تحالف كيم وبوتين ومخاوف الشرق والغرب
كوريا الجنوبية تشارك الغرب خشيتهم من التقارب الروسي الكوري الشمالي نظراً للعداء بين الكوريتين، وقلق كوريا الجنوبية من تجارب الصواريخ التي تجريها كوريا الشمالية والتي تعدّها تهديداً لها.
حظيت الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية مؤخّراً باهتمام العالم أجمع، نظراً لأهميتها على الساحة الدولية، واحتمالية تغيير الأحداث في أوكرانيا وفي شبه الجزيرة الكورية.
بعد 24 عاماً من زيارته الأولى إلى بيونغ يانغ، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كوريا الشمالية، وعقد قمة مع الزعيم كيم جونغ أون أسفرت عن توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة تتضمّن تقديم المساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أيّ منهما. ولم يستبعد الرئيس الروسي تطوير التعاون العسكري الفني مع كوريا الشمالية وفقاً للاتفاقية.
أتت زيارة الرئيس الروسي إلى بيونغ يانغ في وقت تسارعت فيه الأحداث على جبهتي أوكرانيا وشبه الجزيرة الكورية.
فعلى صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، أقرّت مجموعة السبع في اجتماعها الذي عقدته الأسبوع الماضي في إيطاليا، قرضاً بقيمة 50 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا عبر استخدام الأصول الروسية المجمّدة. وأتت الزيارة أيضاً بعد أيام من انعقاد مؤتمر السلام حول أوكرانيا في سويسرا، والذي أثبت فشله في ظلّ غياب روسيا والصين وامتناع عدة دول عن التوقيع على إعلان البيان الختامي، حتى أنّ المجتمعين أقرّوا بأن السلام لا يمكن تحقيقه من دون مشاركة الأطراف كافة، وفي ذلك تصريح واضح منهم بأن غياب روسيا سيُفشل أي مباحثات حول أوكرانيا.
كما كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الانتشار النووي، بما في ذلك تصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ بأن دول الحلف تبحث وضع المزيد من الرؤوس النووية في حال الجاهزية القتالية لمواجهة ما وصفه بـ "التهديد المتزايد" من قبل روسيا والصين.
أما على جبهة كوريا الشمالية التي لها علاقات متوترة مع جارتها كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة، ولا سيما سيؤول، إذ شهدت الفترة الأخيرة أعمالاً استفزازية من قبل الطرفين، ووصل الأمر إلى حد تخطّي جنود كوريا الشمالية الحدود بين الكوريتين ما دفع بجيش كوريا الجنوبية إلى إطلاق طلقات تحذيرية أجبرت جيوش كوريا الشمالية على التراجع.
مما لا شك فيه أن الضغوط التي تواجهها موسكو من واشنطن وحلفائها وحلف الناتو هي التي دفعت بوتين إلى التوجّه نحو كوريا الشمالية حيث يشترك البلدان في العداء للغرب. كوريا الشمالية لديها ما تحتاجه موسكو من أسلحة في حربها ضد أوكرانيا بعد رفض الصين الدخول في تحالفات عسكرية مع روسيا، نظراً لعلاقة بكين الاقتصادية والتجارية الكبيرة مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا.
أثارت زيارة بوتين لكوريا الشمالية قلق الغرب الذي كان يتوقّع أن تنتج عن هذه الزيارة مساعدات إضافية عسكرية لروسيا. ويرى الغرب أن مساعدات كوريا الشمالية العسكرية تساهم في إبقاء الجيش الروسي قادراً على المواجهة والصمود، وهو ما صرّح به وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الشهر الماضي، إذ اعتبر أن توفير الذخائر والصواريخ لكوريا الشمالية سمح للقوات الروسية بالوقوف على أقدامها مرة أخرى. وأشارت تقارير إلى حصول روسيا على آلاف الحاويات من الذخيرة والأسلحة وعشرات الصواريخ الباليستية.
أما كوريا الجنوبية فتشارك الغرب خشيتهم من التقارب الروسي الكوري الشمالي نظراً للعداء بين الكوريتين، وقلق كوريا الجنوبية من تجارب الصواريخ التي تجريها كوريا الشمالية والتي تعدّها تهديداً لها، وترى سيول أن التحالف بين بيونغ يانغ وموسكو من شأنه إضعاف أسس السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.
بالمقابل ساعدت روسيا كوريا الشمالية في إطلاق قمر اصطناعي تجسسي نجح في الوصول إلى مداره بعد عدة محاولات فاشلة سابقة لكوريا الشمالية في إطلاق الصواريخ. ومن المحتمل أن تدعم روسيا كوريا الشمالية بالتكنولوجيا لتعزيز ترسانتها العسكرية، وبغوّاصات تعمل بالطاقة النووية، ومساعدتها في إطلاق المزيد من الأقمار الاصطناعية، فضلاً عن المساعدات الغذائية والطاقة وبناء مفعلات نووية، واستقدام روسيا لعمالة مهاجرين من كوريا الشمالية، وغيرها من المساعدات التي تخفّف من أثر العقوبات المفروضة على بيونغ يانغ منذ العام 2006 بسبب تجاربها النووية وإطلاقها الصواريخ الباليستية.
بكين قلقة
على الرغم من التقارب بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية لمواجهة التهديدات الغربية، إلا أن بكين لديها قلق من التقارب الروسي الكوري الشمالي، خاصة احتمالية تطوير الأسلحة النووية، إذ ترى في ذلك تحدياً للجهود المبذولة في جعل شبه الجزيرة الكورية خالية من الأسلحة النووية، وبالتالي من شأن دعم موسكو بيونغ يانغ لتطوير صواريخ نووية أن يدفع واشنطن إلى إمداد كوريا الجنوبية بالأسلحة النووية فتدخل الجزيرة في سباق تسلّح أو تنزلق إلى حرب نووية. لذلك تعمل الصين مع روسيا لتجنّب الوصول إلى سباق تسلّح نووي في الجزيرة.
ومن ناحية أخرى، وفي ظلّ تصاعد التوترات بين الصين وجيرانها، أخذت بكين تعمل على عقد المباحثات بهدف التخفيف من حدة التوترات في المنطقة. فعُقد لقاء القمة بين قادة الصين وكوريا الجنوبية واليابان الشهر الماضي أكدت فيه الدول الثلاث التزامها بنزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية. كما عقدت بكين وسيؤول مؤخّراً محادثات بين كبار مسؤولي الدفاع والخارجية من كلا البلدين.
ماذا لو عاد ترامب؟
لم يبذل الرئيس الأميركي جو بايدن جهوداً للقاء زعيم كوريا الشمالية على الرغم من تصريحات البيت الأبيض العام الماضي بأن الرئيس بايدن مستعدّ للقاء كيم جونغ أون من دون شروط مسبّقة. غير أن واشنطن لم تتخذ خطوات عملية وجدية لعقد اللقاء بين الزعيمين على عكس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي التقى زعيم كوريا الشمالية مرات عديدة عامي 2018 و2019 لبحث مسألة نزع السلاح النووي، وأبدت كوريا الشمالية انفتاحاً على المباحثات ولكنها أرادت بالمقابل تخفيف جزء من العقوبات الرئيسية المفروضة عليها وهو ما رفضته واشنطن.
من المحتمل في حال عودة ترامب إلى الرئاسة مجدداً أن يستكمل المفاوضات التي بدأها مع زعيم كوريا الشمالية، خاصة بعد الاتفاق الأخير على الدفاع المشترك بين موسكو وبيونغ يانغ، كما أن ترامب يتمتع بعلاقة طيبة نسبياً مع الرئيس الروسي وهو يؤيد إنهاء الحرب من خلال الضغط على أوكرانيا للتخلي عن بعض الأراضي لروسيا، ناهيك عن علاقاته المتوترة مع الاتحاد الأوروبي.
وراء ابتسامة الزعيم الكوري الشمالي، المعروف عنه بأنه نادراً ما يبتسم، خلال استقباله الرئيس الروسي تحالف عسكري قد يغيّر معالم العالم فيما لو استمرّت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الضغط على روسيا وبيونغ يانغ، ومع ذلك تبقى الأوضاع قابلة للتغيّر في حال عودة الرئيس ترامب إلى الرئاسة فلكلّ وقت زمان.