الشرق السوريّ أمام صيف حارّ: قواعد الاحتلال الأميركي تحت النار مجدّداً
تشير كل المعطيات الميدانية إلى أنّ العشائر ستعمد إلى تصعيد هجماتها ضد "قسد" هذا الصيف، ولن تكون قوات الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة الحليفة والرديفة بعيدة عن هذا الصراع.
لم يستطع قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلفهم الولايات المتحدة الأميركية، استيعاب الضربة الإيرانية التاريخية على الكيان، حتى اللحظة.
ومن غير المتوقع أنْ يتمكنوا من تجاوز آثارها ومؤشّراتها العسكرية والمعنوية قريباً، خصوصاً أنّ ضربةً فارقة ومفصلية ومدروسةً بعنايةٍ كهذه، تمّت لكي تؤسّس لمرحلة جديدة من الصراع مع المحتل في فلسطين والمنطقة، لا لتكون ضربة عابرة أو محض "ثأريّة" أبداً.
وبينما بدا العجز الإسرائيليّ والأميركي عن الردّ المباشر على الهجوم الإيرانيّ، واضحاً وصارخاً، كان متوقّعاً أنْ يلجأ الطرفان إلى محاولة العودة إلى مسار "المعارك بين الحروب" وتنفيذ اعتداءات خاطفة هنا وهناك، لإثبات أنّ جبهة العدوان ما تزال قادرة على المبادرة وفرض القواعد والمعادلات، ولعلّ في العدوان الأخير على أحد مراكز "الحشد الشعبيّ" في العراق، ما يدلّ على ذلك، على الرغم من عدم تبنّي أيّ جهة لهذا العدوان. وكذلك في العدوان الإسرائيلي الأخير على موقع في جنوبيّ العاصمة السورية دمشق.
وبموازاة ذلك، سارعت الولايات المتحدة على وجه الخصوص، إلى تفعيل استثماراتها التكفيرية والانفصالية والسياسية والإعلامية، على أرض محور المقاومة، وخصوصاً على الأرض السورية، كما بدا واضحاً في الأيام التي تلت العدوان مباشرة.
فمنذ يوم 16 نيسان / أبريل، عاد تنظيم "داعش" الإرهابي إلى النشاط بقوة في البادية السورية، وكما هي العادة، تقاطرت مجموعات التنظيم الإرهابي من جهة قاعدة الاحتلال في بادية "التنف"، لتشنّ هجومات خاطفة على مواقع الجيش العربي السوري والقوى الحليفة والرديفة في بوادي حمص والرقة وحلب ودير الزور، وإلى نصب الكمائن على طرقات مرور العربات العسكرية والمدنية، لتبدأ القوات السورية والرديفة، كما الطيران السوري والروسيّ، بحملة كبيرة لملاحقة تلك المجموعات، وتمشيط البادية وكهوفها، لكنّ مجموعة إرهابية تمكّنت صبيحة يوم الجمعة 19 نيسان/ أبريل، من استهداف حافلة مبيت عسكرية تتبع لـ "لواء القدس" الرديف للجيش العربي السوريّ، وذلك بين منطقتيّ "الكوم" و"الطيبة" في أقصى شمال شرقي محافظة حمص، وقد أسفر الهجوم الإرهابيّ عن ارتقاء 22 شهيداً من العسكريين، بينما استطاعت القوات المسلحة السورية، بالتعاون مع قوات روسية صديقة، تنفيذ عدة عمليات نوعية باستخدام المدفعية والطيران الحربي والمسيّر، على جميع محاور البادية، مستهدفةً مقارّ التنظيم ومواقعه وآلياته، وقد أسفرت العمليات عن سقوط العشرات من القتلى، بينهم قادة في التنظيم الإرهابيّ.
وإلى الشرق في اتّجاه ضفّتي نهر الفرات، بدأت قوات الاحتلال الأميركيّ بعد ثلاثة أيام من الهجوم الإيرانيّ، باستقدام تعزيزات لافتة، كان أولها دخول 27 شاحنة محمّلة بمعدّات عسكرية ولوجستية ومواد طبية، عبرت من خلال معبر "الوليد" غير الشرعي قرب مدينة اليعربية في أقصى الشرق السوري عند الحدود مع العراق، وتوزّعت إلى عدّة قواعد للاحتلال في محافظة الحسكة.
ومن الواضح أنّ قيادة قوات الاحتلال الأميركيّ توقعت عدم استكانة المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا، على العدوان الأخير على مقرّ للحشد الشعبيّ جنوبيّ بغداد، وهو ما حصل بالفعل، إذ بادرت المقاومة الإسلامية إلى استهداف قاعدة "عين الأسد" الأميركية في محافظة الأنبار، غربي العراق، كما تعرّضت قاعدة الاحتلال في حقل "كونيكو" للغاز في الشرق السوريّ، إلى هجوم كبير بالطائرات المسيّرة الانتحارية، أصابها بشكل مباشر ودمّر مرآباً لمدرّعات "برادلي"، ما أدى إلى استنفار قوات الاحتلال في عموم قواعدها في الشرق، واستقدام تعزيزات جديدة من شمالي العراق، حيث وصلت طائرة شحن عسكرية كبيرة إلى قاعدة "خراب الجير" الواقعة في ريف منطقة اليعربية.
ولم تُمهل المقاومة قوات الاحتلال سوى ساعات قليلة فقط، قبل أنْ تدكّ القاعدة ذاتها بهجوم صاروخيّ أصاب منطقة هنغارات الآليات العسكرية في داخلها، ما دفع قيادة القاعدة إلى إخلائها من الجنود على الفور.
وبعد الهجوم على "خراب الجير" بساعات قليلة فقط، تلقّت قاعدة "حقل العمر" هجوماً صاروخيّاً أصاب، بحسب معلومات محليّة، نقطة دفاعٍ جويّ فيها، كما أصابت بعض القذائف قاعةً للاجتماعات داخل القاعدة، وكذلك "المنطقة الخضراء" حيث يقيم جنود الاحتلال العاملون في القاعدة. وعلى الفور، دخلت قوات الاحتلال في حالة استنفار قصوى، إذ بدأت بتسيير الدوريات المشتركة مع قوات "قسد" في محيط مختلف القواعد، بالتزامن مع تحليق كثيف للطيران المروحيّ والمسيّر.
وتُعدّ هجمات المقاومة الأخيرة هذه، الأولى منذ أكثر من شهر، إذ اكتفت فصائل المقاومة في الأسابيع الأخيرة بتنفيذ هجمات نوعية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد أهداف حيوية للاحتلال الإسرائيليّ.
كما تُعدّ إيذاناً بدخول مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال الأميركيّ في سوريا والعراق، وذلك ضمن المرحلة التي دشّنها الردّ الإيراني الصاعق، وكذلك بعد سقوط كل التفاهمات التي حرصت أطراف سياسية عراقية على فرضها في الداخل العراقي تحت الضغوط الأميركية. وكان عدد العمليات ضد قواعد الاحتلال الأميركيّ في سوريا، قد توقف عند الرقم 171، ليبلغ 174 خلال أقل من 24 ساعة.
وبعد الهجوم الأخير على قاعدة "حقل العمر"، استقدمت قوات الاحتلال 40 شاحنة عسكرية من خلال معبر "الوليد" في منطقة اليعربية، جميعها تحمل معدات عسكرية ولوجستية وطبية.
كما بدأت القوات الأميركية المحتلة بالشروع في تنفيذ تدريبات ومناورات عسكرية بالذخيرة الحية بالاشتراك مع قوات "قسد"، وذلك في أكثر من موقع في محافظة الحسكة خصوصاً، حيث سمع السكان المحليون أصوات انفجارات كبيرة داخل قاعدة "حقول الجْبِسَة" المحتلة، ناجمة عن تدريبات على القصف المدفعي وعمليات الإنزال الجويّ، واستهداف أهداف وهميّة تُمثّل منصّات إطلاق صواريخ.
كما شهدت قاعدة "حقل العمر" تدريبات مماثلة في اليوم التالي. وبينما بقيت قواعد الاحتلال في حالة استنفار منذ يوم الجمعة الماضي، يُلاحظ السكان المحليون كثافة الدوريات الأميركية المشتركة مع "قسد" بشكل يوميّ، وتحليقاً دائماً للطائرات الحربية ومناطيد التجسس والمراقبة في عموم المنطقة الشرقية، خصوصاً قرب الحدود مع العراق.
من جهة أخرى، تختبر "قوات سوريا الديمقراطية" الحليفة لقوات الاحتلال، أياماً صعبة، بعد تصاعد حدة المواجهات مع "قوات العشائر العربية" وكثافتها خلال الأسبوع الأخير.
فقد عادت العشائر إلى المبادرة وتكثيف هجوماتها على نقاط "قسد" ومواقعها في محافظات دير الزور والرقة والحسكة، لتردّ "قسد" بعنفٍ أكبر وبتنفيذ اقتحامات في عدد من القرى في تلك المحافظات. وقد نفّذ مقاتلو العشائر هجوماً كبيراً على نقاط "قسد" في بلدتيّ "ذيبان" و"الطيانة" في ريف دير الزور الشرقيّ، كما تمكّنت مجموعات من تلك القوات من السيطرة على قرية "الحصان" في الريف الغربي لمحافظة دير الزور، والتي تتمركز فيها قوات "قسد"، وذلك بعد هجوم كبير أدى إلى مقتل وأسر عدد من أفراد القوات الكردية هناك، لتبادر "قسد" على الفور إلى محاصرة قرى "الحصان" و"الجنينة" و" شقرا" وتنفّذ اقتحامات واسعة بحجّة البحث عن مطلوبين.
تُنذر الأحداث الأخيرة بقدوم صيفٍ حارّ جدّاً على الشرق السوريّ، فمن المتوقع أنْ تتصاعد حدّة هجمات المقاومة الإسلامية في العراق وسوريا، على قواعد الاحتلال في البلدين، وخصوصاً إذا ما بادرت قوات الاحتلال إلى الردّ أو تنفيذ أي اعتداءات على مواقع المقاومة في البلدين.
ويمكن الاستنتاج هنا، أنّ المعادلات الجديدة التي فرضها الردّ الإيراني على الاحتلال الإسرائيليّ، سوف تسري على عموم قوى محور المقاومة في الإقليم، وهو ما أثبتته المقاومة العراقية بعد العدوان الأخير على أحد مواقعها في العراق. لذلك، ستعمد قوات الاحتلال الأميركيّ إلى تعزيز وجودها العسكري والاستخباريّ، وزيادة استخدامها لوكلائها في المنطقة الشرقية، خصوصاً تنظيم "داعش" الإرهابيّ.
كما ستزيد من تعاونها الميدانيّ مع "قسد"، من دون أنْ تتورّط في القتال إلى جانب الأخيرة أو مساعدتها ميدانيّاً ضد العشائر والسكان العرب المحليين الرافضين لوجود "قسد" وممارساتها.
وعلى هذا الصعيد تحديداً، تشير كل المعطيات الميدانية إلى أنّ العشائر ستعمد إلى تصعيد هجماتها ضد "قسد" هذا الصيف، ولن تكون قوات الجيش العربي السوري وفصائل المقاومة الحليفة والرديفة بعيدة عن هذا الصراع، خصوصاً أنّ تعزيزات عسكرية سورية كبيرة قد توافدت في الآونة الأخيرة إلى ضفة الفرات الغربية والبادية القريبة.