٍ جديدة؟

إذا كان التعاون العسكري بين الحليفين الإيرانيّ والسوريّ ليس جديداً أو غير معروف، فإنّ المستجد هنا الذي يحمل مؤشّرات لافتة ومهمة، هو الإعلان الرسميّ من الجانبين عن الاتفاق المتعلّق بمنظومة الدفاع الجوي، وهو إعلان لقي صداه لدى قادة كيان الاحتلال الإسرائيليّ

  • رسائل
    رسائل "خرداد 15": توازن ردعٍ أو مرحلة اشتباكٍ جديدة؟

كعادتهم منذ احتلالهم أرض فلسطين العربيّة، تجاوز قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي كل الأعراف الإنسانية والسياسية والقانونية التي يتبعها البشر في أوقات الكوارث الطبيعية والإنسانية، وأمروا بتنفيذ اعتداء صاروخي على مبنى سكنيّ في حي "كفر سوسة" الواقع في قلب العاصمة السورية دمشق.

حصل ذلك فيما كان آلاف السوريين لا يزالون تحت الأنقاض، بعد زلزال مدمّر ضرب بلادهم في السادس من شهر شباط/فبراير الفائت، وفي الوقت الذي كان العديد من دول العالم التي لا ترتبط بعلاقات سياسية أو دبلوماسية بالدولة السورية، بسبب الحصار الأميركي والضغوط التي تمارسها واشنطن على تلك الحكومات، تحاول مدّ يد المساعدة للسوريين في ذاك الوقت العصيب.

يعرف السوريون وعموم أهل المنطقة العربية التي تحيط بفلسطين المحتلة، وخصوصاً أهل محور المقاومة، أنّ هذا العدو المتوحش الذي تقف خلفه أعتى الإمبراطوريات وأكثرها شرّاً في التاريخ (الولايات المتحدة الأميركية وخلفها حكومات العالم الرأسمالي الغربي)، لا يتورّع عن استغلال أي ظرف أو فرصة سانحةٍ لإيذائهم حتى الموت والدمار، وحتى خلال حدوث كارثة مدمّرة بفعل الطبيعة.

ولعلمهم ويقينهم بكل هذا، جاء الغضب الشعبيّ السوريّ صارخاً بأضعاف مضاعفة هذه المرّة، وسط دعوات تطالب بالردّ الفوري والعاجل على هذا العدو، حتى من قبل مواطنين سوريين لم يعد لدى بعضهم سقف يقي رأسه وجسده برد الشتاء.

في الحقيقة، توجّه شطر كبير من هذا الغضب باتّجاه حلفاء الدولة السورية، وعلى رأسهم روسيا، باعتبار أنّ موسكو هي الشريك التسليحيّ الأول للجيش العربي السوري، ناهيك بكونها تملك قواعد عسكرية في سوريا، وتنصب بطاريات دفاع جوّي متطورة من نوع "أس 300" و"أس 400" على الأرض السورية، سلّمت بعضها (من النوع الأول) للجيش السوريّ، لكنها لم تُستخدم بشكل واضح وفاعل حتى اللحظة في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتواترة بكثرة على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، لأسباب لا يفهمها أو يتفهّمها العديد من المواطنين السوريين العاديين. 

من هنا، تكررت المطالبات الشعبية السورية بضرورة إيجاد بدائل دفاعية حديثة ومؤثرة وفاعلة يمكنها إيلام العدو وردعه، كمقدمة للحرب التي يتوق إليها السوريون وإخوانهم في فلسطين والمنطقة، والتي من المفترض أن تضع حدّاً لهذا الاحتلال إلى الأبد.

ولأنّ إيران هي الشريك الأساسي الآخر للدولة السورية، وهي الشمّاعة التي يُعلّق عليها المحتل جلّ اعتداءاته، عندما يدّعي أنه يستهدف "أهدافاً إيرانية" داخل الأراضي السورية، رغم معرفة الجميع بعدم وجود جيوش وقوات وقواعد إيرانية في هذه البلاد، بل هناك مستشارون يعملون إلى جانب رفاقهم في الجيش العربي السوري وقوى المقاومة، ويجهدون في عملٍ دؤوب لتطوير أدوات المواجهة والصراع مع هذا العدو وباقي قوى العدوان المختلفة الأشكال والأسماء، المتوافقة في أهدافها في تدمير سوريا وإضعاف المحور الذي تنتمي إليه، فإنّ طهران كانت وما تزال معنية بشكل مباشر بهذه الاعتداءات، ليس في ما يتعلّق بالعنوان فقط، بل بما يرتبط أيضاً بعمق الصراع وأساسياته التي تستهدفها وتعنيها مثلما تستهدف دمشق وباقي قوى المحور وتعنيهم.

من هنا، جاءت الزيارات الأخيرة التي قام بها مسؤولون عسكريون سوريون، على رأسهم وزير الدفاع السوريّ، إلى طهران، لبحث كيفية الارتقاء بأدوات المواجهة وإيقاف عربدة العدو في السماء السورية وعلى أرض المنطقة. 

بعد الاعتداء الإسرائيلي الأخير على حيّ "كفر سوسة" الدمشقي ومواقع أخرى في ريف العاصمة السورية، زار وزير الدفاع السوريّ العماد علي محمود عبّاس العاصمة الإيرانيّة، والتقى أرفع المسؤولين العسكريين الإيرانيين، وتبعه قائد القوى الجوية السورية اللواء صلاح الدين كاسر غانم في زيارة مماثلة، لتُعلن بعد ذلك وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية التوصل إلى اتّفاق عسكريّ بين الحليفين يقضي بتسليم الجيش الإيراني لنظيره السوري منظومة دفاع جوّي إيرانية متطورة من نوع "خرداد 15" لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية.

وفي المعلومات، فقد جرى، قبل الإعلان عن الخبر بشكل رسميّ، الانتهاء من مرحلتين من هذا الاتفاق، إذ انتهى العمل على اختيار الأمكنة التي ستُنصب فيها هذه المنظومة وتوفير جميع البنى التحتية الواجبة لتأمين تمركزها وعملها، كما جرى تدريب الكوادر السورية على العمل عليها.

ومن المرجّح في هذه اللحظات أن تكون المرحلة الثالثة قد انتهت بالفعل، وسيصبح بإمكان السوريين سماع أصوات صواريخ منظومة "خرداد 15" وهي تلاحق الصواريخ والطائرات الإسرائيلية المعتدية فوق الأرض السورية باتّجاه سماء الجولان وفلسطين المحتلة.

تعدّ منظومة "خرداد 15" من أحدث منظومات الدفاع الجويّ الإيرانية. وقد أزيح الستار عنها في 9 حزيران/يونيو العام 2019، ووضعها الجيش الإيراني قيد الاختبار العملي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وهي منظومة قادرة على تحديد عدد من الأهداف العسكرية المختلفة في آن واحد، من بينها طائرات حربيّة وطائرات مسيّرة في نطاق 150 كيلومتراً، ويمكنها تتبّع هذه الأهداف على مسافة 120 كيلومتراً، وذلك باستخدام أحدث أجهزة الكشف التي تحتويها المنظومة، كما يمكنها اكتشاف الطائرات الشبحيّة في نطاق 85 كيلومتراً، والتعامل معها وضربها في مدى 45 كيلومتراً.

وتستخدم منظومة "خرداد 15" الإيرانية 3 منصّات إطلاق تتّسع كلّ منها لـ4 صواريخ من طراز "صيّاد 2" و"صيّاد 3" المتطوّرة، يمكنها إسقاط الأهداف بارتفاع أقصى يبلغ 27 كيلومتراً، في نطاق يتراوح بين 75 و120 كيلومتراً، ويمكن للمنظومة تحميل واستخدام نوعين مختلفين من الصواريخ بمديات مختلفة، والتعامل مع 6 أهداف في وقت واحد.

وإذ تعتبر طهران ودمشق، في الإطار المعلن والعام، أنّ هذا الاتفاق يأتي في سياق التعاون الإستراتيجي الطبيعي بين البلدين الحليفين اللذين يخوضان صراعاً مريراً مع العدو نفسه، يمكن القول إنّ هذه الخطوة العسكرية الجديدة تأتي في إطار تصعيد الاستعدادات والتحضيرات المشتركة لقوى محور المقاومة في سياق المواجهة الكبرى مع العدو.

ومن الواضح أن هذه المواجهة ستتطور على المدى القصير والمتوسط ربطاً بكل التطورات التي حصلت على مستوى الصراع في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ معركة "سيف القدس" في أيار/مايو 2021 حتى عدوان "كفر سوسة" في شباط/فبراير الفائت، أخذاً بالاعتبار جميع المعادلات التي تغيّرت أو استجدّت منذ ذلك الحين، بما في ذلك القدرات العسكرية لقوى المحور، خصوصاً في الداخل الفلسطيني ولدى فصائل المقاومة الفلسطينية بالدرجة الأولى، ثمّ التطورات على الجبهة الداخلية السياسية للاحتلال، بموازاة تصعيد العدو اعتداءاته على الأرضين السورية والإيرانية معاً.

بالتزامن مع تكثيف هذا العدو اعتداءاته على الأراضي السورية، فقد ثبت تورّطه في النشاطات المعادية التي حدثت داخل إيران خلال السنة الأخيرة، والتي ترافقت بشكل خاصّ مع عمليّات تخريبية قامت بها بعض القوى داخل إيران، بما في ذلك عمليات الاغتيال التي استهدفت علماء وضباطاً إيرانيين. 

وإذا كان التعاون العسكري بين الحليفين الإيرانيّ والسوريّ ليس جديداً أو غير معروف، فإنّ المستجد هنا الذي يحمل مؤشّرات لافتة ومهمة، هو الإعلان الرسميّ من الجانبين عن الاتفاق المتعلّق بمنظومة الدفاع الجوي، وهو إعلان لقي صداه لدى قادة كيان الاحتلال الإسرائيليّ، بما يعنيه ذلك من هدف إخراج مسألة الاستعدادات العسكرية لمحور المقاومة في صراعه مع المحتل من الحيّز السرّي أو غير المعلن إلى الحيّز المكشوف والمعلن.

وبما أنّ العدو الإسرائيلي لا ينفكّ يتحدث عن "نقل سرّي" للأسلحة والمعدات إلى دمشق ولبنان (المقاومة الإسلامية)، فإنّ طهران ودمشق أعلنتا من خلال هذا الاتّفاق أنّ "نقل الأسلحة" وتحضير أدوات المواجهة على كل الجبهات بات "رسميّاً" وأمام العالم، وبإعلانٍ سياسيّ واضح. 

هذه الرسالة لا تتوقف عند "تلّ أبيب" فحسب، بل تتجاوزها أيضاً إلى المشغّل الرئيسي لآلة العدوان الإسرائيلية وكل أدوات العدوان الأخرى في المنطقة، وهو الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً بعد المناورات العسكرية الأميركية – الإسرائيلية التي حصلت في كانون الثاني/يناير الماضي، والتي صُنّفت أكبر وأهمّ المناورات المشتركة في تاريخ الطرفين، وخصوصاً أيضاً أنّ واشنطن صعّدت استهدافاتها العسكرية (بشكل مباشر أو عن طريق أداتها "داعش") في البادية السورية وعلى الحدود العراقية – السورية، بهدف قطع طرق التواصل البريّ بين قوى محور المقاومة. 

كلّ هذا بالتزامن أيضاً مع رفع مستوى التصعيد ضد القواعد الأميركية في الشرق السوريّ، والذي تضطلع الأسلحة والكوادر الإيرانية بدور كبير فيه إلى جانب الجيش العربي السوري وقوى المقاومة في سوريا والعراق. 

وتجاوزاً لما يعلنه المحللون والمراقبون العسكريون في كيان الاحتلال حول محاولة طهران ومحور المقاومة "بناء معادلة ردع جديدة"، فإنّ الهدف الحالي لدى طهران ودمشق وقوى المحور هو ترسيخ معادلات اشتباك جديدة مع مختلف قوى العدوان، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة و"إسرائيل"، ربطاً بكل ظروف الصراع في المنطقة والعالم، ومنها ظروف ومستجدات الصراع القائم في أوكرانيا، الذي تتورّط فيه "إسرائيل" بشكل أكبر بعد سنة على انطلاق العملية العسكرية الروسية.

ومن المقرّر أن يذهب رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو في زيارة قريبة إلى كييف، بعد حديث عن نيّة "تلّ أبيب" تزويد القيادة النازية في أوكرانيا بمنظومة "القبة الحديدية"، وهي تطوّرات ستنعكس على كلّ ساحات الصراع التي تتورّط فيها واشنطن و"تل أبيب"، وعلى رأسها سوريا بالطبع، بما يعنيه ذلك من تغيير روسيّ محتمل في شكل التعاون العسكري مع دمشق وطهران وأسلوبه وعمقه.

بناءً عليه، فإنّ المرحلة القادمة من الصراع بين محور المقاومة والعدو الإسرائيليّ ستشهد تغييرات كبيرة، منها ما هو جذريّ في ما يخصّ قواعد الردع والاشتباك معاً، أخذاً بعين الاعتبار أنّ ما قررت طهران ودمشق الإعلان عنه عن طريق "خرداد 15" هو جزء من عملية كبيرة سيبقى بعض أجزائها سريّاً إلى أنْ يُعلن عن نفسه خلال أيّ عدوان إسرائيليّ مقبل.