التطبيع.. رهان خاسر ومسار متعثر لحكومة نتنياهو

ما تداعيات فشل الرهان الإسرائيلي على دور السعودية التي قدمت العلاقة مع إيران على التطبيع مع "إسرائيل"؟ أي مشهد ينتظر المنطقة بعد كل هذه المتغيرات؟

  • التطبيع.. رهان خاسر ومسار متعثر لحكومة نتنياهو
    التطبيع.. رهان خاسر ومسار متعثر لحكومة نتنياهو

أحدثت المتغيرات الأخيرة في المنطقة، التي كان آخرها الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين إيران والسعودية برعاية صينية، انتكاسة كبيرة لـ"إسرائيل" التي راهنت على تطوير مسار التطبيع مع عدد من الدول العربية في المنطقة، وهو ما عبر عنه رئيس الائتلاف الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو بشكل علني، حين تحدث عن عزمه على تعزيز تطبيع العلاقات مع السعودية كمهمة أولية له.

جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وشكّلت خطوة الرياض بالتقارب مع إيران عبر اتفاق رعته بكين صفعة لنتنياهو وعقبة أمام تطلعاته لتوسيع دائرة التطبيع أو ما يطلق عليه اسم "اتفاقيات أبراهام"، فضلاً عن أنها مثلت فشلاً ذريعاً لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في سعيها لمنع الصين من تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط.

ثمة أسئلة جوهرية تطرح نفسها أمام تعثر مسار التطبيع وفشل الرهان الإسرائيلي على تطويره بعد عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم مرة أخرى، وفشلها أكثر من ذي قبل في تشكيل تحالف عسكري أمني إسرائيلي عربي لمواجهة إيران.

من هذه الأسئلة: أين يقف مسار التطبيع من الاتفاق الإيراني السعودي؟ وما مستقبل العلاقات بين الدول العربية المطبعة و"إسرائيل"؟ وما تداعيات فشل الرهان الإسرائيلي على دور السعودية التي قدمت العلاقة مع إيران على التطبيع مع "إسرائيل"؟ أي مشهد ينتظر المنطقة بعد كل هذه المتغيرات؟

مشروع التطبيع الذي أرادته "إسرائيل" في المنطقة وقطعت شوطاً ملحوظاً فيه مع 4 دول عربية لم يعد قائماً بالشكل الذي خططت له. تتعزز تلك النتيجة بين حين وآخر. ولطالما أشرت في مقالات سابقة إلى أن التطبيع مع الدول العربية لا مستقبل له على المدى البعيد، إذ إن قراءة مسار التطبيع في هذه المرحلة يجب أن تكون على مستويين أساسيين، دولياً وإقليمياً، في ظل صعود قوى وتراجع نفوذ قوى أخرى.

ترافق هذه المستويين أزمات متعددة متفرعة، بدءاً من أزمة بنيوية تعيشها أميركا، وأخرى غير مسبوقة تعيشها "إسرائيل"، من جهة، وصولاً إلى معطى مهم ومحوري يتمثل بقوة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وتأثيرهما في المشهد من جهة أخرى.

هذه الأزمات والمعطيات فرضت على المنطقة ميزان قوى جديداً يختلف عن ميزان القوى السابق. ومنذ اللحظة التي أعلن فيها اتفاق إيران والسعودية برعاية الصين بشكل رسمي، بدأت مرحلة جديدة على صعيد صورة إيران في المنطقة ومكانتها وعلاقتها بدول عربية كانت سابقاً تنصب لها العداء، بعدما وظفتها "إسرائيل" بشكل سلبي عبر دعاية منظمة تصب في مصلحتها لتخويف بعض الدول من النفوذ الإيراني وخطره على المنطقة وابتزازها بتوقيع اتفاقيات تطبيع معها.

إذاً، يشكل الاتفاق السعودي الإيراني انتصاراً سياسياً لإيران ودبلوماسيتها، ويمثل عقبة كبرى في وجه تطوير مسار التطبيع مع "إسرائيل"، ويعد أحد أهم الأسباب التي تعزز تعثره وفشله، كما أنه يحول دون الرضوخ العربي للإملاءات الأميركية والابتزاز الإسرائيلي للانخراط في اتفاقيات تطبيع جديدة.

من الواضح أن مناخاً سياسياً جديداً بدأ يتشكل في المنطقة، يتمثل بنسج علاقات عربية ثنائية أو أكثر، ويعكس حالة تراجع واضحة للهيمنة الأميركية على الدول العربية. هذا الأمر يتجسد من خلال اتفاق عودة العلاقات الإيرانية السعودية، ثم عودة العلاقات بين سوريا ومصر، والزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية السوري إلى القاهرة للمرة الأولى منذ العام 2011، ثم اللقاء الرباعي الذي جرى بين تركيا وسوريا وروسيا وإيران في موسكو، ثم الحديث عن انفراجة مرتقبة في العلاقات بين سوريا والسعودية في الآونة الأخيرة.

المناخ العربي الجديد الذي بدأ يتشكل سيؤثر بشكل مباشر في حركة التطبيع مع "إسرائيل". على الصعيد الدولي، شهد مسار التطبيع خسارة كبيرة لأهم حليفين إستراتيجيين كانا في السابق يصمتان أو لا يعترضان على اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل" بشكل مباشر، هما روسيا والصين اللتان كانت لهما علاقات مباشرة مع "إسرائيل"، لكن الموقف الإسرائيلي من الحرب الأوكرانية جعل تلك الدولتين ترفضان مسار التطبيع بمواقف أكثر وضوحاً تجاه "إسرائيل" ونفوذها في المنطقة.

ثمة نتيجة واضحة في المشهد هي التي دفعت المناخ الجديد نحو التشكل الآن، تتمثل بنجاح محور المقاومة في التقدم. لقد نجحت إيران، بصفتها دولة قوية، واستطاعت في أن تفرض نفسها، وأن تكون قادرة على الدفاع عن ذاتها والتصدي لكل المؤامرات الخارجية والداخلية التي تحاول النيل منها، بعدما أصبحت تمتلك مقدرات كبيرة وترسانة عسكرية متعددة الصناعات، وغدت صاحبة نفوذ سياسي وعسكري قوي في منطقة الشرق الأوسط.

خيارات "إسرائيل" التي تعيش أزمة داخلية غير مسبوقة بفعل المناخ الجديد باتت محدودة خلال هذه المرحلة. كل الدول التي أقامت معها علاقات ترغب اليوم، ومع المناخ الجديد، في الانفتاح أكثر على الصين وروسيا وإيران وتجميد علاقاتها مع "إسرائيل" وأميركا، انسجاماً مع مصالحها، وتماشياً مع موازين القوى الجديدة التي تتشكل حالياً.

أمام التحول الجديد في المناخ السياسي، أيقنت بعض الدول العربية المطبعة مع "إسرائيل" أن الاستمرار في مسار التطبيع سيؤدي في النهاية إلى تقويض شرعيتها على أيدي شعوبها التي ترفض فكرة التطبيع والتعايش مع "إسرائيل" مطلقاً، فيما تلاشت فكرة التطبيع مع السعودية، ولم تعد المراهنة عليها كما كانت سابقاً، لإدراك المملكة أن الإدارة الأميركية لم تعد المظلة الأمنية الحامية لها، وهو ما جعلها تلجأ إلى مسار تصفير المشكلات مع دول المنطقة، بما فيها إيران.

ترغب أميركا و"إسرائيل" في نسف بيئة المناخ السياسي الجديدة التي بدأت تتشكل في المنطقة أو في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء تحت مظلة الإدارة الأميركية، لكنهما، ومع الواقع الجديد، لا تملكان القدرة لتحقيق ذلك، نظراً إلى الظروف التي تمران بهما في ظل استمرار الأزمة الأوكرانية الروسية والأزمة الداخلية في "إسرائيل"، ما يجعل القدرة على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء مهمة صعبة وغير متاحة الآن. 

موازين قوى جديدة باتت تتحكّم في المشهد الجديد، والواقع بات يصب في مصلحة تحالف مناهض لـ"إسرائيل" وأميركا ورافض لسياستهما، فأوراق القوة لم تعد كلها بيد أميركا، كما أن "إسرائيل" تعيش أزمة وانقساماً وصراعات سياسية كبيرة أمام تقدم قوي للصين وروسيا وإيران ودول عربية رافضة لفكرة دمج "إسرائيل" أو التعايش معها. 

وحتى تكتمل الصورة، هناك موازين قوى أخرى، تتمثل بالمقاومتين في لبنان وفلسطين، اللتين أصبحتا محل تأثير وثقل سياسي وعسكري كبيرين، يمكن الاعتماد عليهما كجزء لا يتجرأ من حال الاصطفاف والمناخ الجديد.

تتصاعد التظاهرات في "إسرائيل" ضد حكومة بنيامين نتنياهو، وخصوصاً بشأن مسألة التعديلات القضائية، فيما تتسع دائرة الاحتجاج ويتنامى القلق لدى الإسرائيليين من وصول الأمور إلى حرب أهلية أو تداعيات أمنية مختلفة.