التنين الصّيني يتقدَّم بسرعة نحو السَّيطرة على الاقتصاد العالميّ

يؤكّد التفوّق الصيني المالي هو امتلاك الصّين اليوم 20% من إجمالي أدوات الدين التي تصدّرها الخزانة الأميركية، بينما تمتلك اليابان 18% منها، وتمتلك بقية دول العالم مجتمعةً 62%.

  • التنين الصّيني يتقدَّم بسرعة نحو السَّيطرة على الاقتصاد العالميّ
    النمو الاقتصادي الصيني لم يكن وليد اللحظة

تحتلّ جمهورية الصين الشعبية اليوم المركز الثاني في الترتيب الاقتصادي العالمي بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، بناتج محلي إجمالي يُقدَّر بحوالى 9 تريليون دولار سنوياً. 

وقد وصلت الصّين إلى هذا المركز المتقدّم بفعل سياسات اقتصادية بنيوية اعتمدتها الحكومات المتعاقبة على مدى أكثر من 40 عاماً، علماً أنَّ هذا النموّ ترافق مع خطط شاملة مبنية على مفهوم الاستدامة والتطوّر التكنولوجي والعلميّ في شتى المجالات، ما خلق واقعاً إنتاجياً ضخماً شكَّل ضمانة واستمرارية للاقتصاد، وساهم في حصول نمو اقتصاديّ مطّرد أعطى الصين قوة تجاريّة عالميّة جعلتها البلد المصدّر الأوّل في العالم، بقيمة تقدر بحوالى 2.4 تريليون دولار سنوياً، ما ربط الأسواق العالمية بجميع أنواع المنتجات الصينية المتعددة المجالات والأبعاد، وجعل الصّين كتلة سلعية ضخمة وواسعة تغطّي العديد من حاجات المجتمعات العالميّة ويصعب التخلّي عنها. 

نمو الاقتصاد الصيني أصبح الأعلى عالمياً

إنَّ حجم نمو الاقتصاد الصيني خلال السنوات الماضية يعتبر الأعلى في العالم من دون منازع. مؤخراً، شهد هذا الاقتصاد نمواً قياسياً بلغ حوالى 19% خلال النصف الأول من العام 2021 بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق، وخصوصاً بعد تعافي الصين سريعاً من تداعيات أأأزمة كورونا قبل كلّ دول العالم الأخرى، وهو يتفوَّق على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، المنافس الأول للصين عالمياً، إذ إنَّ الاقتصاد الأميركي يمرّ بحالات عدم توازن بفعل الأزمات المالية التي تعرَّض لها منذ بداية القرن الواحد والعشرين، مروراً بأزمة العام 2008، وصولاً إلى تداعيات أزمة كورونا الأخيرة والإقفال التام، علماً أنَّ هذه الأزمات جعلت الحكومة الأميركية تلجأ إلى إصدار سندات الدين بشكل كبير جداً، لتغطية هذا العجز المتنامي في المالية العامة الأميركية. 

وما يؤكّد التفوّق الصيني المالي هو امتلاك الصّين اليوم 20% من إجمالي أدوات الدين التي تصدّرها الخزانة الأميركية، بينما تمتلك اليابان 18% منها، وتمتلك بقية دول العالم مجتمعةً 62% من سندات الديون الأميركية.

الصّين تربط العالم باتفاقيّات تجاريّة ضخمة

إنَّ النمو الاقتصادي الصيني لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بناءً على خطط إنتاجيّة شاملة وضعتها الحكومات الصينية للنهوض بالإنتاج المحلّي، رابطةً هذا النهوض باتفاقيات تجارية دولية ضخمة، من خلال تنفيذ حلم الوصول إلى طريق الحرير الذي أصبح واقعياً بعد توقيع هذه الاتفاقيات، وأبرزها:

1- اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مع دول آسيان العشر، إضافة إلى كلٍّ من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا، والتي تهدف إلى إلغاء عدد من الرسوم الجمركية داخل المجموعة. تعتبر هذه الاتفاقية الأكبر في العالم من حيث شمولها أكبر قدر من السكّان داخل منظومة واحدة، والَّذي يبلغ 2.1 مليار نسمة، ومن حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول مجتمعة، والذي يبلغ حوالى 26 تريليون دولار أميركي.

2- تأسيس منظّمة شنغهاي للتعاون، التي تضمّ الصين وروسيا وعدة دول أخرى من منطقة أوراسيا، إذ إنَّ المنظمة أصبحت تحظى بأهمية اقتصادية كبيرة جداً، نظراً إلى الأبعاد الجيو-اقتصادية التي تميّزها وتعطيها دافعاً اقتصادياً وتجارياً متيناً، علماً أنَّ دول هذه المنظمة فيها كميات وافرة من النفط والغاز الطبيعي والثروات المعدنية والطبيعية.

3- اتفاقية الاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي، والتي تحلّ بدلاً من 20 اتفاقاً ثنائياً بين الصين ودول الاتحاد، علماً أنَّها تعطي فرصة لدول الاتحاد بالاستثمار في الصين بقيمة 150 مليار دولار، على أن تستثمر الأخيرة في الاتحاد الأوروبي بقيمة 113 مليار دولار.

4- اتفاقيات تجارية أخرى مع العديد من دول العالم، يقدّر حجم التبادل التجاري والاقتصادي فيها بمئات مليارات الدولارات.

الصين ستمتلك الاقتصاد الأقوى قريباً

بعد كلِّ السياسات الاقتصادية الناجحة والفعالة التي اعتمدتها الصين على مرّ أكثر من 40 عاماً، وبسبب ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الصيني عاماً بعد آخر، ونظراً إلى القدرات الهائلة للدولة الصينية في شتى المجالات، وخصوصاً الإنتاجية منها، ومع امتلاك الصين أكبر سوق تجاري تسويقي بفعل العامل الديموغرافي والسكاني، تتوقع كلّ مراكز الأبحاث والدراسات العالمية أن يصبح الاقتصاد الصّيني الأول في العالم من دون منازع ابتداءً من العام 2028، متفوقاً بذلك على الاقتصاد الأميركي وباقي اقتصادات الدول الصناعية الأخرى، ما سيؤدي إلى تغيرات جيو-استراتيجية في العالم ككل، ويضع الصين بكلِّ جدارة في خانة الدول العظمى التي يمكن أن تؤثر في كيفية إدارة التجارة العالمية، وهو ما يجعلنا أمام مشهد جديد من الحرب الباردة حالياً بين الصين والولايات المتحدة، من دون استبعاد تحوّل هذه الحرب الناعمة إلى حرب ساخنة جداً، إذا سنحت الفرصة المناسبة للولايات المتحدة، التي لن تقبل بسهولة بأن تخسر زعامة الاقتصاد العالمي.