اليمن يستحق السلام
وصول وفد سلطنة عمان إلى صنعاء، ورئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبد السلام، تحدث ربما للمرة الأولى عن " اتفاق سلام" و"جبر الضرر"، من أجل "الوصول إلى اتفاق سلام يُنهي العدوان والحصار".
وصل إلى العاصمة صنعاء اليوم السبت، 8 نيسان/أبريل، وفد السلطنة العمانية رفقةَ الوفد الوطني برئاسة محمد عبد السلام، وسط أنباء غير رسمية، مفادها أن وفداً سعودياً وصل بالتزامن برئاسة السفير السعودي محمد آل جابر، لاستكمال المباحثات التي جرى التداول بشأنها نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري.
قبل هذه الزيارة تعمَّدت وسائل إعلام العدوان فرش الأرض بالورود والأحلام الوردية، وتصوير الأمور على أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من إعلان "اتفاق السلام"، أو في أقل الأحوال "تمديد الهدنة بالتوافق بين صنعاء والرياض"، مع الحرص على تقديم السعودية راعيةً للسلام لا للحرب، لكن المعطيات الملموسة، وخصوصاً ما يتعلق منها بتأجيل صفقة تبادل الأسرى ثلاثة أيام، تضع نيّات دول العدوان على المحك، وتشكك في عدم جديته في السلام، وأنه لا تزال تناور وتلعب بالوقت.
يوم الخميس الفائت، نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، مقالاً بعنوان: "مرحلة سلام انتقالية يمنية بانتظار اللمسات الأخيرة"، تحدثت فيه عن خطة من ثلاث مراحل تتم مناقشتها، وادّعت أن المرحلة الأولى تتراوح بين ثلاثة أشهر وعامين. واسترسلت الصحيفة في أن "الخطة المزعومة" تقضي، في مرحلتها الأولى، بـ"إعلان وقف إطلاق النار، وتشكيل لجان فنية لدمج البنك المركزي، وتبادل الأسرى، وبناء الثقة بين الأطراف، ثم مرحلة التفاوض المباشر لتأسيس كيف يرى اليمنيون شكل الدولة، تليها مرحلة انتقالية". واستطردت "الشرق الأوسط"، نقلاً عن مصدر لم تسمِّه، أن "الخطة تشمل أيضاً فتح المنافذ جميعها ورفع القيود على المنافذ البرية والبحرية والجوية، فتعود إلى العمل بصورة طبيعية، في عموم اليمن، إلى جانب عملية إصلاح اقتصادية شاملة بدعم سعودي".
في موازاة ذلك، ادّعت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أنّ صنعاء والرياض توافقتا على "تمديد الهدنة حتى نهاية العام الحالي".
في مقابل سيل الأنباء عبر وسائل الإعلام السعودية والعربية والدولية، بشأن "تمديد الهدنة، واتفاق السلام"، لم تُبدِ صنعاء أي موقف تجاه ذلك، لا عبر النفي ولا عبر الإثبات، غير أن مصادر دبلوماسية مطلعة على سير المباحثات أكدت أن "لا تقدم حقيقي في المباحثات الجارية، وأن الأمور مرهونة بسلوك الطرف الآخر عملياً، وليس بالتصريحات".
في مقابل ذلك، أشار رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، في تغريدة عبر "تويتر"، مساء الجمعة، إلى أن هناك مفاوضات، من دون ذكر أطرافها؟ وقال إن الوفد الوطني "يواصل الجهود عبر المفاوضات لإنهاء العدوان ورفع الحصار". وعبّر عن أمله أن يتحقق ذلك وأن يُجبَر الضرر، و"تُكلَّل الجهود باتفاق سلام يلبي مطالب شعبنا اليمني العزيز، من صعدة إلى المهرة".
تصريح عبد السلام يَشي برسالتين مهمتين: أُولاهما أن المباحثات والنقاشات مستمرة، ولم تتوقف مع دول العدوان، وعلى رأسها السعودية، بوساطة عمانية، وأكدت الزيارة الحالية ذلك.
النقطة الثانية، وهي الأهم، ومفادها أن رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، تحدث ربما للمرة الأولى عن " اتفاق سلام" و"جبر الضرر"، وإن كان الأمر في إطار التمني والأمل، من أجل "الوصول إلى اتفاق سلام يُنهي العدوان والحصار". ويُلمَس من التصريح أنه يتسم بالحذر الشديد، استناداً إلى تجربة مريرة للوفد الوطني مع الطرف الآخر، على مدى ثمانية أعوام، ذلك بأن قوى العدوان أثبتت، بالدليل الحسي، أنها لا تفي بالتزاماتها، كما جرى في اتفاق السويد، أو تكتفي بالالتزام المنقوص غير الكامل، كما حدث بشأن اتفاق الهدنة الذي مر عليه عام كامل من دون التزام كامل بشأن مضامينه، سواءٌ فيما يخص الرحلات الجوية، أو حركة السفن وفتح الطرق بين المحافظات.
يُتوقع أن كل هذه الأمور طُرحت على طاولة النقاش خلال الفترة الماضية، وطُرحت معها التخوفات من عدم وفاء دول العدوان بالتزاماتها، وإن كانت اللحظة الدولية، وحتى الإقليمية، توفّر المناخ الملائم بأن تنيخ السعودية ناقة غرورها وتتحمل مسؤوليتها بشأن العدوان والحصار، وما ترتب على ذلك من تبعات على مدى ثمانية أعوام، كطرف أساسي وليس كوسيط، كما تحاول بإلحاح، ذلك بأن "سحابة سلام باتت تغطي سماء المنطقة"، على حد توصيف عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، الذي عبّر عن أمله "ألّا تكون سحابة صيف تبرق ولا تمطر"، في إشارة إلى أن الأمور تبقى مرهونة بالتنفيذ، لا بالوعود، كما جرت العادة.
في خلاصة سريعة، نستشفّ، من خلال الحراك الدبلوماسي القائم، والتسريبات والتصريحات، أن ثمة سحابة من التفاؤل تخيّم على مواقف أطراف الصراع، تصريحاً أو تلميحاً، لكن تلك السحابة مهدَّدة برياح المماطلة والتسويف، في أحد أبرز الملفات الإنسانية، وهو ملف الأسرى، وخصوصاً بعد أن أرسلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولية إشعاراً مكتوباً إلى اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، يقضي بتأجيل صفقة تبادل الأسرى المرتقبة، لمدة ثلاثة أيام إضافية، بحجة أن " حزب الإصلاح غير جاهز للتنفيذ"، ومن دون تقديم أي أسباب موضوعية لتأجيل الصفقة، التي رعتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، وأعلنتها الأخيرة من مقرها في جنيف في 20 آذار/مارس المنصرم. وتقضي الصفقة بتبادل 887 أسيراً من كل الأطراف، بينهم 706 من أسرى صنعاء، و16 أسيراً سعودياً، وثلاثة أسرى سودانيين، من أصل 181 أسيراً للمرتزقة، يتصدّرهم قيادات وأقرباء لقيادات المرتزقة.
تأجيل صفقة تبادل الأسرى يمثل "عرقلة واضحة للاتفاق، وتنصُّلاً ممّا التزمته كل الأطراف"، بحسب رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى، عبد القادر المرتضى، الذي طالب الأمم المتحدة بـ "الضغط عليهم للكف عن هذه الممارسات اللامسؤولة واللاإنسانية".
وهنا، من المفيد التذكير بأن صفقة التبادل، التي أعلنها الممثل الأممي هانس غراند برغ، تقضي بأن تتم الصفقة على ثلاث مراحل، بدءاً من يوم 19 رمضان (11 نيسان/أبريل الجاري)، تتولى فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر الجانب اللوجستي وعمليات نقل الأسرى، على أن يكون اليوم الأول بين صنعاء وعدن، واليوم الثاني بين صنعاء والرياض، واليوم الثالث بين صنعاء ومأرب، ليصار بعد ذلك إلى تشكيل لجان من الطرفين لزيارة أماكن الاحتجاز في صنعاء ومأرب، برعاية أممية، تحضيراً لصفقات مقبلة.
في الخلاصة، فإن هناك عدداً من الأمور، التي تهدد بنسف كل المناقشات، التي تمت خلال الفترة الماضية، أوّلها التسويف في ملف الأسرى، وسائر الملفات الإنسانية، ومحاولات النظام السعودي العبثية تقديم نفسه وسيطاً وليس طرفاً في الحرب، ومحاولاته النكوص والتنصل من تبعات العدوان والحصار، ومسؤوليته عن سحب كل القوات الأجنبية، التي جلبها إلى اليمن، وإنهاء مظاهر العدوان والحصار على اليمن، وجبر الضرر وإعادة إعمار ما تم تدميره فيه. وهذه المهدِّدات قد تُعيد دورة الحرب بصورة أعنف من ذي قبل، مع أملنا أن تسير الأمور في مسارها الصحيح، ليعمّ السلام بلدنا الحبيب، بعد ثمانية أعوام من العدوان والحصار، فاليمن يستحق السلام.