أصوات في "إسرائيل": "الخراب الثالث" آتٍ
أقرّ الكنيست الإسرائيلي بنداً أساسياً ومهماً في خطة التعديلات القضائية التي اقترحتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يسمى "بند المعقولية".
توافق هذا الأسبوع ذكرى ما يسميه اليهود "خراب الهيكل"، وهي مناسبة دينية تشهد اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى كل عام. يقول اليهود إن "الهيكل"، وهو المعبد الذي بناه "الملك سليمان"، تعرض للتخريب مرتين، ويزعمون أن موقعه هو مكان مسجد "قبة الصخرة"، رغم أن الحفريات الأثرية المستمرة لم تجد أي دليل على ذلك.
بحسب الأساطير اليهودية، شُيّد الهيكل في فترة عهد الملك سليمان، ودُمر في المرة الأولى على يد نبوخذ نصر عام 587 قبل الميلاد. أما "الخراب" الثاني، فحلّ على يد الرومان عام 70 ميلادية.
تأتي الذكرى هذا العام في وقت تعاني "إسرائيل" مشكلات داخلية عميقة تجعل العديد من اليهود يخشون "الخراب الثالث" العظيم الذي ينهي "دولتهم" إلى الأبد، كما حصل في عصور غابرة، فهل تتحقق النبوءات ويأتي الخراب؟
هذا الأسبوع، أقرّ الكنيست الإسرائيلي بنداً أساسياً ومهماً في خطة التعديلات القضائية التي اقترحتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، يسمى "بند المعقولية"، وهو بند يمنع المحكمة العليا من إلغاء أي قانون تعتبره "غير معقول".
ماذا يعني "بند المعقولية"؟
مبدأ "المعقولية" هو مبدأ قانوني سائد في القوانين الداخلية والقانون الدولي.
أ- في القانون الدولي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ربطت محكمة العدل الدولية مبدأ "المعقولية" عام 2009 بتطبيق "التدابير المؤقتة" التي يمكن للمحكمة اتخاذها بموجب المادة 41 من نظامها الأساسي.
تطبّق المحكمة بند "المعقولية" للتأكّد من أنَّ الحقوق التي تدّعيها الدول المتقدمة بالطلب موجودة فعلاً بموجب القانون الدولي. وقد طورت المحكمة لاحقاً مبدأ "المعقولية" إلى مستوى أعلى، أي يفترض بالمحكمة تقييم ما إذا كان السلوك المزعوم للدولة المدعى عليها ينتهك فعلاً الحقوق التي أكَّدتها الدولة المدعية.
ب- أما على صعيد القوانين الوطنية، فيطبق العديد من الدول مبدأ "المعقولية" في نظامه القضائي، وذلك لتحديد مدى دستورية أو "معقولية" قرارات حكومية معينة وانطباقها على الدستور أو مبادئ الإنصاف.
ج- في "إسرائيل": تطبق "إسرائيل" هذا المبدأ، إذ أخذته من سلطات الانتداب البريطاني التي كانت تطبقه في فلسطين قبل عام 1948.
وبما أنَّ "إسرائيل" ليس لديها دستور لتعطي المحكمة العليا صلاحية القرار في مدى انطباق الأعمال الحكومية على أحكام الدستور، فإن المحكمة العليا أعطيت صلاحية الرقابة القضائية على عمل وقرارات السلطة التنفيذية، المتمثلة بالحكومة ووزاراتها والهيئات الرسمية التابعة لها، وأيضاً صلاحية إقالة الوزراء، وهو ما فعلته المحكمة مع حكومة نتنياهو الأخيرة، إذ عمدت إلى إقالة الوزير أرييه درعي المدان بتهمة التهرب الضريبي.
ويقول الإسرائيليون المؤيدون لاستمرار هذا المبدأ إن مبدأ المعقولية، إضافةً إلى القوانين الوضعية السائدة في البلدان المتحضرة، يرتبط "بالقانون اليهودي الذي له تاريخ طويل في التأكيد على المعقولية والإنصاف في اتخاذ القرارات القانونية، وذلك عبر مبدأ "derech eretz" ("طريق الأرض") الذي يحدد السلوك الأخلاقي والسلوك المعقول، ويوجّه الأفراد إلى التصرف بطريقة عادلة ومنصفة ومراعية للآخرين"، بحسب ما تؤكد اللجنة اليهودية الأميركية في دراسة عن هذا الشأن.
هل "إسرائيل" مقبلة فعلاً على خراب؟
المعلوم أن "إسرائيل" منذ تأسيسها قامت على دعامتين: "الجيش" الإسرائيلي، إذ وصف ديفيد بن غوريون "إسرائيل" بأنها "مجتمع المحاربين"، والدعم الخارجي غير المحدود، وخصوصاً الأميركي.
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى التصدعات في كلا الدعامتين:
1- "مجتمع المحاربين"
نقلت صحيفة "إسرائيل اليوم" عن ضابط احتياط إسرائيلي أن "إسرائيل" تعيش أزمة داخلية غير مسبوقة هي الأخطر منذ تأسيسها عام 1948، وأضاف: "إسرائيل منقسمة بين قبيلتين كبيرتين، كل منهما مقتنعة بطريقتها الخاصة، وتعمل على فرضها على الآخرين... وأنَّ الصدع أكبر من أيّ وقت مضى، وهو أكبر خطر على إسرائيل، إذ إننا قريبون جداً من تدمير الدولة".
يعاني "المجتمع" الإسرائيلي انقسامات جوهرية عمودية، إضافة إلى العنصرية والتفاوت الطبقي، ويعاني أيضاً ازدياداً في أعداد المتدينين من الحريديم، وسيطرة اليمين الديني المتطرف على السلطة السياسية، ما يؤدي إلى التخوف من انزلاق "إسرائيل" نحو الفاشية الدينية.
ويرى المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" روغيل ألفير أن التغييرات الديمغرافية داخل "إسرائيل" تشير إلى أن "الحريديم سوف يُشكلون أكبر عدد من المجتمع الإسرائيلي، وأن الاقتصاد الإسرائيلي سينهار، وستصبح إسرائيل دولة متخلفة، والجزء الأكبر من سكانها يعاني جرّاء الجهل الذي يبدأ بعدم حصول طلاب الحريديم على التعليم الأساسي في المدارس الابتدائية".
أما "الجيش"، فهو يعاني مشكلات متعددة كشفتها الحروب المتعددة مع لبنان ومع الفلسطينيين، ويعاني أيضاً التهرب من الخدمة، وخصوصاً لدى المتدينين من "الحريديم" الذي يتذرعون بالدين للتهرب من الخدمة العسكرية. وفي الآونة الأخيرة، أعلن آلاف العناصر من الاحتياط تركهم الخدمة، وهدد 70% من طياري سلاح الجو بالإضراب اعتراضاً على قانون "إصلاح القضاء".
2- الدعم الخارجي
لن يتوهم أحد أن المساعدات الشاملة وغير المسبوقة التي تقدمها الولايات المتحدة لـ"إسرائيل" ستتوقف أو أن الدعم الغربي، وخصوصاً الأوروبي، سيتوقف، ولكن ما لم يكن توقعه ممكناً في وقت سابق بدأ يشق طريقه إلى العلن؛ فبعد مقال "نيويورك تايمز"، دعا السفير الأميركي السابق لدى "إسرائيل" والمبعوث الخاص السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية مارتن إنديك "إسرائيل" إلى البدء "بفطام نفسها عن اعتمادها على المساعدة العسكرية الأميركية".
وبشأن التعديلات التي أقرّها الكنيست، قال إنديك: "إنه يوم مظلم للغاية بالنسبة إلى إسرائيل. في تاريخها الممتد 75 عاماً، لم تواجه هذا النوع من التهديد لوحدتها بسبب حكومة متطرفة تدفع أجندة تشريعية مناهضة للديمقراطية وتولد معارضة كبيرة... إنه أمر خطر للغاية، ليس على التماسك الداخلي لإسرائيل فحسب، ولكن على الرسالة التي ترسلها إلى أعدائها أيضاً".
في المحصلة، قد يتأخر الخراب قليلاً، ولكن يبدو أنه قادم إلى "إسرائيل" لا محالة.