التطورات العسكريّة شرقيّ الفرات: حصار القواعد الأميركية هدفٌ نهائيّ
من غير المتوقّع أنْ تستسلم واشنطن بسهولة أمام التطورات الجديدة، وأنْ تترك الأرض والثروات السورية لأصحابها، وتتخلّى عن مشروع التقسيم والفوضى.
قبل فجر يوم الخميس 30 آذار /مارس بقليل، قام سلاح جوّ العدو الإسرائيلي بتنفيذ هجوم صاروخيّ على مواقع للجيش العربي السوريّ والقوات الرديفة له في منطقة ريف دمشق، وقبل ذلك بساعات قليلة فقط، شنّت مجموعات "هيئة تحرير الشام" الإرهابية (جبهة النصرة) هجوماً بريّاً على مواقع للجيش السوريّ في ريف إدلب المتاخم للريف الحلبيّ، وتحديداً على محور الفوج 46 في منطقة الأتارب، بالتزامن مع محاولة مجموعات أخرى من التنظيم الإرهابيّ إحداث خرق على محوريّ الزقّوم – قليدين بمنطقة سهل الغاب في ريف حماة الشماليّ الغربيّ المتّصل مع ريف إدلب.
وبعد أقلّ من 24 ساعة فقط، أي عند فجر يوم الجمعة 31 آذار / مارس، نفّذ سلاح جوّ العدو الصهيونيّ اعتداءً صاروخيّاً آخر على مواقع في منطقتيّ دمشق وريفها، بالتزامن مع قيام مجموعات كبيرة من مقاتلي "جبهة النصرة" الإرهابية، بتنفيذ هجوم واسع في منطقة "الدانا" في ريف إدلب الشماليّ، وعلى محاور جوباس – دايخ – كفر بطّيخ في ريف إدلب الشماليّ الشرقيّ.
وإذ أكّدت وزارة الخارجية السوريّة، في بيان لها، وجود تنسيق واضح ووثيق بين كيان الاحتلال الإسرائيليّ والمجموعات الإرهابية المسلحة في سوريا، ومع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية بشكل واسع في الآونة الأخيرة، وتصاعد الهجومات الفاشلة التي تقوم بها تلك المجموعات في الشمال السوريّ والبادية، تزامناً مع تحرّك الميدان المتسارع بدوره في الشرق السوريّ، يظهر جليّاً أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي تقود هذه الأنشطة المعادية وتخطط لها وترعاها كلها، تستميت في محاولاتها إعادة بثّ الفوضى على عموم مساحة الخريطة الجغرافيّة السوريّة، وقلب الطاولة في وجه المساعي الرامية إلى التوصل لتسوية تركية – سوريّة، ستكون تلك المجموعات الإرهابية في الشمال، كما "قسد" في الشرق، ضحيتها الأبرز، كذلك لفرملة التحركات والنشاطات الدبلوماسية المستجدة والمتسارعة بين دمشق وعواصم عربية وإقليمية، والقول إنّ سوريا دولة مضطربة وممزقة وغارقة في فوضى الصراعات الدموية من كلّ جانب، وبالتالي لا فائدة تُرجى من إعادة العلاقات معها، وهذا ما يأتي في المقام الأول بالنسبة إلى المشروع الأميركيّ المضطرب حاليّاً.
أمّا من جهة أخرى، فإنّ التطورات العسكرية في الشرق السوريّ، حيث تستقرّ قوات الاحتلال الأميركيّ لتنهب وتسرق وتشرف بشكل مباشر على خطّة تقسيم سوريا بالاعتماد على وجودها العسكريّ وعلى أدواتها هناك، "قسد" و"داعش"، رفعت من منسوب قلق المسؤولين السياسيين الأميركيين، وتخبّط نظرائهم العسكريين، خصوصاً بعد الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها قواعد الاحتلال الأميركيّ في منطقة شرقيّ الفرات، وتحديداً الهجوم الذي تمّ من خلال طائرة مسيّرة ليل الخميس 23 آذار / مارس الفائت، على قاعدة أميركية قرب مدينة الحسكة، وأسفر عن مقتل وإصابة عدة جنود أميركيين، بينهم مقاول، والذي جاء ردّاً على قصف أميركيّ على نقاط للقوات الرديفة للجيش السوريّ في ريف دير الزور.
وردّت قوات الاحتلال الأميركيّ على هجوم الطائرة المسيّرة، بقصف مواقع جديدة للجيش السوري والقوات الرديفة والحليفة له داخل مدينة دير الزور وفي البادية بين مدينتيّ البو كمال والميادين قرب الحدود السورية – العراقية، فقد أعلنت قيادة قوات الاحتلال الأميركي عن "استهدافها منشآت يستخدمها عناصر من حرس الثورة الإيرانيّ، ومقتل 14 مقاتلاً موالياً لإيران" بينهم عناصر من المقاومة الإسلامية في لبنان – حزب الله، وذلك بعد اتّهامها طهران بشكل مباشر، بالوقوف وراء هجوم الحسكة، وقد ثبت عدم دقة هذه الادّعاءات، وعدم سقوط أيّ شهيد لحزب الله في منطقة شرقيّ الفرات مؤخّراً.
وبعد ارتفاع حدّة التصعيد الإعلامي الأميركيّ ضد إيران ودمشق وقوى محور المقاومة في سوريا والمنطقة، أعلن الرئيس الأميركيّ جو بايدن، في مؤتمر صحفي له مع رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، وفي أوّل تعليق له على الهجمات الأخيرة، أنّ "الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراعٍ مع إيران"، في الوقت الذي كان قادة "البنتاغون" يتوعّدون طهران ودمشق بالويل والثبور في شرقي سوريا، لتردّ طهران على لسان المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كيوان خسروي، بالقول إنّ "أيّ ذريعة لمهاجمة القواعد التي تمّ إنشاؤها بناءً على طلب الحكومة السوريّة للتعامل مع الإرهاب وعملاء داعش في شرقيّ سوريا، ستُقابَل على الفور بردّ فعلٍ مماثل"، وهذا بدوره، كان أوّل رد رسميّ إيرانيّ على التصريحات الأميركية المتهمة لطهران بالوقوف خلف هجوم الطائرة المسيّرة، وعلى الاعتداءات الأميركية الأخيرة على قواعد عسكرية سورية وحليفة في الشرق.
وذلك بعد بيان سوريّ رسميّ صدر عن وزارة الخارجية السورية، أدان "الاعتداء الآثم" الذي شنته قوات الاحتلال الأميركيّ على مواقع عسكرية في الشرق السوريّ، وأكّد حق سوريا في مقاومة المحتلّ وعزمها على "إنهاء الاحتلال الأميركيّ وبسط سلطة الدولة السورية على كامل أراضيها، ووقف الرعاية الأميركية ودعمها للميليشيات الإرهابية الانفصالية"، واتّهم البيان الولايات المتحدة بالعدوان والكذب للتغطية على مواصلتها سرقة ثروات الشعب السوري في المنطقة الشرقية، ومن ذلك تهريب 80 صهريجاً من النفط السوري المنهوب عبر معبر "الوليد" غير الشرعي على الحدود العراقية، وذلك بعد الاعتداءات الأميركية بساعات قليلة.
وبالتوازي مع التصعيد الإعلاميّ، وكما سرّعت واشنطن من خطواتها العدوانية بشكل مباشر أو عن طريق الاعتداءات الصهيونية وهجمات المجموعات الإرهابية المسلّحة، أقدمت الدولة السورية على تصعيد أنشطتها العسكرية في اتّجاه الشرق، حيث بدأت تعزيزات ضخمة وغير مسبوقة من عدة فرق عسكرية سوريّة، بينها فرق ميكانيكية ومدرّعة ومشاة ( قوات مهام خاصّة) بالعبور في اتّجاه شرقيّ البلاد، معزّزة بألوية صواريخ وكتائب دفاع جويّ، في الوقت الذي أخلت القوات الرديفة السورية وتلك التابعة للحلفاء، مواقعها في مدينة دير الزور، وأعادت انتشارها وتموضعها في المنطقة.
وتشير المعلومات إلى ملاحظة أساسية ولافتة هنا، تتعلّق برفع العلم الروسيّ على مواقع جديدة في دير الزور وجوارها، وهذا يشير إلى تنسيق واسع بين دمشق وطهران وموسكو على المستوى العسكري في شرقيّ سوريا، يبلغ مستوى التحضّر لمعركة حاسمة وشيكة، مع وجود قرار مشترك بمحاصرة قوات الاحتلال الأميركي في المنطقة هناك. ولهذا الغرض بالتحديد، نقلت موسكو في اليومين الأخيرين منظومات دفاع جوي جديدة من طراز إس 300 وبانتسير، ومنظومة حرب إلكترونيّة إلى مطار القامشلي، بالتزامن مع انتشار لواء صاروخيّ من الجيش العربيّ السوريّ داخل المطار.
يمكن القول، بناءً على المعلومات والمعطيات الميدانية في الشرق السوريّ، إنّه بات لدى دمشق وحلفائها من قوى محور المقاومة وروسيا، القوات والتجهيزات العسكرية الكافية لخوض معركة حاسمةٍ مع المحتل الأميركي وأدواته في الشرق. لكنْ، ولأنّ الأميركيّ سيتحاشى هذه المعركة لكونه غير قادر على خوضها بسبب عدم وجود قواتٍ عسكرية قتالية كافية من جهة، وعدم قدرته على التورّط في صراع عسكريّ جديد سيتوسّع، بمشيئة قوى محور المقاومة في المنطقة، من شرقي الفرات إلى شماليّ العراق ووسطه وجنوبه، أي إلى حيث تقع أو تتمركز كلّ قوة عسكرية أميركية في سوريا والعراق، وصولاً إلى الأروقة السياسية الأميركية الداخلية التي ستعصف في وجه إدارة بايدن.
فمن المُفترض أنْ تقتضي الخطة الأوليّة محاصرة القواعد الأميركية في الشرق السوريّ، وتصعيد الهجمات الصاروخية عليها، وزيادة في وتيرة هجمات الطائرات المسيّرة، والردّ على كلّ اعتداءٍ إسرائيليّ بقصف مواقع الاحتلال الأميركيّ تلك، كما ازدياد وتيرة المقاومة الشعبية السورية ضد مواقع "قسد" التي تحمي القواعد الأميركية، وبالتالي دفع قيادات "الإدارة الذاتية" الكردية أمام العجز الأميركيّ والتصعيد المقابل، إلى الرضوخ لمشيئة الدولة السورية، خصوصاً أنّ هذه التطورات المتوقّعة سوف تترافق مع تقدّمٍ على المسار السوريّ – التركيّ، الذي تعمل عليه موسكو وطهران بنشاط هذه الأيام، والذي بلغ في الأيام الأخيرة الماضية حدّ موافقة أنقرة على الشروط السوريّة المتعلّقة بوضع جدول زمنيّ لإنهاء الاحتلال التركيّ للأراضي السورية ووقف دعم المجموعات الإرهابية في الشمال، الأمر الذي ضمن موافقة دمشق على حضور الاجتماع الدبلوماسيّ الرباعيّ المزمع عقده يوم الإثنين في موسكو، بعد رفضها التام لحضوره أواسط الشهر الماضي.
وتلك عوامل ومستجدات تُقلق "قسد" كثيراً، فكيف إذا ارتبطت مع عجز أميركيّ عن الوقوف أمام قطار دمشق وحلفائها الذي يمضي بتلك السرعة اللافتة على مختلف الطرق الميدانية والسياسية والدبلوماسية.
من غير المتوقّع أنْ تستسلم واشنطن بسهولة أمام التطورات الجديدة، وأنْ تترك الأرض والثروات السورية لأصحابها، وتتخلّى عن مشروع التقسيم والفوضى، وتُسلّم لدمشق وموسكو وطهران بنصر جديد، لذلك ستدفع بالمجاميع الإرهابية في الشمال والبادية إلى تسعير هجوماتها واعتداءاتها، كذلك الأمر بالنسبة إلى الاعتداءات الإسرائيلية على الأرض السورية، والتي قد تزداد بشكل متصاعد في العدد والنوع خلال المرحلة الحالية والقصيرة القادمة، والتي ستستهدف القدرات العسكرية السورية بالدرجة الأولى، ونقاط وجود الخبراء الإيرانيين.
واشنطن ستفعل أيّ شيء، وكل شيء، لإطالة أمد الأزمة السورية وخلط جميع الأوراق لمنع تحقيق أيّ نصر لدمشق وحلفائها، لكنّ الواقع والوقائع كلها، تشير إلى أنّ واشنطن لن تستطيع حتى حماية قواتها في الشرق السوريّ، فثمة قرار مترافق مع حركة عسكرية كبيرة واضحة، قد اتّخذ بين دمشق وحلفائها، يقضي بأنْ تدفع الولايات المتحدة وقواتها المحتلة ثمناً سريعاً ومباشراً لكلّ عدوان قادم، وأنْ تصبح واشنطن أمام خيارين، إمّا سحب قواتها من الشرق السوري بعد محاصرتها وإنهاكها، أو بدء معركة واسعة وضارية لن تستطيع إدارة بايدن تحمّل نتائجها، أو حتى تغطية الكلفة السياسية والاجتماعية لدفعة واحدة من نعوش قتلاها التي ستصل إلى واشنطن منذ الجولة الأولى منها.