الغرب يتوقع.. سيناريوهات خسارة إردوغان عام 2023
لا يمكن فصل ما يحصل في الداخل التركي عن العوامل الخارجية، ولا سيما أن الغرب كان يراقب سياسات "العدالة والتنمية" عن قرب.
يعتبر المحللون الغربيون أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بدأ يراكم الأخطاء منذ عام 2013، بعد إلقائه اللوم على الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في انقلاب الجنرال عبدالفتاح السيسي في مصر، واصطافه بشكل متزايد مع جماعة الإخوان المسلمين، كما أن تظاهرات حديقة غيزي عام 2013 كانت مؤشراً على بداية المعارضة لإردوغان في الشارع التركي وتصدّع علاقته بفتح الله غولن الذي اتهمه بالفساد.
لا يمكن فصل ما يحصل في الداخل التركي عن العوامل الخارجية، ولا سيما أن الغرب كان يراقب سياسات العدالة والتنمية عن قرب، بعد أن كان يعتبره نموذجاً لحزب إسلامي يحكم بلداً علمانياً يمارس الديمقراطية.
تركيا انتمت منذ أكثر من سبعين عاماً إلى الناتو، لكنها اختلفت معه عندما غزت قواتها قبرص الشمالية عام 1974. لم تشهد العلاقة ابتعاداً بين الطرفين كالذي بدأ يظهر منذ 2014 ووصل إلى ذروته في محاولة الانقلاب عام 2016 حيث توجّس الرئيس التركي من نيّات الغرب تجاهه، مع أنه حافظ على تواصل معه، إلا أن الثقة تزعزعت وقام باعتقال جماعة الداعية محمد فتح الله غولن وعدد كبير من الصحافيين والناشطين المدنيين، وأخرج أعداداً كبيرة من الموظفين من مواقعهم من غير الموالين له.
ابتعد إردوغان عن علاقات تركيا الطويلة مع أوروبا والولايات المتحدة، ودخل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اتفاق؛ بحيث وافق بوتين على إطلاق يد إردوغان في المناطق الكردية، والتزم إردوغان بشراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي الصنع S-400 بحلول عام 2020 وذهب بعيداً في تحدّي الغرب على أكثر من جبهة في المتوسط وكاراباخ.
الغلطة الأساسية التي ارتكبها في الداخل كانت تصميم التعديلات الدستورية في ربيع عام 2017، التي سمحت له بممارسة السلطة التنفيذية كرئيس للجمهورية. عزّزت التعديلات الدستورية سلطات الرئيس. أُلغي منصب رئيس الوزراء، ومُنحت الرئاسة التنفيذية الجديدة سلطة تعيين القضاة وكبار أعضاء البيروقراطية، من دون استشارة البرلمان. وقد أتاح ذلك فرصة لإردوغان لاصطفاء القضاة الموالين له، من أجل ضمان القرارات القانونية التي تناسب حزبه وتراعي أولوياته، كما أعطته التعديلات سيطرة أكبر على القوات المسلحة.
أضعفت الرقابة البرلمانية مع وجود عدد أقل من الضوابط. كان إردوغان بالتالي حراً في متابعة أجندته على النحو الذي يراه مناسباً. أدّى الإصلاح الدستوري عن غير قصد إلى تقوية المعارضة. في ظل النظام البرلماني، جرت الانتخابات بين جميع الأحزاب في وقت واحد، ما أعطى حزب العدالة والتنمية ميزة طبيعية على منافسيه المتعددين. لكن النظام الرئاسي الجديد يتطلب جولة الإعادة بين المرشحين الرئيسيين. وهذا يعني أن مرشح المعارضة الرئيسي لديه الآن القدرة على الجمع بين ائتلاف واسع مناهض لإردوغان تحت راية واحدة، وهذا ما سوف يعطي المعارضة فرصة الربح.
قوة المعارضة في اتحادها
تنقسم المعارضة إلى فريقين: حزب الشعب الجمهوري والحزب الصالح القومي التركي. يدعم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للكرد هذا التحالف بشكل غير رسمي، كذلك تؤيده الأحزاب الصغيرة والوسطى واليمينية، وحزب السعادة، وهو حزب إسلامي. ما يجمع هذه المعارضة، رغبتها في هزيمة إردوغان، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى انخفاض في شعبية إردوغان من 52% إلى ما بين 30 و40%. وكان علي باباجان، وزير اقتصاد حكومات حزب العدالة والتنمية السابق، قد استقال وألّف حزب "الديمقراطية والتقدم" كذلك أنشأ داوود أوغلو، وزير الخارجية السابق، حزب المستقبل، وجميع هؤلاء يريدون استعادة النظام البرلماني. وكانت الحكومة قد انسحبت من الاتفاقيات الدولية التي تسعى إلى حماية النساء، ما أثار غضب الأوروبيين.
تراوح الأسئلة بين أهمية البرنامج الذي ستطرحه المعارضة وتربح على أساسه، وبين رد فعل إردوغان الذي لن يقبل الهزيمة، فيما يرى البعض أن الرئيس سيكرّر ما حصل في الانتخابات المحلية عام 2019، عندما قررحزب العدالة والتنمية إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول، والتي خسرها مرشح الحزب بن علي يلدريم، وفاز بها أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري مرة ثانية. هذه النتيجة، إضافة إلى نجاح منصور يافاش في بلدية أنقرة، وهو من حزب الشعب الجمهوري، أدت إلى زعزعة صورة إردوغان، وأشعرت المعارضة بإمكان هزيمته. ووفقاً لاستطلاعات الرأي الحالية، سيتمكن كل من رؤساء بلديات حزب الشعب الجمهوري وكذلك ميرال أكشينر، زعيمة حزب الصالح القومي، من هزيمة إردوغان في الانتخابات الرئاسية. يتنافس المعارضون الثلاثة على القيادة الشاملة للمعارضة، وكل واحد منهم سيدعم المرشح الأول ضد إردوغان في جولة ثانية.
مصير إردوغان وردّ فعله عند الخسارة
يضع التضخم إردوغان في وضع صعب. مع توقّع أن يصل إلى 20٪ في عام 2022، فإن احتمالات حدوث تحول اقتصادي قاتمة بشكل متزايد. وبحسب استطلاعات الرأي، سيخسر إردوغان انتخابات 2023. تُطرح تساؤلات حول ردّ فعله، هل سيلجأ إلى إعادة الانتخابات كما حصل في العام 2015 أو كما حصل في الانتخابات المحلية 2019؟ وهل سيقف في وجه الناخبين؟ أم سيواجه تظاهرات عارمة؟ وهل سيأمر الشرطة المسلحة بالنزول إلى الشارع وقمع المتظاهرين؟ هل سيغلق وسائل التواصل الاجتماعي ويعلن حالة الطوارئ، أم هل ستقوم جماعات منظمة بالاعتداء على المتظاهرين؟
تبدو السناريوهات التي يراها المحللون الغربيون شبيهة بما حصل في الدول العربية أثناء تظاهرات "الربيع العربي". يسيطر على هذه التحليلات إمكان تزوير النتائج، لكنها تستدرك بأن المعارضة أثناء الانتخابات المحلية كانت واعية لهذا الموضوع، وكانت منظمة تنظيماً عالياً، لذلك استطاعت أن تقف ضد أيّ محاولة للعبث بالنتائج. وتستنتج أن إردوغان سيلجأ وداعميه إلى زعزعة الاستقرار، ولن يتخلى عن السلطة بسهولة.
يخشى البعض من التوقعات غير المحسوبة، لأن الرجل ليس من السذاجة بأن لا يلحظ أن خصومه ومؤيديهم يعملون على إسقاطه، لذلك لا شك في أن لديه بدائل من المرجّح أن يلجأ إلى أصدقائه من أجل دعم الاقتصاد أو أنه لن يترشح للانتخابات، بل يمكن أن يرشح وزير دفاعه خلوصي أكار الذي كان قائداً للجيش، وهو الأقرب إليه، بعد أن تمّ إحراق أوراق سليمان صويلو، وزير الداخلية، على يد الإمارات التي كانت تتبنّى سادات بيكر، رئيس المافيا الذي اتّهم حكومة إردوغان بالشراكة مع المافيا عبر فيديوهات بثّت من دبي. لذلك، من المبكر التكهن بشأن نتائج الانتخابات. المتغيّرات كثيرة محلياً وإقليمياً، ولقد أثبتت الأحداث الماضية أن دول الإقليم هي مَن عمل على إسقاط الإخوان في مصر، قبل تبنّي الإدارة الأميركية رحيلهم. فما هي التنازلات الكبيرة المطلوبة من الرجل الذي يعشق السلطة ويريد تنفيذ مشاريعه التي تبدو محل تشكيك؟