اليمن: الصّراع على النفط

قيمة المواد النفطية التي نهبتها دول التحالف السعودي و"حكومة الفنادق" تجاوزت 20 مليار دولار خلال السنوات الماضية، تستخدم جزءاً منها في تمويل الحرب العدوانية.

  • كان إنتاج اليمن قبل العدوان الأميركي السعودي 127 ألف برميل يومياً
    كان إنتاج اليمن قبل العدوان الأميركي السعودي 127 ألف برميل يومياً

من يتأمَّل خريطة انتشار القوات الأميركية والبريطانية والسعودية والإماراتية في مأرب وشبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى والساحل الغربي، يدرك أنَّ من بين الأهداف الجيوسياسية الأساسية لرباعية العدوان هو الهيمنة على ثروة النفط والغاز اليمنية، علماً أنَّ بعض هذه المحافظات بعيد تاريخياً عن الصّراع.

احتياطي هائل في بلد مسلوب

يُجمع الاقتصاديون والشركات المتعددة الأميركية والأوروبية والروسية التي دخلت اليمن على أنَّ ثمة مخزوناً هائلاً من الثروة النفطية في اليمن، يقدّر وفق مصادر رسمية بـ11.950 مليار برميل، المعروف منها والمثبت بحدود 3 مليار برميل نفط في حوض شبوة مأرب وحوض سيئون - المسيلة، والتي تمثّل الأحواض المنتجة في اليمن، وتضع البلد في الترتيب الـ29 في تصنيف احتياطيات النفط، بمعنى أنَّه لم يستخرج منها حتى الآن سوى 20%، فيما لا يزال أكثر من 80% من الأحواض الرسوبية والمناطق الواعدة والمؤهلة لتكوين نظام بترولي غير مكتشف، وتحديداً في حوض جزع - قمر وحوض الربع الخالي بين المهرة وحضرموت ومأرب والجوف، والتي يصفها خبراء النفط والجيولوجيا بـ"سيبيريا اليمن"، ناهيك بالأحواض المغمورة، مثل حوض سقطرى وحوض البحر الأحمر (تهامة).

وتشير مصادر غير رسميّة إلى أنَّ محافظة الجوف وحدها في الجزء الشمالي الشرقي لليمن على الحدود مع السعودية تعوم على بحيرة من النفط، وبمخزون هائل. وبغضِّ النظر عن صواب هذه المعلومة غير المثبتة حتى الآن، إلا أنَّ الواضح أنَّ للسعودية أطماعها ومخاوفها القديمة والمتجددة من استغلال اليمن لثرواته النفطية والغازية وغيرها من الثروة الطبيعية، إلى جانب أنَّ النخبة السياسية الحاكمة لليمن كانت مرتهنة طيلة العقود الماضية للسعودية وغير رشيدة، وأدخلت البلد في دوامة حروب بين الشمال والجنوب، وبين الجنوبيين تارة والشماليين تارة أخرى، وحرمته من استغلال ثرواته وموقعه الاستراتيجي، إلى جانب عوامل إقليمية ودولية أخرى، أبرزها التدخل السلبي للنظام السعودي واعتماده استراتيجية "عدم الاستقرار في اليمن"، عملاً بوصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود لأبنائه وأحفاده، بأنَّ "عزّ اليمن في ذلّ السعودية، وذل اليمن في عز السعودية"، لإدراك العقل السعودي أنَّ الاستقرار السياسي في اليمن يؤسّس لاستقرار اقتصادي، ويمنحه أفضليّة منافسة، إن لم تكن متفوقة، على الدور السعودي في المنطقة، لأن اليمن ليس فقيراً، وهو يملك مقومات الدولة القوية من ناحية الموقع والسكان والثروة.

من ينهب ثروة اليمن؟ 

إنّ الاحتياطي النفطيّ والغازي الهائل لليمن واحد من أسباب الصراع الدولي والإقليمي فيه، لأنَّ الموارد النفطية، بحسب خبراء الاقتصاد، هي أساس الثراء. كما أنَّ اليمن يملك موانئ استراتيجية مهمة مطلة على أهم الممرات الدولية والمياه العميقة المتصلة بالمحيط الهندي، ونقصد بذلك موانئ الحديدة وعدن والمكلا ونشطون. ولو استُغلت هذه الموانئ بشكل صحيح، لشكَّلت رافداً من أهم روافد الدخل القومي اليمني لو أتيح له المجال.

السّؤال الَّذي يطرح نفسه بقوّة في الظرف الراهن، وفي ظلّ العدوان والحصار: أين تذهب ثروة اليمن؟ وما مصيرها؟ ولحسابات من تذهب كل تلك الثروة؟ علماً أنَّ اليمن يمتلك 105 حقول في مناطق الامتياز، بينها 13 حقلاً تخضع لأعمال استكشافية، و12 حقلاً منتجاً، و81 حقلاً بمثابة قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب، فيما يبلغ عدد الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والإنتاج 18 شركة أجنبية بين أميركية وفرنسية وكورية...

وكان إنتاج اليمن قبل العدوان الأميركي السعودي 127 ألف برميل يومياً، تمثّل 70% من موارد الموازنة العامّة، ونسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي، وفق مصادر رسمية في حكومة الإنقاذ الوطني في العاصمة صنعاء.

دول العدوان التي تستحوذ حالياً على المناطق النفطية في البلاد، وتحديداً في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن، عمدت منذ البداية إلى تعطيل أنبوب تصدير النفط الممتد من صافر في مأرب - إلى ميناء رأس عيسى في الحديدة، لحرمان المناطق الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى من حقوقها، كما عمدت إلى قطع مرتبات أكثر من مليوني موظف في القطاع الرسمي كوسيلة وأداة من أدوات الحرب، إلى جانب نقل وظائف البنك المركزي من صنعاء إلى عدن، وفرض الحصار على ميناء الحديدة ومطار صنعاء ورفع الدولار الجمركي، بمعنى أنَّها جردت صنعاء من معظم إيرادات البلاد، أي أكثر من 80% من إيرادات الموازنة العام.

وفي هذا السياق، تؤكّد مصادر مطلعة في وزارة النفط والمعادن التابعة لحكومة الإنقاذ في صنعاء أنَّ قيمة الكميات النفطية التي نهبتها دول التحالف السعودي وحكومة الفنادق تجاوزت 20 مليار دولار خلال السنوات الماضية، تستخدم جزءاً منها في تمويل الحرب العدوانية، فيما يذهب النصيب الأوفر إلى حسابات حيتان النفط والبنك الأهلي السعودي.

وتشير المصادر إلى أنَّ بعض الشركات، مثل شركة "كلفالي" القبرصية وشركة "أو إن بي" النمساوية المرتبطتين بـ"أدنك" الإماراتية و"أرامكو" السعودية، تتعاون مع تجار يمنيين متورطين بشكل مباشر في عملية تهريب النفط عبر ميناء النشيمة في شبوة، وبمعدل 3 مليون برميل نفط شهرياً، إلى جانب كميات كبيرة جداً تهرّب عبر ميناء رضوم وميناء الشحر، وكلها يتم عبرها تهريب النفط، وما يتم اكتشافه أقل بكثير مما لا يتم الإفصاح عنه.

ومع ذلك، تندفع حكومة المرتزقة إلى التفاوض مع أطراف دولية للحصول على قرض بقيمة 2.5 مليار دولار، مقابل ذهاب عائدات النفط الخام لسداد القرض من المواطنين وطرح بعض القطاعات النفطية للاستثمار أمام الشركات الأجنبية، رغم أنَّ جميع القروض والهبات والمنح التي استلمتها حكومة المرتزقة تسير لحسابات شخصية، ولا يستفيد منها المواطنون في مناطق سيطرتهم على الأقل - الذين يشهدون ظروفاً معيشية صعبة - في ظل غياب الخدمات وانقطاع المرتبات، ما يعني أنَّ هذه الحكومة التي تدَّعي الشرعية مجرد عصابة أجيرة تحركها دول العدوان الإقليمية والدولية في خدمة أجندتها وأطماعها في اليمن.

في المقابل، ترى صنعاء أنَّ استعادة منابع الثروة وتحريرها حقّ سياديّ للشعب لا يمكن التنازل عنه. وقد طرحت مؤخراً في "مبادرة مأرب" ضرورة إعادة تشغيل أنبوب صافر – رأس عيسى، وضخّ النفط وتصديره، وتشغيل غازية مأرب، وتوزيع الحصص النفطية والغازية بالتساوي على جميع المحافظات، مع إعطاء أبناء مأرب أفضلية في الوظائف والثروة. 

ويبدو أنّ الطرف الآخر في المقابل لم ولن يستجيب لهذه المبادرة، ما يعني مضي قوات صنعاء في خيار التحرير؛ تحرير مأرب وكل المحافظات النفطية، وذلك ما يقلق واشنطن وباريس الحريصتين على بقاء الخريطة الجيوسياسية التي رسمتها الحرب، بإبعاد صنعاء عن مأرب والمحافظات الجنوبية، حيث النفط والغاز، وحيث تتواجد شركتا "هنت أويل" الأميركية و"توتال" الفرنسية.