إردوغان يناور في حديقة الناتو للحصول على مكتسبات
تتصرف فنلندا والسويد بناءً على افتراض أن تركيا لا تريد إضعاف الناتو، وأن معارضة إردوغان هدفها انتزاع تنازلات من أميركا.
أثارت عضوية السويد وفنلندا في الناتو إشكالاً بالنسبة إلى البلدين مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الرافضة لهذه العضوية، على الرغم من أن البلدين يعتبران انتماءهما إلى حلف الأطلسي ضرورة بالنسبة لهما وللولايات المتحدة في ظل الاصطفاف الغربي بوجه روسيا وضرورة تطويقها. كان الرئيس التركي واضحاً عندما قال إن تركيا لا تعارض توسيع الناتو، لكن من حقها أن توضح موقفها من الإرهاب في الدول التي تريد الدخول في المظلة الأمنية نفسها مثل تركيا.
وكانت الولايات المتحدة قد اتخذت قراراً بحظر توريد المعدات العسكرية إلى تركيا بعد عملية "غصن الزيتون " في عفرين في سوريا 2019، فاستجابت كل من السويد وفنلندا لهذا الطلب، وكانت تركيا قد طالبت الدولتين في إثر محاولة انقلاب 2016 بتسليم الأشخاص المحكوم عليهم في تركيا كونهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني ومنظمة فتح الله غولن. إلا أن سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السياسيين المتبعة في البلدين لا تلبي طلب إنقرة، ولا سيما أن الاتصالات التي تقيمها كل من فنلندا والسويد مع قوات سوريا الديمقراطية هي امتداد للعلاقة الأميركية القائمة مع هذه القوات في سوريا منذ عام 2014، بذريعة محاربة "داعش".
مخاوف حقيقية من فيدرالية أو كونفيدرالية كردية في سوريا
ترى أنقرة أن الولايات المتحدة تحاول إنشاء منطقة كردية في سوريا تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، بعد أن أعلنت مؤخراً للمستثمرين الأميركيين أنها ستستثني المناطق التي تسيطرعليها قوات سوريا الديمقراطية من العقوبات، والتي تنشئ شبه دويلة تعتبرها تركيا إرهابية. يعتبر الملف السوري من أبرز الملفات الخلافية بين الدولتين في ظل رفض أنقرة لسياسة واشنطن مد قوات سوريا الديمقراطية بأحدث ما أنتجته مصانع الأسلحة الأميركية، والوعود التي قطعتها لهم ومساعدتهم في بناء كيان سياسي لهم في مناطق نفوذ تخضع لحكم ذاتي بعيداً عن سلطة الدولة السورية، سواء كان ذلك عبر إعلان فيدرالية أو كونفيدرالية في الشمال السوري. يعترض إردوغان على دخول فنلندا والسويد إلى الناتو كعضوين، كما تريد الولايات المتحدة لتطويق روسيا بدول الناتو، لأنها تشكل لجوءاً سياسياً للكرد الذين يخططون للحكم الذاتي ليس فقط في سوريا وإنما أيضاً في تركيا، لكنه في الوقت عينه، يعي محدودية قدرات تركيا التي تعاني اقتصادياً، وفي ظل انقسام واستقطاب حاد قبل أشهر من انتخابات 2023 التي ستحدد مصيره السياسي .
يذكر إردوغان الولايات المتحدة بالوعود التي قطعتها لتركيا بعد انقلاب عام 1980 مقابل إذن من أنقرة لليونان بالعودة إلى الجناح العسكري لحلف شمال الأطلسي، الذي غادرته اليونان خلال أزمة قبرص عام 1974، وكيف عادت بعد ذلك اليونان إلى الجناح العسكري لحلف شمال الأطلسي، وتم قبولها في الاتحاد الأوروبي فيما بقيت تركيا خارجه لغاية اليوم. وفيما تتدفق الأسلحة العسكرية الأميركية إلى الأراضي اليونانية، ويتم نشر أكثر من 23 موقعاً استراتيجياً منها تراقيا الغربية وخليج سودا بجزيرة كريت القريبة من الحدود التركية اليونانية، تتعرض تركيا للنقد من الولايات المتحدة كحليف غير موثوق، في حين باتت القواعد العسكرية في اليونان تضم الأسلحة الثقيلة ومئات من العسكريين وعلى مرمى حجر من حدود تركيا.
إردوغان: مصداقية أم مناورة ومكاسب؟
تعتمد السويد وفنلندا على الولايات المتحدة لجعل تركيا تصوت لعضويتهما في الناتو، وتتصرفان على أساس افتراض أن تركيا لا تريد إضعاف الناتو، وتعلمان أن معارضة إردوغان هدفها انتزاع تنازلات من أميركا.
هل يمكن أن يكون مطلب أنقرة هو السماح ببيع طائرات F-16 لتركيا، مع احتمال تأجيلها إلى ما بعد انتخابات 2023؟ هل هذا يعني أن إردوغان لن يدعم عضوية الناتو من دون تقديم تنازلات ملموسة من السويد وفنلندا بشأن شخصيات مطلوبة جرى تقديم لوائح بأسمائها، أم أن المطالب ستشمل الاقتصاد؟ وهل سيتحمل إردوغان مواجهة ضغوط الولايات المتحدة وألمانيا وإنكلترا وفرنسا؟
الرئيس الأميركي جو بايدن استقبل رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون والرئيس الفنلندي سولي نيسيتو يوم 19 أيار/ مايو في البيت الأبيض وقال لهما إنهما مدعومان من الولايات المتحدة في سعيهما للحصول على عضوية الناتو، وكأن جميع أعضاء الناتو قد وافقوا على توسيع الحلف، ولم يحسب حساباً لتصريحات إردوغان بل أوكل الأمر لوزير خارجيته بلينكن في محادثاته مع وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو. الرئيس الأميركي صديق قديم لإردوغان، ويعلم أن للرجل مطالب منها إعادة حرارة العلاقة معه إلى سابق عهدها، إلا أن هذا المطلب أصبح صعب المنال في ظل سياسات إردوغان الخارجية التي أضرت بتحالفه مع واشنطن.
في ظل الرفض الإردوغاني، وجد الرئيس الكرواتي في مناورات تركيا مبرراً لبلاده لفرض مطالبه، إذ يمكن للدول الصغيرة ككرواتيا، على وجه الخصوص، أن تجد فرصة لطلب تنازلات من دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وفرنسا من خلال الاستفادة من طرق السويد وفنلندا باب التصويت. كل المؤشرات في أنقرة تشير إلى أن تركيا ستوافق إذا تم التوصل إلى إجماع معين، خصوصاً إذا خففت السويد من موقفها من حزب العمال الكردستاني وأجنحته، إذ سيكون موقف الولايات في هذا الموضوع هو الفيصل.
فيتو تركيا على انضمام السويد وفنلندا لا يعني نهاية انضمامهما إلى الناتو، أو نهاية عضوية تركيا في الناتو كما أعرب بعض المعلقين. الولايات المتحدة تريد الموافقة على العضوية في أقرب وقت ممكن، فلا يمكن لتركيا أن تتخلى عن الناتو، ولا يمكن للولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى أن تضحي بتركيا في وسط البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط وبحر قزوين. فإردوغان مرتهن للوضع التركي الداخلي في انتخابات رئاسية صعبة للغاية، على خلفية المشاكل الاقتصادية التي لم تحلّ في البلاد. وسيكون إظهار الضغط على الولايات المتحدة مفيداً أكثر من أي وقت مضى لتعزيز مكانته.
لذلك، ستستمر المفاوضات الدبلوماسية إلى حين موعد قمة الناتو التي ستعقد في مدريد يومي 28 و 29 حزيران/ يونيو حيث سيكتمل عقد الشركاء، وربما سيرفع البلدان( فنلندا والسويد) حظر الأسلحة المفروض على تركيا، وربما سيتم دعم تركيا مالياً في حل مشاكلها الاقتصادية. كل ذلك يتوقف على رد فعل الولايات المتحدة، التي تعتبر تركيا شريكاً مناكفاً ومتطلباً ولا يستجيب إلى مطالبها السياسية.