جون كيري في بكين.. هل يُصلح المناخ ما أفسدته السياسة؟

عندما يتم الاتفاق على إعادة المشاورات حول المناخ يحصل ما يوتر العلاقات بين بكين وواشنطن، فيؤثر في المناقشات بينهما. لذلك، منذ بدء التعاون بين البلدين بشأن المناخ، لم يحصل أي تقدم نتيجة لخلافاتهما السياسية.

  • جون كيري في بكين.. هل يُصلح المناخ ما أفسدته السياسة؟
    جون كيري في بكين.. هل يُصلح المناخ ما أفسدته السياسة؟

يزور المبعوث الأميركي الخاص بتغير المناخ جون كيري الصين لمدة 4 أيام، في وقت بات تأثير تغير المناخ واضحاً مع موجات الحر التي تضرب عدداً كبيراً من مناطق العالم، ومن ضمنها الصين، التي شهدت عاصمتها درجات حرارة مرتفعة تجاوزت 40 درجة مئوية.

ويُؤمل أن تساهم زيارة كيري في تخفيف حرارة التوتر بين بكين وواشنطن بعدما وصلت العلاقة بينهما إلى أدنى مستوياتها، إذ يتمتع وزير الخارجية السابق كيري بعلاقة ودية إلى حد ما مع الصين. وقد رفض قبل زيارته الأخيرة لبكين وصف الرئيس الصيني بأنه ديكتاتور بعدما وصفه الرئيس جو بايدن بذلك، مشيراً إلى أن تكرار الوصف سيأتي بنتائج عكسية.

وفي أثناء زيارته بكين، سيلتقي كيري نظيره الصيني شيه تشن هوا وعدداً من المسؤولين الصينيين، وسيتمحور الحديث حول خفض انبعاثات غاز الميثان، والحد من استخدام الفحم، وإزالة الغابات، ودعم الدول الفقيرة للتعامل مع تغير المناخ، ومؤتمر المناخ (كوب 28) المقرر عقده في الإمارات العربية خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

كثفت إدارة بايدن خلال الأشهر الأخيرة اتصالاتها مع بكين لتخفيف التوتر بينهما، فقد زار الصين كل من وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة الخزانة جانيت يلين التي شددت خلال زيارتها على ضرورة أن تعمل بكين وواشنطن معاً لمكافحة التغير المناخي، ودعت بكين إلى المساهمة بشكل أكبر في صناديق المناخ العالمية التي تساعد الدول النامية على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

تعد الصين دولة نامية في المنظمات الدولية، وبالتالي لا تتحمل المسؤوليات نفسها مثل الولايات المتحدة التي تعتبر دولة متقدمة. لذلك، تصر واشنطن على إنهاء معاملة الصين على أنها دولة نامية لتصبح دولة متقدمة على قدم المساواة معها.

زيارة رمزية

على الرغم من الزيارات السابقة التي قام بها كبار المسؤولين الأميركيين للصين، واللقاء الذي عقد بين بلينكن وكبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي على هامش قمة رابطة آسيان في إندونيسيا مؤخراً، فإنَّ الاتصالات لم تسفر عن أي خرق أو تقدم كبير باستثناء إعادة فتح قنوات الاتصال بين بكين وواشنطن، والأمر نفسه ينطبق على زيارة كيري لبكين، التي لا يتوقع منها الكثير، نظراً إلى الأسباب التالية:

 أولاً: صعوبة فصل التعاون لمكافحة التغير المناخي عن العلاقات العامة بين البلدين، والصين واضحة تماماً في هذا الشأن، إذ تعتبر أن قضايا المناخ لا يمكن فصلها عن العلاقات العامة بين بكين وواشنطن، وهذا ما أشار إليه وانغ يي عندما زار جون كيري الصين عام 2021، إذ قال له وانغ إن الجانب الأميركي وصف سابقاً التعاون في مجال تغير المناخ بأنه واحة للعلاقات الصينية الأميركية. ومع ذلك، إذا كانت الواحة محاطة بالصحاري من جميع الجهات، فإنها ستتحول عاجلاً أم آجلاً إلى صحراء.

زار جون كيري الصين مرتين عام 2021، وأجرى مباحثات مع كبار المسؤوليين الصينيين. وفي قمة المناخ التي عقدت في غلاسكو عام 2021 (كوب 26)، أعلن الطرفان عن اتفاق تعاون بينهما، إلا أن توتر العلاقات بين الجانبين أثّر في تعاونهما، إذ علَقت بكين المباحثات احتجاجاً على زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي جزيرة تايوان العام الماضي.

ولم يعاود الجانبان التواصل بشأن المناخ إلا بعد لقاء الرئيسين الصيني والأميركي على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي العام الماضي، إذ التقى كيري نظيره الصيني على هامش قمة المناخ (كوب 27) التي عقدت في شرم الشيخ، إلا أن حادثة المنطاد الصيني الذي أسقطته الولايات المتحدة أثرت في مباحثات التعاون لمكافحة التغير المناخي.

وبناء عليه، عندما يتم الاتفاق على إعادة المشاورات حول المناخ يحصل ما يوتر العلاقات بين بكين وواشنطن، فيؤثر في المناقشات بينهما. لذلك، منذ بدء التعاون بين البلدين حول المناخ لم يحصل أي تقدم نتيجة خلافاتهما السياسية.

ثانياً: أثرت القيود المفروضة بين البلدين تحت مزاعم الأمن القومي في الحد من التعاون بينهما. مثلاً، عام 2018، فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تعريفات جمركية على منتجات التكنولوجيا النظيفة الصينية. وفي أيار/مايو الماضي، صوت مجلس الشيوخ الأميركي على إعادة التعريفات الجمركية على الألواح الشمسية من الشركات الصينية. من جانبها، فرضت الصين العديد من اللوائح الصارمة التي حدت من التعاون في مجال التكنولوجيا النظيفة مع الولايات المتحدة. 

ثالثاً: الخلاف حول أساسيات كيفية معالجة التغير المناخي، فواشنطن تريد من بكين أن تتعهد الوصول إلى ذروة الانبعاثات في وقت مبكر، وبذل المزيد من الجهود لخفض استهلاك الفحم، وحثها على زيادة التمويل لقضايا تغير المناخ العالمي، فيما تعتبر الصين أنها لا تتلقى التعليمات والأوامر من واشنطن، وأن هذا الأسلوب المتعالي ليس السبيل المناسب للتعاون معها.

الولايات المتحدة والصين هما أكبر مصدرين لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، والتعاون بينهما ضروري لتحقيق أهداف المناخ العالمية، وهو يمهد الطريق لمفاوضات ناجحة في قمة المناخ "كوب 28"، ويمكن لجون كيري خلال زياراته بكين التشاور مع المسؤولين الصينيين بشأن ما تم الاتفاق عليه في "كوب 26"، بما في ذلك إنشاء مجموعة عمل لتبادل آخر المستجدات حول جهودهم الوطنية.

ومن المحتمل أن تطلب بكين من واشنطن إزالة الرسوم الجمركية على الألواح الشمسية الصينية والتقنيات منخفضة الكربون، ولكن فرص حدوث اختراقات في ذلك قليلة، نظراً إلى أنها قضايا سياسية، ولكن في المقابل يمكن للجانبين التعاون في إزالة الكربون من صناعة الصلب، إذ تعد صناعة الصلب أحد المصادر الرئيسية للانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري، ويعد تقليل الانبعاثات من صناعة الصلب هدفاً للسياسة الصينية التي تحاول الاعتماد في إنتاج الصلب على التقنيات منخفضة الكربون، مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف واحتجاز الكربون وتخزينه. 

كما أن بعض منتجي الصلب في الصين، بما في ذلك Baowu للصلب وAngang steel، تعهدا برفع الانبعاثات إلى ذروتها في وقت مبكر من عام 2024، كما أن إزالة الكربون من الصلب لا يشكل خطراً على الأمن القومي، فقد حددت دراسة علمية أجريت عام 2022 حول مخاطر انفصال أميركا عن الصين بشأن التقنيات منخفضة الكربون أن الفولاذ الأخضر واحتجاز الكربون وتخزينه لهما مخاطر قليلة على الأمن القومي، فيما الخلايا الكهروضوئية الشمسية والبطاريات أكثر عرضة للمخاطر وحساسة من الناحية السياسية.

أوردت دراسة أعدتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنَّ درجات الحرارة خلال السنوات الخمس المقبلة ستبلغ ذروتها، وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من الاقتراب من نقطة اللاعودة والاتجاه نحو الجحيم المناخي.

لذلك، ينتظر العالم اليوم من بكين وواشنطن أن تضعا خلافاتهما جانباً وتركزا على قضايا التغير المناخي، نظراً إلى أن قضايا المناخ لا تحتمل انتظار حل الخلافات السياسية بين البلدين، التي لا يتوقع لها أن تُحل على المديين القريب والمتوسط.