انتخاب هنيّة بين تعزيز التحالفات ومواجهة التحدّيات

نتائج الانتخابات الداخلية لحركة "حماس" لها دلالات عدّة تترافق مع تحدّيات جمّة أمام إسماعيل هنية بعضها خارجيّ وبعضها الآخر داخليّ.

  • 4 سنوات قادمة ترسم معالم مرحلة جديدة تُفرض على قيادة حركة
    4 سنوات قادمة ترسم معالم مرحلة جديدة تُفرض على قيادة حركة "حماس" بقيادة إسماعيل هنية.

أنهت حركة "حماس" المرحلة الأخيرة والنّهائيّة من انتخاباتها الداخلية بإعادة انتخاب السيد إسماعيل هنية رئيساً لمكتبها السياسيّ العام لدورة ثانية لمدة 4 سنوات، كما انتخبت صالح العاروري نائباً له، إلى جانب انتخابه سابقاً لقيادة إقليم الضفة الغربية المحتلّة، وذلك بعد أن تم الانتهاء من انتخاب السيد يحيى السنوار رئيساً لإقليم قطاع غزة، فيما انتخب السيد خالد مشعل رئيساً لإقليم الخارج.

ينصّ النّظام الداخلي الانتخابي لـ"حماس" على قيام رئيس مجلس الشورى العام المنتخب في هذه الدورة 2021-2025 بدعوة مجلس الشورى العام الذي يضمّ الأقاليم الثلاثة لانتخاب رئيس المكتب السياسي العام للحركة. وبانتخاب السيد إسماعيل هنية، والعاروري نائباً للرئيس، تُتمّ "حماس" انتخاباتها الداخلية للدورة الحالية التي بدأت في 18 شباط/فبراير الماضي، إذ تجري هذه الانتخابات كلّ 4 سنوات في ظروف مُحاطة بالسرية والكتمان التامّين.

نتائج الانتخابات الداخلية لحركة "حماس"، والتي أفرزتها صناديق الاقتراع، لها دلالات عدّة، سواء على صعيد دورية النهج الديمقراطي، الشورى، الّذي تحرص حركة "حماس" على استمراريته، رغم تعقيدات الواقع ووجود الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة وحالة اللااستقرار، سواء في قطاع غزة أو في إقليم الخارج، "خارج فلسطين"، وكيفية التنسيق للاجتماع بالتزامن في آن واحد، أو حتى على صعيد طبيعة القيادة التي أفرزتها هذه الانتخابات وأثر ذلك في علاقاتها بدول المنطقة عربياً وإسلامياً ودولياً.

الانتخابات ظاهرة صحيّة تعمل عليها حركة "حماس" بشكل مستمر ودوري. ويحسب لها إصرارها على إجراء الاستحقاق الانتخابي الداخلي مهما كانت الظروف. وسبق أن تقاربت مواعيد انتخاباتها الداخلية في آذار/مارس الماضي مع صدور مرسوم رئاسي فلسطيني حدّد موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية، إلا أنّ قرار قيادة "حماس" جاء بالمضي في الاستحقاق وعدم التأجيل، والاستمرار في إنجاز الاستحقاق الانتخابي وفق ما هو مخطط له، ما يعكس حرصها على تعزيز الخيار الديمقراطي داخل مؤسساتها وتداول القيادة والتزامها بالأنظمة واللوائح والقوانين، كما أنه يعزز وحدة صفها القيادي.

على صعيد الخارطة القيادية الجديدة لحركة "حماس" في هذه الانتخابات، فهي لم تختلف كثيراً عن سابقتها، إذا حافظ كلّ من السيد إسماعيل هنية وصالح العاروري ويحيى السنوار على المناصب القيادية السابقة نفسها، مع اختلاف واضح في نتائج انتخابات إقليم الخارج، تمثل بعودة السيد خالد مشعل إلى المشهد من جديد، وهو الأمر الّذي يُقرأ بأن التوجّه الّذي سلكته قيادة "حماس" منذ العام 2017م، وتقلّد السيّد إسماعيل هنية منصب رئيس مكتبها السياسي العام، يتعزّز اليوم أكثر فأكثر، ويضع معالم المرحلة القادمة أمام تحديات حول مدى نجاح الحركة في تعزيز تحالفاتها وتحديد أولوياتها من جهة، ومواجهة التحديات من جهة أخرى.

4 سنوات قادمة ترسم معالم مرحلة جديدة تُفرض على قيادة حركة "حماس" بقيادة إسماعيل هنية. وبعد أن نجحت في الدورة السابقة في مواجهة كثير من التحديات، استطاعت ترتيب علاقاتها مع دول عديدة في المنطقة، أبرزها جمهورية مصر العربية، وتطوير علاقاتها مع دول محور المقاومة، سجّلت فيها زيارة رسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، شكلت منعطفاً تاريخياً في تعزيز العلاقة مع طهران، وكذلك زيارة بيروت ولقاء الأمين العام لـ"حزب الله" سماحة السيد حسن نصر الله مرتين خلال الدورة الماضية.

نجاح السيد إسماعيل هنية خلال الدورة السابقة في ترتيب علاقات "حماس" مع أطراف مختلفة، يفرض عليه اليوم، وهو يقود حركة "حماس" لـ4 سنوات قادمة، استكمال ما بدأه خلال الدورة السابقة، وتحديداً في تطوير العلاقة مع إيران ومحور المقاومة في المنطقة، فحركة "حماس" اليوم، وبعد معركة "سيف القدس" الأخيرة، تعزّزت مكانتها كقوّة ذات وزن سياسي وعسكري في محور المقاومة، يفرض عليها المحافظة على علاقاتها مع كلّ الدول العربية والإسلامية الأخرى وتطويرها، إذ يتمتّع السيد إسماعيل هنية بشخصية توافقية وقبول فلسطينيّ عربيّ وإسلاميّ، وحتى دوليّ، وهو القادر في هذه المرحلة على دمج علاقات حركة "حماس" الخارجية بين كلّ المحاور، سواء دول محور المقاومة وحركاتها أو حتى العلاقات المتشابكة مع مصر وقطر وتركيا وغيرها من الدول العربية والإسلامية. 

وفق معلومات خاصّة لدينا، إنَّ رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية سيفتتح دورته الثانية بزيارة للعاصمة الإيرانية طهران الأربعاء القادم، سيحضر خلالها مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي. ثمة مؤشر واضح لدلالات هذه الزيارة من حيث الهدف والتوقيت، هو أنَّ حركة "حماس" اليوم تقوم بدور الواجب في حضور بروتوكول مراسم التنصيب وتقديم التهنئة، بزيارة عملية من زعيم "حماس" المنتخب من جهة، كما أنها رسالة إلى رئيس إيران الجديد بأنَّ قيادة "حماس" تدرك أهميّة تعزيز التحالفات الاستراتيجية مع إيران كدولة قوية في المنطقة ومحور المقاومة من جهة أخرى.

ثمة تحدّيات جمّة أمام السيد إسماعيل هنية، بعضها خارجيّ وبعضها الآخر داخليّ؛ فالخارجية منها، ضمن ترتيب الأوراق والعلاقات مع الأطراف، ما زالت هناك عقدة أمامها داخل محور المقاومة، تتمثّل باستكمال عودة العلاقة مع دمشق، بعد أن قطعت نصف الطريق بجهود واتصالات ولقاءات بذلتها طهران و"حزب الله" طيلة السنوات الماضية، بهدف إعادة ترتيب العلاقة بين دمشق و"حماس"، لكنها لغاية الآن لم تنضج بصورتها النهائية، وستتكلّل بطيّ صفحة الماضي إلى الأبد.

إنَّ التحوّلات والمعادلات التي فرضتها معركة "سيف القدس" الأخيرة مع "دولة" الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب الجهود المستمرة من الحلفاء، قد تساعد في درجة كبيرة على إذابة ما تبقى من نصف الطريق الآخر في أن تشهد الدورة الثانية لقيادة إسماعيل هنية عودة العلاقات بشكل كامل مع دمشق؛ ففي تصويب العلاقة قوة لـ"حماس" وسوريا وكل محور المقاومة.

أما داخلياً، وعلى الصعيد الفلسطيني والعلاقة مع "دولة" الاحتلال الإسرائيلي، فثمة تحديات ليست سهلة، أبرزها المراكمة على انتصار المقاومة في معركة "سيف القدس"، والعمل على تحرير الأرض الفلسطينية، وقضية القدس والمسجد الأقصى وقضية اللاجئين، وتحرير الأسرى من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكسر الحصار عن قطاع غزة، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني، وإنهاء الانقسام، والعمل على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتجسيد الحلم الفلسطيني حتى التحرير والعودة.

بين إعادة انتخاب إسماعيل هنية رئيساً لحركة "حماس" لدورة ثانية، وزيارته المرتقبة لطهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس إبراهيم رئيسي وتهنئته بانتخابه رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران، ثمة رابط مهم يتمثّل بتأكيد تكامل المحور وقيادته الراسخة في تقوية أواصر العلاقة وتعزيز الدعم والعمل المشترك في مواجهة المشروع الصهيوني. وعنوان هذا الرابط أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولاً جذرياً قادماً في عهدهما، سيتعزّز لصالح توسع دور المقاومة في فلسطين، ومعها محور المقاومة في المنطقة، في البناء والمراكمة والتجهّز لمرحلة الحسم النهائي مع الاحتلال الإسرائيلي واجتثاث مشروعه السرطاني المتغلغل في المنطقة.