توقعات مسار أسعار النفط في العام 2022 وتأثيرها في التضخم
المتوسّط المتوقّع لحجم العرض اليومي للنفط هو حوالى 101 مليون برميل يومياً، بينما المتوسط المتوقع لحجم الطلب اليومي هو 99 مليون برميل يومياً في الفترة القادمة من العام 2022.
يعتبر قطاع النفط الشريان الحيوي الأساسي لتفعيل عوامل الإنتاج العالمي. لذلك، تؤثر أسعار النفط في معدلات التضخم في العالم بأسره، ما تترتّب عليه نتائج اقتصادية واجتماعية يتأثر بها كلّ سكان المعمورة.
في الأشهر الأخيرة من العام 2021، ارتفعت أسعار النفط عالمياً بعد أن شهدت الأسواق النفطية انتعاشاً كبيراً من حيث العرض والطلب، وذلك بفعل إعادة الفتح التدريجي لمعظم مؤسّسات الإنتاج في معظم الدول الصناعية بعد إقفال قسري دام مدة عام تقريباً، بفعل انتشار فيروس كورونا عالمياً، ما أضعف حينها حجم الطلب على النفط، الأمر الذي ساهم في انخفاض سعره.
ولكن بعد اكتشاف اللقاح الخاص بـ"كوفيد 19"، وعودة الحياة تدريجياً إلى طبيعتها، وبالتالي عودة المصانع والشركات إلى العمل، عاد الطلب على النفط إلى الارتفاع، ما رفع سعره، إذ وصل سعر برميل النفط الخام برنت إلى حوالى 77 دولاراً للبرميل الواحد، ومن المتوقع أن يرتفع تدريجياً إذا استمرَّ التعافي الصحي عالمياً، ووصلنا إلى مناعة القطيع التي تشترط أن تكون نسبة الملقحين عالمياً حوالى 70% من عدد السكّان.
العوامل المؤثرة في حجم الطلب على النفط
- الأحوال الجوية: إنَّ طبيعة الأحوال الجوية في فترة الشتاء تؤدي دوراً بارزاً في حجم الطلب على النفط، فإذا كان البرد هذا العام قارساً، وشهدنا مناخاً عالمياً شديد البرودة، سوف ترتفع كمية الطلب على النفط بشكل كبير من أجل التدفئة، ما سيساهم في ارتفاع سعر البرميل ليقارب مستوى 100 دولار للبرميل الواحد.
- مدى انتشار كورونا: إنَّ حجم الطلب على النفط سيتأثر حكماً، كما العام الفائت، بوضعية الإقفال أو افتتاح المصانع والمعامل والشركات، بفعل سرعة انتشار الفيروس ومتحوراته أو تراجعه.
لذلك، إنَّ سعر النفط ومساره مرتبطان بشكل كبير في الفترة القادمة بالقدرة على السيطرة على الوباء عالمياً، فإذا شهدنا فترة سيطرة وتعافٍ، سوف تعود الشركات إلى الإنتاج بصورة كبيرة، لتعويض ما فاتها من إنتاج في مختلف القطاعات، الأمر الذي سيساهم حتماً في ارتفاع أسعار براميل النفط.
- نقص كمّيات الغاز الطبيعي عالمياً: تشير العديد من الدراسات إلى أنَّ كميات الغاز الطبيعي بدأت تأخذ اتجاهاً انحدارياً، ما سيرفع حجم الطلب على النفط بفعل الحاجة إليه كبديل إنتاجي من الغاز، ولو بكميات أكبر، ما سيساهم حتماً في ارتفاع أسعار النفط عالمياً في المستقبل القريب.
- كمّية العرض اليومي لبراميل النفط: إنَّ الركيزة الأساسية لتحديد سعر برميل النفط مرتبطة بكمية العرض المتاحة وحجم الطلب اليومي عليها. لذلك، إذا بقيت كمّية العرض والإنتاج اليومي أعلى من حجم الطلب، فسوف يؤدي ذلك إلى ضبط ارتفاع أسعار النفط، علماً أنّ المتوسّط المتوقّع لحجم العرض اليومي للنفط هو حوالى 101 مليون برميل يومياً، بينما المتوسط المتوقع لحجم الطلب اليومي هو 99 مليون برميل يومياً في الفترة القادمة من العام 2022، ما يعني أن حجم العرض سيظلّ أعلى من حجم الطلب، ولكن الفجوة بين حجم الطلب والعرض بدأت بالانخفاض، علماً أن الفارق بين العرض والطلب في العام الماضي كان يقدر بحوالى 5.5 مليون برميل يومياً لمصلحة العرض.
أما المتوقّع قريباً، فهو أن يصبح الفارق 2 مليون برميل يومياً فحسب، ما يؤشر إلى احتمال ارتفاع أسعار النفط عالمياً. وعندما يُتخذ قرار سياسي ما يضغط باتجاه خفض الإنتاج في أيِّ دولة كبرى منتجة للنفط، فإنه سوف يرتفع السعر بشكل كبير وسريع جداً.
العلاقة المترابطة بين أسعار النفط ومعدلات التضخّم
إنَّ معدّل التضخّم العالمي في الفترة الأخيرة اتخذ منحنى تصاعدياً بشكل كبير جداً، بفعل المضاربات المختلفة على العديد من السّلع العالمية. يعود ذلك إلى الكتل النقدية الضخمة التي تم ضخّها في الأسواق لمعالجة تداعيات أزمة كورونا العالمية، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، التي طبعت مبالغ ضخمة من الدولار الأميركي، تُقدَّر بأكثر من تريليون دولار لمواجهة الأزمة، ما ساهم في ارتفاع معدلات التضخم فيها إلى مستوى 40%، وهي النسبة الأعلى منذ عشرات السنوات. ومن المتوقع أن ترتفع أكثر في ظلّ تراجع الإنتاج المحلي من السلع في الولايات المتحدة، والذي يؤثر أيضاً في مختلف الدول الصناعية المترابطة معها في شتى مجالات الإنتاج.
إنَّ العلاقة بين معدلات التضخّم وأسعار النفط هي علاقة مترابطة، إذ إنَّ ارتفاع الأسعار والتضخّم يساهمان في ارتفاع كلفة الإنتاج، وبالتالي يؤديان إلى ارتفاع أسعار النفط، والعكس صحيح، فعندما ترتفع أسعار النفط سيؤدي ذلك إلى ارتفاع كلفة الإنتاج، وبالتالي ارتفاع الأسعار، ما سيساهم في المزيد من ارتفاع معدلات التضخّم المالي، الأمر الذي ينذر بأنّنا سنواجه قريباً أزمة كبيرة مرتبطة بارتفاع معدّل الغلاء المعيشي، وهو ما سوف يؤثّر حتماً في الدرجة الأولى في الدول النامية والفقيرة التي ستستورد التضخّم من الدول الصناعية التي تستورد منها معظم حاجاتها الاستهلاكية.
لذلك، يجب الحذر بدءاً من الآن، والعمل بشكل جدي في هذه الدول على تطوير الإنتاجات المحلية، للتخفيف من حدة تأثير الأزمة فيها في المستقبل القريب.