القمة الأفريقية السادسة والثلاثون.. قمة فلسطين
القمة الأفريقية في دورتها الأخيرة اتخذت موقفاً أكثر رسوخاً من القضية الفلسطينية، تجاوزت به موقف القمم العربية والقمم الإسلامية، بسبب عدالة هذه القضية وإيمان الشعوب الأفريقية بها.
احتلت القضية الفلسطينية مكانة متقدمة في قائمة اهتمامات القمة الأفريقية السادسة والثلاثين التي عُقدت في أديس أبابا يومي 18 و19 من الشهر الجاري، بحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، وبمشاركة رئيس حكومة السلطة الفلسطينية بصفة مراقب.
تصدرت قضايا أفريقية بالغة الأهمّية جدول أعمال هذه القمة، مثل تعزيز روح الوحدة الأفريقية الشاملة ومضاعفتها، وترسيخ التعاون والتضامن بين الدول الأعضاء، واستكمال تشغيل منطقة التجارة الحرة بينها، والشراكة الأفريقية الصينية التي خاطب من أجلها الرئيس الصيني شي جين بينغ هذه القمة برسالة إضافية أعرب فيها عن استعداده وتعهده العمل مع القادة الأفارقة لبناء مجتمع مصير مشترك رفيع المستوى بين الصين وأفريقيا.
رغم ازدحام القمة في دورتها هذه بتلك القضايا الأفريقية المهمة، فقد كانت القضية الفلسطينية الحاضر الأهم فيها، حتى صحّ أن يطلق عليها دورة فلسطين لفرط تركيزها على عناوين القضية الفلسطينية، وبوضوح وقوة في التعبير المساند للقضية بكل عناوينها، الأمر الذي تعجز عنه القمم العربية.
كان حرمان "دولة" الكيان من عضوية الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب وطرد نائبة مدير عام وزارة الخارجية من جلسات القمة هو بداية التعبير عن موقف القمة الأفريقية من القضية الفلسطينية في هذه الدورة.
وقد كان الموقف الأفريقي شاملاً، إذ تبنت القمة مشروع القرار الخاص بفلسطين المسمى "إعلان الاتحاد الأفريقي" بلغة قوية تعكس موقف الاتحاد الأفريقي ودوله الأعضاء الداعم لفلسطين ولحقوق الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، كما أشارت إلى ذلك البعثة الدبلوماسية الفلسطينية في أديس أبابا.
تضمَّن الإعلان تشديداً أفريقياً على مكانة القضية الفلسطينية ومركزيتها وعدالتها، وثبات الموقف الداعم لها ولقراراتها في المحافل الدولية، وتضمن دعوة إلى الاستمرار في تقديم الدعم للقضية الفلسطينية، ورفض استباحة "إسرائيل" الحقوق والحريات الأساسية للشعب الفلسطيني، وترسيخ نظام الأبارتايد، وطالب الأمم المتحدة بوضع خطة دولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
ونصّ الإعلان على ضرورة احترام الوضع التاريخي في مدينة القدس وضرورة الحفاظ على الوضع القائم، معتبراً أي إجراء أو قرار استعماري إسرائيلي بفرض قوانين أو ولاية قضائية وإدارية لاغياً وباطلاً ومخالفاً للقانون الدولي.
ودان الممارسات الاستعمارية الإسرائيلية التي تطبق نظام الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يميز بين السكان الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس العرق والدين، ويمنح الإسرائيليين تفوقاً في الحقوق والامتيازات على أصحاب الأرض الفلسطينيين.
ودان الإعلان أيضاً استمرار "إسرائيل" في تنفيذ سياسة الإعدام الميداني والاعتقال الإداري والتعسفي وإساءة المعاملة والإهمال الطبي للأسرى الفلسطينيين، مستنكراً السياسات الإسرائيلية التعسفية في الاستمرار باعتقال بالمعتقلين الفلسطينيين في ظروف قاسية وسط إهمال طبي، بما فيها سياسة الاعتقال الإداري من دون محاكمة.
كذلك، دان اعتقال الأطفال ومحاكمتهم، واستهداف كبار السن والنساء، واحتجاز جثامين الشهداء والأسرى، وكذلك الاستهداف الغاشم المتكرر بحق الطواقم الطبية والإعلامية، مديناً حظر "إسرائيل" عمل اللجان والمقررين الخاصين الدوليين، ومنعها أعضاء مكتب المفوض السامي من الدخول إلى فلسطين، وإنهاء عمل بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، كما دان عملية إعدام الصحافية شيرين أبو عاقلة، وطالب بإجراء تحقيق دولي مستقل للكشف عن ظروف اغتيالها.
وشدَّد الإعلان على رفض العدوان الإسرائيلي الهمجي المستمر على قطاع غزة، معرباً عن شدة قلق القادة الأفارقة تجاه تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع، ورفضهم القاطع لاستهداف "إسرائيل" المتعمد للمجتمع المدني الفلسطيني ومؤسساته.
وعبّر الإعلان عن ترحيب الاتحاد الأفريقي بتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ77 طلب رأي من محكمة العدل الدولية بشأن ماهية وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، والآثار المترتبة على هذا الوجود، والممارسات غير القانونية المرتبطة به، داعياً الدول الأعضاء إلى مساندة فلسطين في هذا المسعى.
وأكّد دعم توجه فلسطين إلى تجديد طلبها للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، داعياً أعضاءه كافة إلى قبول هذه العضوية ودعم انضمام فلسطين إلى المنظمات والمواثيق الدولية.
لا شكَّ في أن القمة الأفريقية في دورتها هذه اتخذت موقفاً أكثر رسوخاً من القضية الفلسطينية، تجاوزت به موقف القمم العربية والقمم الإسلامية، بسبب عدالة هذه القضية وإيمان الشعوب الأفريقية بها، وبسبب الجهود الجبارة التي بذلتها دولة الجزائر التي أحيت جذوة القضية في المؤسسات الأفريقية، وجعلت تلك المؤسسات تعبر عن الوجدان الأفريقي، لا عن الإملاءات الغربية، وساعدت دولة جنوب أفريقيا الجزائر في جهدها، وهي حديثة العهد بالتجربة الكولونيالية الإحلالية التي انتصرت على النظام العنصري الذي يمثل صورة ثانية للنظام الصهيوني.