رسائل الانتخابات الكينية
اتخذ وليام روتو، الفائز في الانتخابات الرئاسية الكينية، من عبارة "أمة المكافحين" شعاراً لحملته الانتخابية، التي ركز خلالها على مخاطبة الشبّان، الذين يصارعون للحصول على قُوت يومهم.
في الخامس عشر من الشهر الجاري، أعلنت مفوضية الانتخابات الكينية فوز وليام روتو في الانتخابات الرئاسية، التي شهدت منافسة شديدة بينه وبين رايلا أودينغا، المرشح الثابت للانتخابات الرئاسية منذ عام 2007.
وقال رئيس مفوضية الانتخابات والحدود، وافولا شيبوكاتي، إن روتو فاز بنحو 7.18 ملايين صوت (50.49 في المئة) في مقابل 6.94 ملايين صوت (48.85 في المئة) لمنافسه رايلا أودينغا. وأضاف: "أقف أمامكم، على الرغم من الترهيب والمضايقات. لقد قمت بواجبي وفق قوانين البلاد". وقال: "بموجب القانون، أعلن أنّ روتو وليام ساموي انتُخب رئيساً".
وقبل دقائق من إعلان رئيس مفوضية الانتخابات، وافولا تشيبوكاتي، فوز روتو، قالت نائبته جوليانا شيريرا لوسائل الإعلام، في موقع منفصل، إنها وثلاثة مفوضين آخرين - من أصل سبعة أعضاء - يتبرّأون من النتائج، وأضافت: "لسنا قادرين على تحمل مسؤولية النتائج التي سيتم إعلانها"، الأمر الذي أثار قلقاً بشأن تزوير الانتخابات، التي تمّت مراقبتها من جانب مراقبين محليين ودوليين.
ووصف المرشح الخاسر في هذه الانتخابات، رايلا أودينغا، نتيجة الانتخابات بالمهزلة، متعهّداً الطعنَ فيها أمام المحاكم، ودعا أنصاره إلى الهدوء والمحافظة على الاستقرار. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ مظاهرات عنيفة خرجت، مساء الإثنين الماضي، تندّد بالنتيجة، وتعلن رفضها لها، الأمر الذي استدعى من الذاكرة أعمال العنف التي اندلعت في انتخابات عامي 2007 و2017، والتي هددت الأمن والاستقرار في كينيا.
وكان وليام روتو اتخذ عبارةَ "أمة المكافحين" شعاراً لحملته الانتخابية، التي ركز خلالها على مخاطبة الشبّان الذين يصارعون من أجل الحصول على قُوت يومهم. وتعهّد أن تركّز سياسته الاقتصادية على تحسين أوضاع الفئات الأكثر فقراً أولاً، وخلق فرص عمل للشبّان، قائلاً إن تلك الفئات هي التي تتحمل العبء الأكبر خلال أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، التي ضربت العالم بأسره، في أعقاب وباء كورونا والحرب في أوكرانيا.
في مقابل ذلك، وعلى الرغم من خبراته الانتخابية المتراكمة، فإن رايلا أودينغا اكتفى برفع شعار فضفاض يدعو إلى الإصلاح ومكافحة الفساد، ولم ينتبه لفحص التطلعات الشعبية لمخاطبتها عبر عناوين برامجية تمكّنه من منافسة خصمه السياسي، ثمّ التفوق عليه.
يُذكَر أن رجل الأعمال وليام روتو، الذي يبلغ من العمر 55 عاماً، والذي أصبح الرئيس الخامس لكينيا، كان يشغل منصب نائب الرئيس الكيني المنتهية ولايته، أوهورو كنياتا، ويترأّس تحالف كوانزا، الذي يعني "كينيا أولاً"، والذي اجتمع فيه ساسة وقادة مجتمع ورجال أعمال.
ويُذكَر أن منافسه هو السياسي المخضرم، رايلا أودينغا، البالغ من العمر 77 عاماً. وشغل من قبلُ منصب رئيس الوزراء، وترشح لرئاسة البلاد في 5 انتخابات رئاسية، ويتزعّم المعارضة. ويرى بعض المراقبين أنه يفتقر إلى السند الغربي الكبير، الذي يؤهله لشغل المقعد الرئاسي الأول في بلاده. وهذا الأمر هو الذي توافر لخصومه السياسيين خلال التاريخ الانتخابي لكينيا تقريباً.
ثمّة رسائل حملتها الانتخابات الكينية، أُولاها قدرة الكينيين على المحافظة على النظام الديمقراطي، على الرغم من علّاته، في بلادهم، في الوقت الذي يعاني الإقليم الاضطرابات السياسية، التي نتجت من عجز الساسة عن الحُكم، وأطماع العسكر في السلطة. وصنع هذان المعطيان حالة من عدم الاستقرار في كثير من دول الاقليم، كما وضعا حدّاً للتداول السلمي للسلطة، وحافظا، في الوقت عينه، على أوضاع تلك الدول، على ما هي عليه من تخلّف وفقر وجهل ومرض وانقسامات سياسية واجتماعية.
أمّا الرسالة الثانية لهذه الانتخابات، فتتعلق برغبة الناخبين في مخاطبة قضاياهم. وواحدة من هذه القضايا هي قضية تجديد الدماء. وهذا الأمر كان في مصلحة وليام روتو، الذي لم يكن له تاريخ سياسي طويل، وأنه أقرب، من حيث العمر، إلى فئة الشبان، التي تشكّل الثقل الانتخابي الأكبر في معظم الدول الأفريقية.
والرسالة الثالثة تعبّر عن قاسم مشترك بين دول الإقليم، يتمثّل بالتحالف القائم بين السلطة والمال، وهو الأمر الذي اجتمع عند وليام روتو، الذي جمع بين السلطة والمال، كونه رجل أعمال، وكونه كان يشغل وظيفة نائب الرئيس، وهذا ما يلزم الاشتغال عليه حتى يتم وضع حدّ لهذا التحالف، الذي يحرم شخصيات وطنية ذات كفاءة وقدرة من المنافسة في المواقع القيادية في أوطانها، كونها تمتلك القدرات والمؤهلات، لكنها تفتقر إلى المال، وبعيدة عن السلطة، وهو الذي يضع حداً لقاعدة تكافؤ الفرص.
رابعة رسائل الانتخابات الكينية هي عجز السلطة عن اختيار الكفاءات الوطنية ذات الكفاءة والنزاهة والحرص، لتقود مفوضيات الانتخابات. والانقسام، الذي حدث في مفوضية انتخابات كينيا، نموذج عن هذا العجز الذي يؤثّر، على نحو مباشر، في نزاهة الأجسام التي تدير الانتخابات، ويؤثّر سلباً في ثقة الناخبين وعموم المواطنين بالعملية الانتخابية، وهو ما تلزم معالجته عبر وضع معايير صارمة يتم التقيّد بها في اختيار قادة هذه الأجسام وأعضائها، من خلال شراكة وطنية حقيقية.
خامسة رسائل الانتخابات، التي جرت في كينيا، ترتبط بتقبل نتائج الانتخابات، إن كان من الأنظمة، حين تزوّر الانتخابات عندما يخسر مرشحها، وإن كان من طرف المعارضة، التي تلجأ إلى أعمال التخريب، وإشاعة الفوضى، ونسف الاستقرار، حين يخسر مرشحها، نتيجة عدم قدرته على تحقيق كسب انتخابي، أو بسبب تزوير السلطة لنتائج الانتخابات. وهذا أمر يستحقّ أن تبذل من أجل معالجته كل الجهود.
آخر رسائل الانتخابات في كينيا وغيرها من الدول، تلك الرسالة التي تعنون إلى الجهات التي ترهن ذاتها للخارج، وترهن بالتالي القرار الوطني للكفيل الخارجي، فتضع نتيجة ذلك استقلال أوطانها في مقابل كسب انتخابي وكسب سياسي. وهذا الذي يجب أن تبذل فيه مجتمعاتنا جهوداً كبيرة من أجل منعه وتجريمه، فاستقلال الأوطان مرتبط بتاريخها وبمستقبلها، وهذا الذي يجب أن يعيه الساسة.