دميرتاش عائد ولكن!
يسعى الرئيس السابق لحزب "الشعوب الديمقراطي" في تركيا، صلاح الدين دميرتاش، اليوم، إلى التوقف قليلاً لمراجعة أخطاء المرحلة السابقة، وعلى رأسها استحقاق 2023.
"الإعدام لصلاح الدين دميرتاش" كانت إحدى الدعوات التي أطلقها الجمهور المحتفي بفوز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي انتخب لولايةٍ ثالثة في الجولة الثانية، إذ لم يكن الحظ إلى جانبه في الجولة الأولى.
الأهم أنّ هذه الدعوات-الصيحات لم تأتِ من العدم؛ وإنما جاءت منسجمةً مع ذهنية إردوغان المؤيدة عموماً للعقوبات المغلظة، واستكمالاً لما قاله الرئيس التركي بأنّ صلاح الدين دميرتاش المسجون منذ العام 2016 هو المسؤول عن مقتل 51 كردياً في احتجاجات ديار بكر في العام 2014.
في كلام إردوغان رسالة واضحة لا يمكن التغافل عنها، مفادها أنه لا يزال لدى دميرتاش أقلّه خمس سنوات سيقضيها في السجن، وهي مدة ولاية الرئيس، وأن لا صلح أو أجواء تصالحية مع من يمثل شريحة واسعة من الكرد.
رسالة تلقفها دميرتاش فردّ على إردوغان واصفاً إياه بـ "الملك المسنّ المخمور بانتصار مزيف، والذي يواصل الافتراء والتهديد والشتائم من شرفة قصره الفاخر". أما ردّه على المحتفين بفوز رئيسهم فكان ما حرفيته "اسمحوا لي فقط أن أقول هذا: أنا من نسل القائد الكردي العظيم صلاح الدين أيوبي، فاتح القدس الذي أحمل اسمه. عندما يحين الوقت، أعدكم بأن أعاملكم جميعاً بإنصاف".
ولكن، يبقى الأهم هو ما أعقب الرد، والمقصود هنا إعلانه "ترك السياسة النشطة في هذه المرحلة".
لا شكّ في أن لكلام دميرتاش أهمية كبيرة وصدى لدى الكرد قبل غيرهم، ولكن ما الذي يعنيه ذلك؟ بالتأكيد، ليس في نية دميرتاش الاعتزال السياسي ولا حتى الانشقاق عن الحزب كما يروّج البعض، رغم عتبه على من هم في موقع القيادة، إذ إنّ رسائله الموجّهة إليهم، وهو القابع خلف القضبان، بقيت من دون صدى.
ما يسعى دميرتاش إليه اليوم هو التوقف قليلاً لمراجعة أخطاء المرحلة السابقة، وعلى رأسها استحقاق 2023. فاليوم، يدور الحديث عن تقصير الحزب، الذي تأخر في إعلان خوضه الانتخابات، في تواصله مع قواعده الشعبية، وتركيزه على التحالفات لا على المرشحين، فأتوا بغير إرادة الإدارات المحلية.
لذلك، أمام حزب "الشعوب الديمقراطي"، (المهدد بالإغلاق) وحزب "اليسار الأخضر"، الذي خاض الانتخابات، مرحلة طويلة من المراجعات والتقييمات، لا سيما مع خسارة الحزب سبعة نواب عن الانتخابات السابقة بتراجع يقارب الـ3% (حصل في 2023 على ما نسبته 8,8% بينما حصل في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 على 11,7%).. ورغم تأكيد بعض المقربين من الحزب أنه سيبقى ضمن تحالف "العمل والحرية"، فإنّ عمر التحالفات الانتخابية عادة ما يكون قصيراً.
ولكن، ماذا عن الموقف الكردي من انتخاب الرئيس إردوغان مجدداً؟
تقول أوساط مقرّبة من حزب "الشعوب الديمقراطي" إنّ الهدف من دعم مرشح المعارضة كان التخلص من النظام الرئاسي لا الرئيس إردوغان بشخصه، رغم إصرار الأخير على وسم كمال كليجدار أوغلو بـ"مرشح قنديل"، في إشارة إلى تحالفه مع ما تعدّه السلطات التركية تنظيماً إرهابياً، وهو حزب العمال الكردستاني.
وتضيف هذه الأوساط بأنّ الصوت الكردي أحدث فرقاً في هذه الانتخابات لصالح كليجدار أوغلو، الذي حاز على أكثر من 75% من الأصوات في مناطق الكرد، وهي النسبة الأكبر التي حصل عليها حزب "الشعب الجمهوري" طوال تاريخه في هذه المناطق.
ورغم ذلك، لم يحظ سكان هذه المناطق، ولا حتى حزب "الشعوب الديمقراطي" أو "اليسار الأخضر" على كلمة شكر من كليجدار أوغلو، الذي أدار ظهره لهم، وتحديداً في الجولة الثانية من الانتخابات.
وهنا، تُشير التقديرات، وفي رد على جنوح كليجدار أوغلو نحو الخطاب القومي، إلى عدم ذهاب ما يقرب من مليوني ناخب من حزب "الشعوب الديمقراطي" إلى صناديق الاقتراع في منطقتَي شرق وجنوب شرق تركيا في جولة الإعادة.
ماذا عن المستقبل؟ وأين دميرتاش منه؟
فور انتهاء الانتخابات وظهور النتائج، دخل حزب "الشعوب الديمقراطي" مرحلةَ إعادة الحسابات لتقييم ما حدث. أصبح الهمس أكثر وضوحاً، بأنّه لو سمح لدميرتاش بالترشّح للرئاسة، لانعكس ذلك إيجاباً على الناخب الكردي الذي كان سيذهب إلى صناديق الاقتراع بحماسٍ أكبر.
اليوم، انعقاد الاجتماعات متواصل؛ فالانتخابات المحلية على الأبواب، ولا بدّ من التحضير لها، وعليه فأغلب الظن بأن ترك دميرتاش العمل السياسي النشط لن يطول، أما لسان حال مؤيديه فيقول: "لتكن خطواتك هذه تكتيكية لبدء عملية نقد ذاتي داخل حزب الشعوب الديمقراطي لا أكثر ولا أقل، فأنت لا تزال محبوب الجماهير الكردية ".