أزمة كوريا الجنوبية...اضطرابات سياسية في ظل وضع دولي معقد

تثير الأوضاع السياسية المتأزمة في كوريا الجنوبية قلق صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية واليابان وأوروبا، إذ كان يون سوك يول شريكهم في التعامل مع التحديات المشتركة، بما في ذلك الصين.

0:00
  • من المحتمل أن تبقى كوريا الجنوبية تعيش حالة من عدم اليقين السياسي.
    من المحتمل أن تبقى كوريا الجنوبية تعيش حالة من عدم اليقين السياسي.

تصاعدت التوترات السياسية في كوريا الجنوبية، بعد تصويت الجمعية الوطنية (البرلمان)، الذي تهيمن عليه المعارضة، على عزل رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، بسبب فرضه الأحكام العرفية، بعد محاولة فاشلة لعزله، ما جعله ثالث رئيس كوري جنوبي يتم تعليق صلاحياته من خلال تصويت الجمعية الوطنية، وإحالة مذكرة عزله إلى المحكمة الدستورية. 

ففي العام 2016، أدانت المحكمة الدستورية الرئيسة السابقة، بارك كون هيه، بتهم الفساد بعد 3 أشهر من موافقة البرلمان على مشروع العزل. أما الحالة الثانية ، فهي قضية الرئيس السابق، روه مو هيون، الذي رفضت المحكمة الدستورية عزله، بعد شهرين من موافقة البرلمان على مشروع العزل، وأعادته المحكمة الدستورية إلى منصبه.

بعد إحالة مذكرة عزل الرئيس يون سوك يول إلى المحكمة الدستورية، لدى المحكمة 180 يوماً لتقرر ما إذا كان الرئيس يون مذنباً بالجرائم التي اتهمته بها الجمعية الوطنية أو تقرر إعادته إلى منصبه. فإذا قررت عزل الرئيس، تُجرى انتخابات رئاسية مبكرة خلال 60 يوماً. 

وبحسب استطلاعات الرأي، فإن زعيم الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي ميونغ، هو الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية المحتملة في حال إطاحة الرئيس يون.

وبعد أقل من أسبوعين على قبول البرلمان عزل رئيس كوريا الجنوبية، وافقت الجمعية الوطنية مؤخراً على عزل رئيس الوزراء، هان داك سو، الذي كان يتولى صلاحيات رئيس الجمهورية بالإنابة بسبب رفضه تعيين 3 قضاة إضافيين في المحكمة الدستورية للنظر في طلب عزل الرئيس يون، إذ تتألف المحكمة حالياً من ستة قضاة من أصل 9. 

وبالتالي، من أجل عزل الرئيس يون، يجب أن يوافق القضاة الستة على مذكرة العزل، فإذا رفض قاض واحد العزل أعيد الرئيس يون إلى منصبه، لذلك تحاول المعارضة تعيين القضاة الثلاثة الآخرين، إذ تحتاج الموافقة على العزل  إلى موافقة 6 قضاة من أصل 9. 

فيما رأى رئيس الوزراء هان  أن وضعه كرئيس بالوكالة لا يخوّله القيام بتعيينات مهمة، واشترط أن يتم تعيين القضاة الثلاثة بالتوافق بين حزب سلطة الشعب الحاكم والمعارضة. كما استخدم حق النقض ضد ستة تشريعات في غضون أسبوع واحد فقط.

بعد موافقة البرلمان على عزل رئيس الوزراء هان، أنيطت صلاحيات رئيس الجمهورية ورئاسة الوزراء بالإنابة إلى وزير المالية، تشوي سانغ موك، الذي كان متورطاً في فضيحة الفساد التي تورطت فيها الرئيسة السابقة، بارك كون هيه، في عام 2016 ، لكن الرئيس يون أعاد تعيينه في عام 2022.

ومن غير الواضح ما إذا كان الوزير تشوي سيستخدم النقض ضد مشاريع القوانين التي تقدمها المعارضة ويرفض تعيين القضاة الثلاثة، وبالتالي عزله من قبل البرلمان. 

في حال وافقت المحكمة الدستورية على عزل الرئيس يون ومحاكمته، فإن عقوبة التمرد المتهم بها تصل إلى السجن مدى الحياة أو الإعدام، مع أن كوريا الجنوبية لم تشهد حالة إعدام منذ العام 1997.

أما في حال رفضت المحكمة عزل الرئيس يون، فيعاد إلى منصبه، لكن الرئيس يون لا يتمتع بشعبية بين المواطنين، خاصة بعد فضائح الفساد التي طالته وزوجته، فضلاً عن التجاذبات السياسية مع المعارضة والجمود السياسي الذي كانت تعيشه البلاد، وبالتالي إذ استمر يون في منصبه لغاية العام 2027، العام الذي تنتهي فيه فترة ولايته الرئاسية، سينعكس ذلك سلباً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكوريا الجنوبية التي شهدت عملتها، بعد موافقة الجمعية الوطنية على عزل رئيس الوزراء، تراجعاً إلى أدنى مستوى لها منذ 16 عاماً أمام الدولار.

ولكن، من المحتمل إزاء الضغط الشعبي والجمود السياسي الذي ستعيشه البلاد بسبب النزاعات بين الرئيس يون والمعارضة، في حال إعادته إلى منصبه، أن يضطر الرئيس إلى التنحي والاستقالة حفاظاً على الأوضاع الأمنية والاقتصادية للبلاد، فتجري انتخابات رئاسية مبكرة خلال مهلة شهرين.

تثير الأوضاع السياسية المتأزمة في كوريا الجنوبية قلق صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية واليابان وأوروبا، إذ كان يون سوك يول شريكهم في التعامل مع التحديات المشتركة، بما في ذلك الصين، والتهديدات النووية لكوريا الشمالية، والتغيرات في سلاسل التوريد العالمية. 

وقد حاول وزير المالية تشوي طمأنة حلفاء كوريا الجنوبية، مثل الولايات المتحدة واليابان، بأن سياسة كوريا الجنوبية الخارجية لن تتغير، وأمر بتعزيز استعداداته لإحباط أي عدوان كوري شمالي محتمل. 

تأتي محاكمة الرئيس يون في الوقت الذي يزداد فيه التوتر والتصعيد بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية، واتهام سيول لـ بيونغ يانغ بإرسال قوات عسكرية إلى روسيا، واستعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، والذي من المحتمل أن يفرض رسوماً جمركية على السلع من كوريا الجنوبية، ويلزم سيؤول التي وصفها بأنها ماكينة نقود، دفع المزيد من الأموال لقاء بقاء القوات الأميركية على أراضيها أو تقليص عدد قواته. 

وإذا كان عدد من زعماء العالم يتحضرون للقاء ترامب بهدف إجراء مباحثات لتخفيف الرسوم الجمركية المحتمل فرضها على الواردات الأميركية، فإن كوريا الجنوبية تفتقر إلى رئيس قوي يتولى عملية المباحثات. ولقاء ترامب كان محط اهتمام الرئيس يون سوك يول، الذي بدأ يتدرب على لعبة الغولف، اللعبة المفضلة للرئيس ترامب، استعداداً لاجتماعات مستقبلية مع الرئيس الأميركي. 

وفي حال أجريت انتخابات رئاسية بعد عزل الرئيس يون سوك يول، وفاز رئيس الحزب الديمقراطي المعارض، لي جاي ميونغ، في حال ترشحه للانتخابات، ستشهد فترة رئاسته تخفيفاً للتوترات مع بيونغ يانغ، وسيثير فوزه قلق واشنطن لأن سياسته تختلف نوعاً ما عن سياسة الرئيس الحالي الذي حاول التقرب إلى واشنطن وإنشاء تحالفات معها ومع اليابان والفلبين . ومع ذلك، يدرك مسؤولو كوريا الجنوبية حاجة البلاد إلى دعم الولايات المتحدة لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية.

من المحتمل أن تبقى كوريا الجنوبية تعيش حالة من عدم اليقين السياسي، وتشهد مداً وجذباً بين المعارضة والحزب الحاكم إلى حين صدور قرار المحكمة الدستورية، وإجراء انتخابات رئاسية في حال قررت المحكمة عزل الرئيس يون، أو تشهد سيؤول تصعيداً في حال عودة الرئيس إلى منصبه.