تركيا وصعوبات الطريق إلى الصومال؟
المشاركة التركية في أفريقيا تمثل إمكانات كبيرة لتوسيع الفوائد الأمنية للتعاون بين تركيا والصومال، لكن المنافسة بين القوى العظمى على النفوذ في مقديشو، يمكن أن تشكل تحديات كبيرة لهذه الاتفاقيات.
تشكل منطقة القرن الأفريقي أهمية بالغة للمصالح التركية، بسبب موقعها الجغرافي ومواردها المعدنية. وشهدت المنطقة تنافساً متزايداً بين القوى الإقليمية، ومنها الإمارات العربية المتحدة وإيران، وبين الدول العظمى، الولايات المتحدة وروسيا والصين. ومنذ عام 2001، انتشرت القواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة، من أجل عمليات مكافحة الإرهاب والقرصنة.
بدأ وجود أنقرة في أفريقيا عام 1998. وبحلول عام 2008، أُعلنت تركيا شراكتها للاتحاد الأفريقي، وفتحت ما لا يقل عن اثنتي عشرة سفارة في جميع أنحاء القارة. وعندما قدمت تركيا مشروعها لتصبح عضواً غير دائم في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، في عام 2009، حظيت بدعم 51 دولة أفريقية من أصل 53 دولة. وفي عام 2013، أصبحت تركيا عضواً في مجموعة البنك الأفريقي للتنمية.
اولويات تركيا في الصومال هي الاقتصاد والغاز والنفط، تماماً كما هي في ليبيا. وهي تعمل على بناء الصناعات والقدرات الدفاعية للصومال، وتتمتع بحضور كبير في المنطقة بفضل المساعدات الإنسانية والتعاون العسكري. ووقعت، بدءاً من عام 2022، مع نحو ثلاثين دولة أفريقية، اتفاقيات تعاون أمني، تضمنت تسع عشرة اتفاقية، منها تدريب القوات.
على مدى العقدين الماضيين، طورت أنقرة علاقاتها بالمنطقة، عبر تأجير قاعدة سواكين في السودان، وشاركت في مهمة مكافحة القرصنة في القرن الأفريقي في عام 2017، في إطار المهمّات المشتركة مع الناتو، وباعت طائرات من دون طيار لإثيوبيا.
العلاقة العسكرية التركية بالصومال وعودة الشركات الأجنبية
تعهّد رئيس الوزراء التركي، رجب طيب إردوغان، عام 2011، للصومال، في أثناء المجاعة، تقديم المساعدات، الأمر الذي زاد شعبية تركيا لدى الشعب الصومالي. وتدرّجت المساعدة من الموضوع الأمني إلى الخدمات الإنسانية والمؤسسية وإدارة المرافئ والمطارات. وتقول تركيا إنها قدمت مساعدات مالية، بين عامي 2011 و2022، تفوق مليار دولار. وتحظى تركيا باهتمام كبير بسبب المساعدات التي تقدمها، ويستغل الأتراك الروابط الثقافية والدينية المشتركة لإضفاء الشرعية على عملياتهم.
بدأت العلاقة العسكرية ين تركيا والصومال في عام 2015. في عام 2017، أقامت تركيا أول قاعدة عسكرية أفريقية لها، في مقديشو، ودربت ما يصل إلى ستة عشر ألف جندي. ونفذت، إلى جانب الولايات المتحدة، ضربات بطائرات بدون طيار ضد حركة الشباب منذ عام 2022. وفي نيسان/أبريل 2023، باعت أنقرة طائرات بدون طيار لمقديشو كجزء من جهود مكافحة الإرهاب.
تؤدي تركيا أيضاً دوراً مهماً في التدريب والتسليح للواء الكوماندوس غورغور، وهو إحدى وحدتين نخبويتين رئيستين في الجيش الوطني الصومالي، والأخرى هي لواء داناب، الذي دربته الولايات المتحدة. وبالتعاون مع لواء داناب، أدّت قوات غورغور دوراً مهماً في مكافحة حركة الشباب، وخصوصاً في القتال المتجدد في عامي 2021 و2022.
تصل احتياطيات النفط والغاز الصومالية الى 30 مليار برميل، وهي غير مستغلة منذ الحرب الأهلية عام 1991. عام 2019، بعد فترة من الاستقرار، عادت شركتا النفط والغاز، إكسون موبايل وشل. وفي عام 2022 أبرمت أبرمت شركة كوستلاين إكسبلوريشن صفقة تنقيب.
وقعت أنقرة ومقديشو في شباط/فبراير 2024 مذكرة تفاهم تنص على أن القوات المسلحة التركية شريكة في الأمن البحري وإنفاذ القانون في الصومال، لمدة عشرة أعوام. ستعيد تركيا بناء البحرية الصومالية وتجهيزها وتدريبها، وتحصل في المقابل على 30% من عائدات المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال. وبعد وقت قصير من هذا الاتفاق مع تركيا، أعلنت شركة ليبرتي بتروليوم أنها حصلت على ثلاث مناطق بحرية للتنقيب.
بعد التوصل إلى اتفاق الدفاع والأمن البحري، جرى توقيع مذكرة تفاهم أخرى، تقوم على استخراج النفط في الصومال، وتم التوصل إليها في آذار/مارس، وأن تصبح تركيا شريكاً، وتتولى المبيعات والتوزيع. وفي أعقاب اتفاقيتين رئيستين بين تركيا والصومال، تم توقيعهما في وقت سابق من هذا العام، جرى توقيع اتفاقية شاملة في مجال الدفاع البحري في شباط/فبراير، وأخرى بشأن التعاون في مجال التدريب العسكري.
المشاركة التركية في المنطقة، تمثل إمكانات كبيرة لتوسيع الفوائد الأمنية والاقتصادية للتعاون بين تركيا والصومال، لكن المنافسة بين القوى العظمى على النفوذ في مقديشو، والتنافسات الإقليمية، والتحديات الأمنية، ووضع الحكومة الصومالية المنقسمة، يمكن ان تشكل تحديات كبيرة لهذه الاتفاقيات ولمساعي تركيا للحصول على دور أكبر في منطقة القرن الأفريقي.
الإمارات وأرض الصومال وإثيوبيا
تركيا ليست القوة الوحيدة، التي توقع اتفاقيات مع الصومال. لقد وقعت مقديشو مذكرة تفاهم مع واشنطن من اجل إقامة خمس قواعد عسكرية في شباط/فبراير وزيادة التدريب للواء داناب التابع لها. كما تؤدي قطر وبريطانيا دوراً في الصومال. لكن المنافس الأساسي لتركيا في الصومال هو الإمارات، التي وقعت جملة من مشاريع البنية التحتية والاتفاقيات الأمنية في جميع أنحاء المنطقة الأفريقية وبناء الموانئ، بما في ذلك في أرض الصومال، أي الجمهورية غير المعترف بها في شمالي الصومال، والتي أعلنت استقلالها في عام 1991. وكذلك في أريتريا وجيبوتي. وسلحت قوات الدعم السريع السودانية، وسلحت الحكومة الإثيوبية خلال النزاعات في تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
أدى استمرار دعم الإمارات أرض الصومال، وإعلان إثيوبيا الاعتراف بأرض الصومال، واستئجار قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، إلى تعقيد العلاقة بين الإمارات والصومال. وكانت الإمارات خفضت دعمها للقوات الصومالية في أعقاب الاتفاقين الرئيسين بين تركيا والصومال، وقلصت المساعدة المالية بشأن مكافحة الإرهاب، الأمر الذي يزيد في العبء على تركيا. تحاول الإمارات العربية المتحدة منافسة الصين في جيبوتي، وخصوصاً الآن بعد أن أممت حكومة جيبوتي ميناء دوراليه للمياه العميقة، والذي كانت تملكه سابقاً شركة إماراتية.
كما أن دعمها قوات الدعم السريع في السودان أدى الى انتكاسات. لذلك، من المرجح أن تضاعف استثماراتها في بونتلاند وأرض الصومال وإثيوبيا، الأمر الذي يثير أزمة بينها وبين مصر التي تشتكي من إمساك إثيوبيا بالثروة المائية وتتحكم في السودان ومصر، وهي مدعومة من الإمارات. كما تعترض مصر على محاولة إثيوبيا استئجار قاعدة لها على البحر الأحمر، وأعلنت أنها ضد انفصال أرض الصومال عن الدولة الأم.
تركيا بين دور الوسيط ومواجهة الصعوبات
تَعُدّ الصومال مذكرة التفاهم بين أرض الصومال وإثيوبيا اعتداءً على وحدتها. أما رد الفعل الإقليمي العنيف على مذكرة التفاهم فقد يدفع إثيوبيا والصومال جزئياً إلى حلها، ولا يزال من غير المعروف ما إذا كان إنفاذ تركيا للأمن البحري الصومالي سيمتد إلى مياه أرض الصومال، التي تعترف بها أنقرة كجزء من الصومال. وستكون هذه القضية مهمة بصورة خاصة إذا مضت إثيوبيا قُدُماً في خططها.
وعلى الرغم من العلاقات التركية الإثيوبية القوية، فإن تركيا قامت بدعم التدريبات البحرية بين القاهرة والصومال. قامت تركيا بمبادرتين، وجمعت الصومال وإثيوبيا. ولم تتوصل إلى نتائج، لكنها تعمل على لقاء ثالث في إسطنبول. ومن غير الواضح كيف ستتفاعل البحرية التركية مع قوة شرطة بونتلاند الصومالية شبه المستقلة، والتي لا تدعي الاستقلال التام، وهي كانت سحبت اعترافها بالحكومة الفيدرالية الصومالية في آذار/مارس 2024.
كيف ستفي تركيا والصومال بالاتفاقيات الرئيسة. تواجه تركيا مشهداً سياسياً صومالياً معقداً ومليئاً بالتحديات، وتتجاهل إلى حد كبير السياسة الداخلية المعقدة والفساد المستشري. وبينما يدرس المسؤولون والمشرعون الأتراك التصديق على الاتفاق وتنفيذه، فإنهم ينظرون أيضاً إلى التحديات التي تنتظرهم. فالتأثيرات الخارجية، والمنافسة بين القوى العظمى، والسياسة الداخلية المضطربة، والصراع المستمر في الصومال، سوف تجعل من الصعب للغاية الوفاء بالوعود الهائلة التي قطعتها تركيا.