الحرب البيئية في مؤتمر المناخ

لم يكن أمام الدول الفقيرة، في مؤتمر المناخ في مصر، من حل سوى التراجع عن مصطلح "التعويضات" واستبدال مصطلح "الدعم المادي" به، للتغلب على مخاوف الدول الغنية.

  • الحرب البيئية في مؤتمر المناخ
    الحرب البيئية في مؤتمر المناخ

مثل كل شيء في عالم اليوم يحكم الصراع الطبقي بين الشعوب كل مناحي الحياة المعاصرة. عندما نتحدث عن الصراع الطبقي بين الشعوب، فالمقصود هو ذلك الصراع بين الناهبين والمنهوبين، بين شعوب تبيع قوة عملها ومقدرات أوطانها لتحصل على الكفاف، وشعوب تمتلك القوة والمال فتنهب وتستغل وتراكم الثروة على حساب المقهورين.

الصراع البيئي جزء من الحروب الإمبريالية على الشعوب، في هذه الحرب يتساوى حلفاء الرأسمالية مع أعدائها. فالأضرار والخسائر الناجمة عن التغير المناخي لا تميز الجغرافيا عندما تحلّ كوارثها، إلا أن الشعوب الفقيرة تدفع ثمناً أكبر لأنها غير قادرة على تعويض الخسائر والأضرار التي تصيبها.

تلجأ الدول الاستعمارية إلى استخدام البيئة في حروبها، كلنا نذكر صور قنابل النابالم في فيتنام، والتي خرّبت مساحات واسعة من الأراضي القابلة للزراعة، واليورانيوم المنضب في العراق، إلى حرق المحاصيل الزراعية والغابات بشكل متعمّد، وتلويث مصادر المياه وتجفيف السدود في سوريا، إلى التهديد بتدمير السدود وإغراق المدن في أوكرانيا.

في ظل هذه الصراعات، انعقد مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، وسط آمال عريضة وإمكانيات ضئيلة لتحقيق خرق مناخي مهم. في مؤتمر غلاسكو 2018، اتفق المجتمعون على خفض استخدام الوقود الأحفوري تدريجياً، للمحافظة على ما اتفق عليه في باريس 2015 بشأن إبقاء معدل الاحترار العالمي تحت 1.5 درجة مئوية. كان الأمل إقناع الدول بالتخفيض التدريجي لاستخدام الغاز والنفط لمصلحة الطاقة الطبيعية المستدامة، لكن الواقع يقول إن دولاً عديدة عادت لاستخدام الفحم الحجري في ظل أزمة الطاقة الناجمة عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

كان الحل بالعودة إلى مفهوم "الخسائر والأضرار" الذي سبق طرحه في مؤتمر باريس ووافقت عليه الدول الغنية، من دون تحديد آلية عملية لتنفيذه. المقصود بـ"الخسائر" هي تلك الخسائر المباشرة التي تصيب الدول والأفراد والشركات مثل تدمير المنازل والطرقات والمحاصيل الزراعية والمصانع، أما "الأضرار" فهي تلك النتائج البعيدة المدى التي تؤثر في البيئة وتؤدي إلى خسائر دائمة وتغيير أنماط الحياة الاجتماعية والاقتصادية مثل التصحر وارتفاع منسوب مياه البحار. وكانت الدول النامية قد اقترحت مشاريع لتعويضها عن "الخسائر والأضرار" لكن الدول الغنية لم توافق على فكرة التعويضات لما تحمله من مسؤوليات قانونية وأعباء اقتصادية.

لم يكن أمام الدول الفقيرة من حل سوى التراجع عن مصطلح "التعويضات" واستبدال مصطلح "الدعم المادي" به، للتغلب على مخاوف الدول الغنية. تصدرت باكستان الدول الأكثر تضرراً من الكوارث البيئية خلال العقد الماضي، لذلك بادرت إلى إدراج موضوع "صندوق الخسائر والأضرار" في جدول أعمال قمة شرم الشيخ. لم تلقَ فكرة هذا الصندوق قبولاً لدى الدول الغنية ما جعل موضوع الصندوق نقطة خلافية لم يتمكن المؤتمر من حلها.

يمتد الخلاف بشأن الصندوق إلى محاولة الولايات المتحدة الأميركية دفع الصين إلى المشاركة في دفع جزء من "الدعم المادي" المطلوب لإنشاء هذا الصندوق. بحسب تعريف الأمم المتحدة، تُعدّ الصين دولة نامية، لكن الواقع يقول إنها القوة الاقتصادية الثانية عالمياً، وبالتالي تتهمها الدول الغربية بأنها تقع في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في كمية الحقن الكربوني في الهواء. تنظر الصين إلى الأمر من زاوية مختلفة، فهي تملك مشروعها الخاص المتعلق بالبيئة وقد ضمّنته رؤيتها الصادرة عن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني تحت شعار "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية للعصر الجديد"، والتي يحتل شعار "التنمية القائمة على الوئام بين البشر والطبيعة" أحد محاورها الخمسة. كما ترى الصين أن المقارنة بين الدول على أساس فردي فيه الكثير من الظلم للاقتصادات الصاعدة، إذ إن الاقتصادات الغنية مسؤولة، بشكل مباشر وغير مباشر، عن أكثر من 80% من الحقن الكربوني، وأن هذه الدول تعمل على تقديم التعويضات لتستمر في نشاطها المدمّر للبيئة وليس الحلول التي تساعد في حل المشكلة من جذورها.

تقدّر خسائر الدول النامية نتيجة التغيّر المناخي بين عامي 2000 – 2020 بأكثر من نصف ترليون دولار، في حين بالكاد تصل مبالغ الدعم البيئي المقدمة إلى هذه الدول إلى مليار دولار سنوياً. لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل لجأت قمة العشرين إلى أقدم خدعة في الكتاب الرأسمالي عندما أطلقت مبادرة "الدرع العالمي". بموجب هذه المبادرة، تدفع أموال الدعم كأقساط تأمينية إلى ائتلاف من شركات التأمين الكبرى، وهي غربية بالكامل، على أن تقوم هذه الشركات بتعويض الدول والأفراد والشركات المتضررة من الكوارث البيئية. بعبارة أخرى، تبقى الأموال في دورة رأس المال بانتظار الكارثة، وعند حدوث الكارثة تصرف هذه الأموال ليقوم المركز الرأسمالي بإعادة الإعمار!

من جهة الدول المتضررة، يبقى الفساد وسوء الإدارة وتبعية الأنظمة للمركز المالي، العوائق التي تقف في وجه أي محاولة لتقديم حلول ناجعة للمشكلة. أموال الدعم بمعظمها تذهب إلى مؤسسة الفساد أو لحل الأزمات الاقتصادية التي تسببت بها هذه الأنظمة الفاسدة. ولا تملك هذه الأنظمة إرادتها السياسية لتمنع الدول الغنية من استنزاف مقدراتها، وتحويل أراضيها لمقابر نووية وإلكترونية. لذلك، تعيش شعوب الدول النامية في دائرة الخراب بين مطرقة الرأسمالية المتوحشة وسندان أنظمة تابعة فاسدة.

هذه الحرب من أقسى الحروب وأصعبها، فلا توجد جيوش غازية تقاومها، ولا أسلحة مرئية تتصدى لها. العدو يتسلل إلى منازلنا كل يوم، ويستولي على الأرض التي نزرع والماء الذي نشرب. من دون منظمات بيئية محلية مدعومة سياسياً من القوى الوطنية الجذرية في المجتمعات، وغير مرتبطة بمنظمات التمويل الأجنبي، قد يستيقظ أي شعب ليجد نفسه ضحية الكارثة، وعندها سيدرك أن اليوم متأخر جداً.