جولة محمد بن سلمان الخليجية.. إعادة تموضع؟
لا يمكن قراءة الجولة الخليجية لولي العهد السعودي بمعزل عن القفزات الحُرّة التي تقوم بها الإمارات، سواء في العلاقة بتركيا، أو إيران، أو سوريا.
"إعادة بناء العلاقات الخليجية المتصدّعة"، هو العنوان العريض الذي يمكن عبره وصف جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأشقائه في الخليج، من أجل لملمة البيت الداخلي، والبحث عن أرضية مشتركة للتعامل مع المرحلة المقبلة، وما قد تحمله من متغيرات وتحديات سياسية واقتصادية، إقليمياً ودولياً.
جولة تكمن أهميتها في كونها تأتي في ظل تراجع لغة الحرب وتقدُّم لغة السياسة والدبلوماسية، بصورة عامة في الإقليم، وبصفة خاصة في الخليج، الذي يتّجه نحو إعادة ترميم العلاقة بإيران وتركيا.
ويتقدّم المشهدَ ما سمّاه الباحث الإماراتي عبد الخالق عبد الله، في "تويتر"، "البلدوزرَ الاماراتي"، الأمر الذي أوحى إلى البعض بأن أبو ظبي هي من يقود المسار الدبلوماسي نحو التسويات السياسية، بينما فهم البعض الآخر أن هناك تسابقاً سعودياً إماراتياً نحو الانفتاح على الخصوم السياسيين.
غير أن الواقع يقول إن هناك ثنائية سعودية إماراتية، ذات سقف عالٍ من التفاهم والتنسيق، وفيها شيء من المنافسة الإقليمية وشيء من التباين وبعض الخلافات. وهذا أمر يبدو، ضمن الأطر السياسية، أمراً طبيعياً في منطقة مليئة بالتناقضات.
لكنّ ما هو واضح هو وجود اتفاق عامّ على الخطوط العريضة بشأن كيفية التعامل مع مختلف المراحل، صعوداً وهبوطاً، ضمن سلّم أولويات هذه الدول. وتجلّى ذلك في ملف القطيعة مع قطر، والحرب على اليمن، وحتى في مسألة التطبيع مع "إسرائيل"، مروراً بما نشهده حالياً من إعادة تموضع على مستوى المنطقة. وبالتالي، لا يمكن قراءة الجولة الخليجية لولي العهد السعودي بمعزل عن القفزات الحُرّة التي تقوم بها الإمارات، سواء في العلاقة بتركيا، أو إيران، أو سوريا؛ جولة كانت أُولى محطاتها مسقط، الأمر الذي يطرح السؤال: لماذا الجولة، ولِمَ البداية من عُمان؟!
في الحقيقة، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان يسعى للملمة البيت الخليجي، الذي شابته التصدُّعات وعصفت به الخلافات خلال السنوات الماضية، وذلك قُبيل قمة مجلس التعاون الخليجي المتوقَّع عقدها في منتصف الشهر الجاري؛ قمة هي الأولى بعد "قمة العلا"، التي أُعلن فيها الصلح مع قطر، وذلك بهدف تشكيل موقف خليجي موحَّد أو متقارب، عنوانه إعادة التشبيك، سياسياً واقتصادياً، وذلك نتيجة عدة أسباب.
أولاً، الملف النووي مع إيران، والذي ما زالت مساراته متعثرة، والذي ستحدِّد بوصلته، بكل تأكيد، اتجاه البوصلة الخليجية، والبوصلة السعودية على وجه الخصوص.
فالرياض، حتى اللحظة، ما زالت تتحرّك في خطوات متثاقلة إزاء الحوار مع إيران، إلى أن تتّضح الصورة بشأن المسارات الدولية. وما لا شك فيه أن نجاح الاتفاق النووي مع إيران سيفرض معطياته على الخليجيين، الأمر الذي يدفع الرياض إلى محاولة تشكيل موقف موحَّد من أجل التعاطي مع هذا الأمر إذا ما صار الاتفاق النووي واقعاً. عموماً، السعودية قوية بتماسك محيطها، وضعيفة بتفكّكه، وهذا الأمر تدركه الرياض، وتحاول تداركه في مرحلة مفصلية، من شأنها أن ترسّخ توازنات جديدة على مستوى المنطقة، وخصوصاً في حال التصعيد المحتمَل مع طهران. وعلى الرغم من التقارب والتخفيف من لغة التصعيد، فإن ذلك لا يمكن التعويل عليه كثيراً في خضم التجاذب بين الجانبين في المياه الإقليمية أحياناً، وفي اليمن أحياناً أخرى.
وهنا تأتي الإجابة عن السؤال: لماذا بدأت الجولة بعُمان. راهناً، تُوْلي المملكة أهمية خاصة للسلطنة، كونها ما زالت بوابة موثوقاً بها للمحادثات مع إيران، ووسيطاً فاعلاً في التفاوض مع حركة "أنصار الله". من جانب آخر، هي محاولة لدفع الدبلوماسية العُمانية خطوات تحت المظلة السعودية عبر سياسة ربط المصالح الاقتصادية، إذا ما علمنا بأن عُمان تعاني ضغوطاً ومشاكل اقتصادية كبرى، منها انخفاض احتياطيات النفط وارتفاع الإنفاق العامّ. والأهمّ من نتائج الزيارة كان الإعلان بشأن "طريق الربع الخالي"، الذي لطالما كان منتظَراً كممرّ اقتصادي تجاري سياحي بين البلدين، إذ يمتدّ الطريق 161 كيلومتراً داخل السلطنة و564 كيلومتراً داخل المملكة، ناهيك بالتوقيع على خمس مذكِّرات تفاهم تجارية وإعلامية.
أمّا الهدف الثاني من الجولة، فهو ما تفرضه الولايات المتحدة الأميركية من تحديات، وخصوصاً بعد خروج دونالد ترامب من المشهد، والانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، والاتجاه نحو الشرق الآسيوي. وما لا شكّ فيه أن انسحاب واشنطن من أفغانستان أثار مخاوف حقيقية إزاء التزام أميركا أمنَ الخليج، وهذا ما برح مسؤولون سعوديون يصرّحون به، الأمر الذي يتطلّب من الخليجيين رؤية مشتركة تجاه هذا الأمر بالتوازي مع سياستهم تجاه جارتهم الشرقية، إيران.
وما لا يمكن القفز عليه، ملفُّ الحرب على اليمن، والذي ما زال يستنزف السعودية. وهو ملف يتشابك مع الملفات الأخرى، ويمثّل أولوية الأولويات.
في الختام، هل تنجح الجولة؟ هل ترفع سقف التوافقات في مقابل التباينات، وهل تتماشى مع السياسة الخارجية للسعودية مؤخَّراً، والرامية إلى إعادة التموضع الإقليمي من أجل مواجهة التحديات؟ تحديات تبدو نتيجةً لكل تركة السنوات العشر الأخيرة، وما رافقها من تصعيد في كل الجبهات، ويرى فيها البعض أنها أخلّت بالتوازنات، ووضعت الحضور والنفوذ السعوديين في خطر. سؤال أُولى الإجابات عنه قد تظهر نتائجها في القمة المرتقبة.