حماية قوات اليونيفيل في القانون الدولي الإنساني
تتمتع قوات اليونيفيل العاملة في لبنان وممتلكاتهم بالحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للمدنيين والأعيان المدنية، فلا تجوز مهاجمتهم إلا في حال مشاركتهم مباشرة في الأعمال الحربية.
تواصل القوات الإسرائيلية هجماتها المكثفة على مناطق متعددة من لبنان، وترافق الضربات الجوية الإسرائيلية محاولة جيش الكيان الإسرائيلي التقدم براً عبر القرى الحدودية الجنوبية بحجة القضاء على البنى التحتية للمقاومة اللبنانية، وإنشاء منطقة عازلة لإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى مستوطناتهم في شمالي فلسطين المحتلة.
ولم تكتف "إسرائيل" باستهداف المدنيين اللبنانيين والأعيان المدنية، بل صوبت نيرانها نحو قوات حفظ السلام الموقتة العاملة في لبنان (اليونيفل) الموجودة في المناطق الحدودية، الأمر الذي أسفر عن إصابة عدد من أفرادها، وإلحاق أضرار بالمباني والمعدات التابعة لها.
وتزامن استهداف اليونيفيل مع ما دعا إليه كل من السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، بشأن نقل قوات اليونيفيل في جنوبي لبنان لمسافة 5 كيلومترات شمالاً، وما طلبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من سحب لقوات اليونيفيل والتراجع عن مواقعها.
في المقابل، رفضت الدول المشاركة في قوات اليونيفيل الاستجابة للطلب الإسرائيلي. وقال المتحدث باسم اليونيفل، أندريا تيننتي، إن القوات لن تترك مواقعها على رغم الهجمات التي تتعرض لها بصورة مباشرة ومتعمّدة من جانب الجيش الإسرائيلي.
ودانت مجموعة من الدول استهداف اليونيفل، وطالب أعضاء مجلس الأمن الدولي، الذي أنشأ قوات حفظ السلام الموقتة العاملة في لبنان عام 1978، بموجب القرارين 425 و426، باحترام أفراد هذه القوات والمنشآت التابعة لها.
وعلى الرغم من النداءات الدولية لـ "إسرائيل" بشأن تجنب استهداف قوات اليونيفل، فإن هذه النداءات لم تلقَ أذاناً مصغية لدى الإسرائيليين الذين عمدوا مجدداً إلى استهداف مواقع قوات حفظ السلام بالقرب من كفركلا.
والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي عدّته "إسرائيل" شخصاً غير مرغوب فيه بسبب عدم إدانته بصورة واضحة للهجمات الصاروخية الإيرانية التي استهدفت "تل أبيب" رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله، والقائد في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان، رأى أن الهجمات على قوات حفظ السلام تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، وقد تشكل جريمة حرب.
لا توجد في مواثيق القانون الدولي الإنساني حماية موظفي الأمم المتحدة بصفتهم هذه إلا ما جاء في الإشارة الصريحة في المادة الـ37 فقرة (د) من البروتوكول الأول لعام 1977، الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي تتعلق بالغدر، وتحظر التظاهر بوضع يكفل الحماية باستخدام شارات أو علامات أو أزياء محايدة خاصة بالأمم المتحدة.
وبالتالي، فإن هذه المادة تشير ضمناً إلى حماية مكفولة لقوات حفظ السلام بصفتها هذه ما دامت لا تشارك مباشرة في الأعمال العدائية.
كما أن المادة الـ33 من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي تنص على أنه يحظر توجيه هجمات إلى أفراد يشاركون في مهمات حفظ السلام، وأعيان مستخدمة فيها ما داموا يتمتعون بالحماية الممنوحة للمدنيين والأعيان المدنية بمقتضى القانون الدولي الإنساني.
تحظى قوات حفظ السلام بالحماية المقررة للمدنيين التي يوفرها لهم القانون الدولي الإنساني، لأنهم ليسوا أطرافاً في النزاع، ويتمتعون بالحماية ما داموا لا يقومون بدور مباشر في العمليات العدائية.
والأعيان المستخدمة في عمليات حفظ السلام تُعَدّ أعياناً مدنية محمية ضد الهجمات. وتوفر المواد الـ48 والـ51 والـ52 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الحماية للمدنيين والأعيان المدنية، وتزول عنهم هذه الحماية في حال مشاركتهم مباشرة في الأعمال العدائية.
ويشكل الاعتداء على قوات حفظ السلام ومقارّهم انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني ويرقى إلى جريمة حرب سنداً للمادة الـ8 بند (ب) فقرة الـ(3) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تنص على أن جريمة الحرب تشمل شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهمّات المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام، عملاً بميثاق الأمم المتحدة ما داموا يستخدمون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة.
وعليه، تتمتع قوات اليونيفيل العاملة في لبنان وممتلكاتهم بالحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني للمدنيين والأعيان المدنية، فلا تجوز مهاجمتهم إلا في حال مشاركتهم مباشرة في الأعمال الحربية.
وفي إطار آخر، يتمتع أيضاً موظفو الأمم المتحدة بالحماية الممنوحة لهم بموجب اتفاقية سلامة موظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها لعام 1994 التي نصت في المادة الـ7 منها أنه لا يجوز جعل موظفي الأمم المتحدة ومعداتهم وأماكن عملهم هدفاً للاعتداء.
ما تتعرض له اليونيفيل اليوم من هجمات إسرائيلية، تعرضت له سابقاً خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان. فما زالت مجزرة قانا في جنوب لبنان شاهدة على الوحشية والغطرسة للكيان الصهيوني، الذي استهدف مركز قيادة فيجي التابع لقوات اليونيفيل عام 1996، حيث كان يوجد فيه المئات من المدنيين اللبنانيين الذي لجأوا إليه للاحتماء من القصف الإسرائيلي، وكان معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، وراح ضحية القصف الإسرائيلي على المركز مئات الشهداء والجرحى. وفشل مجلس الأمن الدولي في تبني قرار يدين الهجوم الإسرائيلي بسبب استخدام الولايات المتحدة الأميركية لحق النقض الفيتو.
وخلال حرب تموز 2006، تعرض موقع قوات الطوارئ في الخيام لقصف إسرائيلي أدى إلى استشهاد عدد من قوات حفظ السلام.
لغاية اليوم، ما زالت الدول تكتفي بإدانة الاعتداءات الإسرائيلية على قوات الطوارئ في جنوبي لبنان من دون أن يتمكن مجلس الأمن الدولي من اتخاذ أي قرار يدين "إسرائيل" على اعتداءاتها بسبب الدعم الأميركي اللامحدود للكيان الصهيوني.