دوافع الصين إلى زيادة ميزانيتها العسكرية
يتطلب الصراع الصيني الأميركي أن تعمل بكين على تعزيز وتطوير قدراتها العسكرية لمواجهة التحديات والعقبات التي يمكن أن تضعها واشنطن أمام بكين للإضرار بمصالحها.
لم يكن قرار الصين رفع ميزانيتها العسكرية 7.2% خلال العام الحالي، لتصل إلى 231.4 مليار دولار أميركي، أمراً مفاجئاً في ظل التحديات التي تواجهها البلاد الطامحة إلى أن تصبح قوة عظمى. لقد سعت الصين، خلال الأعوام الماضية، لزيادة ميزانيتها العسكرية في ظل تصاعد التوترات في بعض مناطق العالم، وسباق التسلح الذي تشهده أغلبية الدول المحيطة بها، واتجاه الولايات المتحدة الأميركية نحوها كونها المنافس الاستراتيجي لها.
تدرك الصين، التي تطمح إلى أن تكون أكبر قوة اقتصادية في العالم، ودولة لها مكانتها الكبيرة في المسرح الدولي، أن طموحها لن يتحقق ما لم يكن لديها قوة عسكرية كبيرة تدافع عبرها عن مصالحها توازي أو تفوق القدرات العسكرية للدول الأخرى، ولاسيما الولايات المتحدة الأميركية. لذلك، عمل الرئيس الصيني شي جين بينغ منذ توليه الرئاسة على تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية عبر اتباع استراتيجية مغايرة نوعاً ما عن أسلافه، وإثبات الحضور الصيني عالمياً للوصول إلى الصين العظيمة عام 2049، في الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
زادت الصين ميزانية دفاعها لتعزيز اقتصادها والمحافظة على مصالحها ولمواجهة التحديات التي تواجهها خارجياً. فبحر الصين الجنوبي يشهد توترات كبيرة بين الصين وجيرانها بشأن عدد من الجزر المتنازع عليها، ولاسيما بين الصين والفلبين، إذ شهدت الأسابيع الأخيرة عدداً من الحوادث بين البلدين أدى أحدها إلى وقوع تصادم بين سفينة فلبينية وأخرى صينية. وللصين نزاعات مع اليابان في بحر الصين الشرقي بشأن جزر دياويو/ سينكاكو، كما تشهد الحدود المتنازع عليها بين الهند والصين مناوشات أحياناً.
وإذا كان قلق جيران الصين منها مبرراً كون الصين دولة ذات قدرات عسكرية كبيرة، فإن قلق بكين من التقارب بين جيرانها وواشنطن مبرراً أيضاً. فارتفاع منسوب التوترات والتسلح في المنطقة قد يؤدي إلى حرب، وهو ما تتجنبه الصين التي تعمل على تسوية نزاعاتها مع جيرانها عبر الحوار. أما الولايات المتحدة الأميركية فتسعى، من خلال دعمها جيران الصين، لتطويق بكين، وإبقاء دول المنطقة معتمدة عليها بحيث يبقى لها موطئ قدم فيها، ولاسيما أن المنطقة لها أهمية كبيرة، جيوسياسياً واقتصادياً.
وإزاء الأوضاع الأمنية المشتعلة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، دخلت دول المنطقة في سباق تسلح، وأخذت ترفع ميزانيتها العسكرية خلال الأعوام الأخيرة. فاليابان مثلاً رفعت ميزانيتها العسكرية لتصل إلى 56 مليار دولار أميركي. ووصلت ميزانية دفاع الهند إلى 78 مليار دولار أميركي. كذلك، وصلت ميزانية دفاع الولايات المتحدة الأميركية، خلال عام 2024، إلى 886 مليار دولار أميركي، بزيادة مقدارها 28 مليار دولار أميركي مقارنة بموازنة عام 2023.
هذا بالإضافة إلى سعي المنطقة لزيادة ترسانتها النووية، إذ تشير التقديرات إلى أن الصين زادت في مخزونها من الرؤوس الحربية من 350 رأساً في عام 2022 إلى 410 رؤوس. وكذلك الهند زادت في ترسانتها النووية لتصل كما هو معلن عنه إلى 150 رأساً نووياً.
منذ وصول الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة، عمل على تحديث الجيش، ووضع هدفاً لجعل الجيش "قوة قتالية حديثة" بحلول عام 2027، لتصبح الصين في عام 2049 قوة عسكرية عالمية. ولتحقيق هذا الهدف كان ضرورياً تطوير التكنولوجيا العسكرية التي تعتمد بصورة أساسية على الرقائق الإلكترونية، وهو الموضوع الذي يؤرق الصين، بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على تصدير أشباه الموصلات إلى الصين.
ومن أجل بناء جيش قوي حديث أخذ الرئيس الصيني يعمل على مكافحة الفساد في الجيش، وشملت حملة تطهير لمسؤولين عسكريين، بينهم وزير الدفاع السابق لي شانغ فو. وإن كانت الصين لم تعلن ذلك صراحة، لكن مكافحة الفساد في الجيش الصيني ضرورية من أجل تطوير أداء الجيش.
وتبقى قضية تايوان هي القضية الأساس بالنسبة إلى الصين، التي تخشى أن يقوم الانفصاليون في تايوان، بدعم خارجي، بإعلان استقلال الجزيرة بصورة منفصلة، وهو ما سيدفع بكين إلى ضم تايوان عسكرياً، الأمر الذي لا تريده الصين التي تتبع سياسة الصبر الاستراتيجي تجاه تايوان، وتسعى لضم الجزيرة بالطرائق السلمية.
تربط الصين بين تطوير اقتصادها وتوفير الأمن. فلا وجود لتنمية من دون الأمن. وإذا كان هدف بكين الأساسي تطوير اقتصادها، وأطلقت من أجل ذلك مشروعها الحزام والطريق، فإن المضي قدماً بهذه المبادرة يتطلب توفير الأمن، ويكون ذلك عبر تطوير القدرات العسكرية الصينية البحرية والجوية والبرية لمنع أي محاولات لإفشال هذا المشروع الضخم لحماية مصالحها.
من ناحية أخرى، يتطلب الصراع الصيني الأميركي أن تعمل بكين على تعزيز وتطوير قدراتها العسكرية لمواجهة التحديات والعقبات التي يمكن أن تضعها واشنطن أمام بكين للإضرار بمصالحها، ولاسيما عسكرة الممرات المائية التي تمر عبرها التجارة الصينية وناقلات النفط المتجهة إلى الصين.
أعلنت الصين ميزانيتها العسكرية بنحو 231.4 مليار دولار أميركي، وقد يكون الرقم أعلى من ذلك في ضوء التكتم الذي تمارسه بكين، وخصوصاً في المسائل التي تُعَدّ حساسة. ومهما يكن من أمر، فإن ميزانيتها الدفاعية أقل بثلاث أو أربع مرات من ميزانية الدفاع الأميركية التي تخصص أموالاً لأوكرانيا و"إسرائيل" وتايوان كي تبقى التوترات مشتعلة في مختلف مناطق العالم.