الإمبريالية الأميركية.. الدولة المفترسة تكتب فصل النهاية للهيمنة الأحادية القطبية
إحدى الآليات التي يتم من خلالها التعبير عن المعايير العالمية للهيمنة تتجسد في السياسات التي تعمل عليها القوى المفترسة عبر المنظمات الدولية.
لطالما كانت القضية الفلسطينية محوراً للنقاش العالمي، وخصوصاً في ما يتعلق بالدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.
إن العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" هي علاقة عضوية. تجلى ذلك بوضوح من خلال الموقف الأميركي الداعم بلا حدود للكيان الإسرائيلي، خصوصاً في حصاره الجائر على قطاع غزة منذ ما يقارب عقدين من الزمن، والذي توج بحرب الإبادة والتجويع التي تمارسها آلة الحرب الصهيونية بدعم كامل ومساندة من الإدارة الأميركية.
ولن نحتاج إلى جهد كبير إذا أردنا استكشاف الدور الذي تؤديه الولايات المتحدة في حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك حرب التجويع تجاه الشعب الواقع تحت حصار محكم، من خلال عدسة نظرية الدولة المفترسة كما طرحها لاري دياموند.
الإطار التاريخي والسياسي
إن قطاع غزة، المنطقة الصغيرة التي لا تتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً، والمكتظة بالسكان، التي يعيش فيها ما يزيد على مليوني نسمة، وتقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، شهد حصاراً وعدواناً من قبل القوات الصهيونية على مدار عقدين ونيف من الزمان، بدعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية التي أدت دوراً محورياً في ديناميكيات العدوان والحصار، سواء من خلال الدعم المباشر الكيان الصهيوني أو من خلال نشاطها السياسي والدبلوماسي في المنطقة، في إطار سعيها الدائم للهيمنة على منطقة "الشرق الأوسط" لما تملكه من مقومات جيوسياسية متمثلة في ثروات طبيعية ومصادر الطاقة وممرات مائية مهمة..
الدعم الأميركي للكيان
من المعلوم أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر مانح للمساعدات العسكرية للكيان الصهيوني. هذه المساعدات تُستخدم في العدوان على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، ما يعني أن السلاح الأميركي أداة في يد العدوان على الشعب الفلسطيني.
والدعم لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يمتد ليشمل الدعم السياسي في المحافل الدولية، فغالباً ما تستخدم الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لمصلحة الكيان الإسرائيلي ضد القرارات التي قد تدين ممارساتها العدوانية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة.
حرب التجويع
إن الحصار المفروض على قطاع غزة، الذي تدعمه الولايات المتحدة من خلال تأييدها السياسات الإسرائيلية، يندرج تحت جريمة حرب التجويع، إذ إن هذا الحصار يعوق وصول الغذاء والموارد الأساسية، ما يضع السكان المدنيين في ظروف قاسية، وجميع تقارير المؤسسات الدولية الإنسانية تشير إلى أن هذه السياسات تؤدي إلى معاناة إنسانية هائلة وتُعد خرقاً للقانون الدولي الإنساني.
الدولة المفترسة
لقد استخدم المفكّر السياسي وعالم الاجتماع والكاتب الصحافي الأميركي لاري دياموند مفهوم "الدولة المفترسة" كدولة تستغلّ مواردها ومواطنيها لمصلحة النخب الحاكمة من دون مراعاة للعدالة أو الرفاهية العامة، ولا يوسعه ليشمل الدول التي تفترس غيرها من الدول والشعوب، كالذي تفعله أميركا والكيان، لكننا نرى أنه في سياق ممارسات الولايات المتحدة الأميركية والكيان الإسرائيلي يُمكن تطبيق هذا المفهوم على الدور الأميركي في دعم السياسات االصهيونية التي تفضي إلى استغلال الشعب الفلسطيني وقمعه في قطاع غزة والضفة الغربية.
هذا الدعم لا يظهر تجاهلاً للحقوق الإنسانية فحسب، ولكنه يعزز أيضاً استمرار الوضع القائم الذي تستفيد منه سلطة الكيان على حساب الشعب الفلسطيني الواقع تحت نير الاحتلال الصهيوني.
إن إحدى الآليات التي يتم من خلالها التعبير عن المعايير العالمية للهيمنة تتجسد في السياسات التي تعمل عليها القوى المفترسة عبر المنظمات الدولية؛ ففي الواقع تعمل تلك المنظمات الدولية كعملية تتطور من خلالها مؤسسات الهيمنة وأيديولوجيتها.
النتائج والآفاق المستقبلية
في ظل الدعم الأميركي المستمر لـ"إسرائيل"، تظل حرب الإبادة والحصار على قطاع غزة من دون تغيير جذري، إذ إنَّ الدعوات الدولية لإنهاء الحصار وتحسين الأوضاع الإنسانية تصطدم دائماً بالواقع السياسي الذي تشكله السياسات الأميركية والإسرائيلية، ما يتطلب موقفاً واضحاً وقوياً من المجتمع الدولي عبر إعادة النظر في السبل التي يمكن من خلالها معالجة هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة بطريقة تحقق العدالة وتحترم الحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة..
من خلال رصد الدور الأميركي في هذا السياق، يمكننا أن نرى أن السياسات الأميركية المناهضة لحق الشعوب في التحرر والداعمة لكيان يمارس جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية طبقاً للتعريف المثبت في المادة 7 من قانون المحكمة الجنائية الدولية يضع الولايات المتحدة في موقع الدولة المفترسة تطبيقاً للقانون المدني الذي ينص على أن المتبوع يكون مسؤولاً عن الضرر الذي يحدثه تابعه بممارساته غير المشروعة.
الأمر ينطبق على دولة الكيان الصهيوني التي تضرب عرض الحائط بكل قواعد القوانين الدولية التي تهدف إلى حماية المدنيين في الحرب طبقاً لاتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول المتمم لاتفاقية جنيف عن ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية، إذ تنص المادة الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة على حماية السكان المدنيين والمنشآت الحيوية والأعيان الثقافية وحظر التهجير والترحيل القسري للمدنيين.
ونحن نرى أنَّ الإمبريالية الأميركية من خلال تحولها إلى دولة مفترسة تكتب فصل النهاية للهيمنة الأحادية القطبية.