دور الأردن في استراتيجية بايدن للمنطقة
الملك عبد الله الثاني هو أول زعيم عربي يلتقي بايدن، ويبدو من المقرر أن يؤدي الأردن دوراً مهماً في تظهير الموقف الأميركي في المنطقة.
لطالما كان الأردن واحداً من أكثر شركاء أميركا موثوقية في الشرق الأوسط، وهو يعتبر جزءاً مهماً في تأمين مصالح "إسرائيل" في المسائل الأمنية والاستخبارية، لكنَّه عانى في عهد الرئيس دونالد ترامب، إذ وجد نفسه مهمَّشاً، وتراجعت علاقاته بكلٍّ من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مستويات متدنية، بعد أن شكل الأخير تحالفاً مع صهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير، وتبنى كلاهما صيغة "السلام مقابل السلام" كبديل لاتفاق "الأرض مقابل السلام"، الذي كان لفترة طويلة أساس السياسة الأميركية تجاه إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما عملا معاً على تمرير "صفقة القرن". وقد خشيت المملكة من مشروع الدولة البديل الذي لطالما لوَّحت به "إسرائيل" في عهد أرييل شارون.
إنَّ الملك عبد الله الثاني هو أول زعيم عربي يلتقي بايدن. ويبدو أنَّ انه من المقرر أن يؤدي الأردن دوراً مهماً في تظهير الموقف الأميركي في المنطقة، وهي إشارة إلى دول المنطقة و"إسرائيل" بأن الأردن عاد كشريك كامل في الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة، بما في ذلك القضية الفلسطينية.
شعرت عمّان بأنها تستعيد دورها المحوري كبوابة لحل إقليمي شامل للصراع في الشرق الأوسط، ولا سيما مع تغير الحقائق الجيوسياسية في المنطقة بعد تطبيع علاقات عدد من الدول العربية مع "إسرائيل"، في ظل الاحتلال والاستيطان، بينما رحل نتنياهو وتولى نفتالي بينيت، اليميني المتطرف، حكومة ائتلافية جديدة في "إسرائيل"، وهو يعارض أيضاً قيام دولة فلسطينية، بينما تحاول الولايات المتحدة الحد من وجودها المباشر في دول المنطقة.
الدّعم الاقتصاديّ وتمكين العلاقة مع "إسرائيل"
تضاعف إجمالي المساعدات الأميركية للأردن - التي بدأت منذ العام 1951 - 4 مرات تقريباً على مدار الأعوام الـ15 الماضية، وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس الأميركية. إضافةً إلى ذلك، يتمركز ما يقارب 3000 جندي أميركي في المملكة، وقد يرتفع هذا العدد قريباً.
حوَّلت الولايات المتحدة للأردن منحة نقدية بقيمة 600 مليون دولار، من أصل 1.65 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي تعهدت واشنطن بتقديمها هذا العام. وقد يحث بايدن دول الخليج على الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالمساعدة الاقتصادية أيضاً. كما أنَّه سيدفع "إسرائيل" إلى الموافقة على تنازلات جديدة للفلسطينيين لتقوية محمود عباس وتهدئة المخاوف الأردنيّة. من المهم جداً بالنسبة إلى الملك عبد الله تجديد دعم الولايات المتحدة لدوره كوصي وحارس للأماكن الإسلامية المقدّسة في القدس الشرقية - وهي قضية تعرَّضت للتهديد خلال الأشهر الأخيرة من رئاسة ترامب.
دعم الرئيس بايدن الانفراج الجديد بين "إسرائيل" والأردن، كما اتضح من الزيارة المفاجئة التي قام بها بينيت إلى عمّان، وعقده اتفاقيات تزويد الأردن، الذي يعاني نقص المياه، بـ50 مليون متر مكعب إضافية من المياه الإسرائيلية، بشرط أن يسمح للمزارعين الإسرائيليين بزراعة الأراضي الحدودية التي تستخدمها "إسرائيل"، وقد سلّمت إلى الأردن في العام 2019، أي في السنوات الأخيرة. كما وافقت "إسرائيل" على السماح لعمّان بزيادة صادراتها إلى الضفة الغربية من 160 مليون دولار إلى 700 مليون دولار سنوياً، وهي تخطط لقائمة طويلة من الاتفاقيات مع المملكة لإعادة تأهيل العلاقة.
يعتبر عدم الاستقرار في المملكة كابوساً بالنسبة إلى الولايات المتحدة. بعد تصاعد الإحباط في الأردن في الفترة الأخيرة على خلفية الاضطرابات الاقتصادية، وتفاقم الوضع مع جائحة كورونا، عانى الأردن أسوأ انكماش اقتصادي، كذلك انتشار أصداء فتنة داخلية، إذ تم وضع الأمير حمزة، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، تحت الإقامة الجبرية، واتهمت دول عربية مجاورة بدعم محاولة الانقلاب على الملك، بينما أرسلت "إسرائيل" رسائل واضحة عن عدم مشاركتها فيه.
دور الأردن في استراتيجية بايدن للمنطقة
فقدت كلّ من عمّان ورام الله الكثير من النفوذ السياسي أثناء الحرب الأخيرة بين "إسرائيل" وغزة وبعدها، وظهرت "حماس" كلاعب رئيسي في السياسة الفلسطينية على حساب السلطة الفلسطينية. كذلك، وضعت الأحداث الأخيرة في الضفة شرعية عباس والسلطة الفلسطينية موضع تساؤل، ما سبَّب قلقاً للإدارة الأميركية التي تدعم علاقة متينة بين الأردن والسلطة الفلسطينية.
وبينما تتفاوض إدارة بايدن مع العراق بشأن انسحاب قواتها منه، وفي إثر انسحابها من أفغانستان، أعلنت أنها تعيد نشر الأصول العسكرية والأفراد من أفغانستان وقطر إلى القواعد الأردنية، ليصبح الأردن موطناً مهماً بشكل متزايد للقوات الأميركية بعد الانسحابات. ستكون عمّان جزءاً من خطط واشنطن الأمنية التي بدأ الإعداد لها منذ شهر آذار/مارس بعد الإعلان عن اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة تسمح بدخول القوات والطائرات والمركبات الأميركية إلى أراضي المملكة بحرية.
وقعت الاتفاقية في كانون الثاني/يناير، ووافقت عليها الحكومة الشهر التالي، بعد أن تجاوزت البرلمان في خطوة استثنائية. تنص الاتفاقية المنشورة على أنه "يجوز للقوات الأميركية حيازة أسلحة وتعميمها على الأراضي الأردنية أثناء ممارسة مهامها". كما تنص على أنه يجوز للقوات الأميركية نقل المعدات وتخزينها، ويسمح للأفراد وطائراتهم وسفنهم "بالدخول والخروج بحرية من الأراضي الأردنية".
تدعم إدارة بايدن التحالف القائم بين الأردن ومصر والعراق. وقد قالت وزارة الخارجية الأميركية إنَّ قمة بغداد في حزيران/يونيو كانت "خطوة مهمة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية الإقليمية بين مصر والعراق والأردن وتعزيز الاستقرار الإقليمي". يريد الأميركيون أن تقوم كل من عمان والقاهرة وبغداد ببناء تحالف ثلاثي للحدّ من النفوذ الإيراني في العراق في ما يتعلق بالطاقة الكهربائية وصادرات الطاقة وإعادة الإعمار. التقى قادة الدول الثلاث –عبد الله الثاني، وعبد الفتاح السيسي، ومصطفى الكاظمي - 4 مرات منذ آذار/مارس 2019، كان آخرها في بغداد في حزيران/يونيو الماضي. التحالف الناشئ يهدف، من بين أمور أخرى، إلى المساهمة في استقرار العراق.
على الرغم من وجود بعض التقارب مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، تبقى عمّان قلقة من أن القضايا المعقدة - القدس والمسجد الأقصى وبناء المستوطنات - ستستمر في إعاقة العلاقات التي تنسجها، ولا سيما أنّ الإدارة الأميركية التي تعلن دعمها لحل الدولتين ليس لديها خطط جدية لتنفيذ أقوالها.
وهكذا، سيستمر الاستيطان وقضم الأراضي في ظلّ حكومة يقرر استمرارها السماح بغضّ الطرف عن سياسة الاستيطان. ستكون الأردن قاعدة عسكرية أميركية يخفت تأثيرها في دعم قضية القدس والأقصى بحسب مقتضيات السياسة الأميركية.