أزمة أوكرانيا فرصة لتعويم إردوغان

يرى إردوغان أن تركيا استعادت ثقلها ونفوذها. أما المعارضة، فهي تخشى أن تعطي الحرب في أوكرانيا دفعةً للرئيس التركي.

  • تعمل واشنطن مرة أخرى على تقليص التفكّك في صفوف حلفائها للوقوف ضد موسكو في ظلِّ الأزمة في أوكرانيا.
    تعمل واشنطن مرة أخرى على تقليص التفكّك في صفوف حلفائها للوقوف ضد موسكو في ظلِّ الأزمة في أوكرانيا.

قد تجعل السياسة التي اعتمدتها تركيا في أزمة أوكرانيا الموافقة الأميركية على تحديث طائرات "F-16" أمراً ميسراً. دبلوماسية أنقرة لضمان وقف إطلاق النار في أوكرانيا وبدء عملية الحل السياسي في أقرب وقت ممكن بدأت بتحقيق نتائج عملية بالنسبة إليها، ما قد يؤدي إلى إصلاح العلاقات مع الغرب في قضية "F-16" وغيرها من المجالات.

بعد لقاء وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، وبعد يوم واحد فقط من لقائه نظيره الأوكراني ديميترو كوليبا في لفيف في 17 آذار/مارس، أُفيدَ بأنَّ الأطراف ناقشوا بنود مسودة خطّة السلام التي ورد أنَّ روسيا اقترحتها على أوكرانيا، وبدأ دور تركيا التيسيري يتحوَّل إلى وسيط فعلي في حال التوصل إلى اتفاق مع روسيا.

بالتزامن مع الذكرى السبعين لانضمام تركيا إلى الناتو، كان مثيراً للاهتمام خلال حفل الاستقبال في مقر إقامة السفير الأميركي في أنقرة، جيف فليك، أن يولي الأخير اهتماماً خاصاً بسفير أوكرانيا.

 في خطابه، أثنى الأميركي على تركيا التي تملك "ثاني أكبر جيش" و"ثاني أكبر أسطول من طراز F-16" في الناتو بعد الولايات المتحدة، فيما تساءل المراقبون عما إذا كان في الأمر إيحاء بقبول واشنطن طلب تركيا شراء 40 طائرة من طراز "F-16" من الجيل الجديد وتحديث 80 طائرة أخرى، بعد أن أبدى الرئيس الأميركي جو بايدن إشارات إيجابية بشأن برنامج تحديث "F-16"، لكن ليس شراء الجيل الجديد، بسبب معارضة الكونغرس.

وبالتالي، هل سيكون الدعم أقوى لأنقرة في دورها في الأزمة الأوكرانية، ولا سيما بعد الاتصال بين الرئيسين التركي والروسي، وبعد دور الوساطة الذي تقوم به تركيا معطوفاً على عرض إردوغان لقاء بوتين وزيلينسكي في تركيا؟

تحولت تركيا إلى محجة الدول الغربية. يبدو أنَّ الدبلوماسية التيسيرية التركية في أزمة أوكرانيا ستجعل موافقة الكونغرس على برنامج تحديث "F-16" معقولة. إذا حدث هذا الأمر، فسيكون من الممكن لتركيا تعزيز دورها في النظام السياسي الغربي من دون أن تكون معادية لروسيا. 

برزت الحركة الدبلوماسية التركية خلال الأزمة الروسية الأوكرانية. اتصل الرئيس الأميركي جو بايدن هاتفياً بالرئيس إردوغان في 10 آذار/مارس، بعد أن تمكنت تركيا من جمع وزيري الخارجية الروسي والأوكراني سيرغي لافروف وديميترو كوليبا في أنطاليا، في أول اجتماع سياسي منذ بدء العملية العسكرية الروسية. 

أثنى بايدن على علاقات تركيا الأخيرة مع زعماء المنطقة، والتي تساعد على تعزيز السلام والاستقرار. وكانت السفارة الأميركية في أنقرة قد أشادت بشكل غير عادي باجتماع إردوغان مع هرتسوغ الذي زار أنقرة في 9 آذار/مارس، كما قامت نائب وكيل وزارة الخارجية الأميركية إريكا أولسون بمعية القنصل الأميركي في إسطنبول في 10 آذار/مارس بزيارة بطريرك الروم الأرثوذكس بارتولوميو الأول، وتحدثت عن حرية الدين في تركيا، وأدانت "الهجوم غير المبرر من روسيا على أوكرانيا". وقد حضر الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إلى منتدى أنطاليا الدبلوماسي في 11 آذار/مارس، وكان الموضوع الرئيسي هو الأزمة التي بدأت مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وفي 13 آذار/مارس، التقى إردوغان رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس في إسطنبول، وناقش المستشار الألماني أولاف شولتس في أنقرة مع الرئيس رجب طيب إردوغان في 14 آذار/مارس العلاقات المعقدة بين البلدين، في أول زيارة له إلى تركيا بصفته مستشاراً، لكن القضية الحقيقية كانت الأزمة الأوكرانية. 

كان من الممكن قراءة اتصالات تركيا الشهر الماضي على أنَّها محاولة للتقرب من البُلدان التي تعاني مشكلات معها في السياسة الخارجية. ويمكن تفسير سياسة الولايات المتحدة على أنها تدعو إلى تقارب الحلفاء، من الإمارات العربية المتحدة إلى "إسرائيل"، ومن تركيا إلى ألمانيا واليونان، على الرغم من خلافاتهم، وسط التوتر المتصاعد مع روسيا، إذ إنها تريد الاتحاد ضدها.

تعمل واشنطن مرة أخرى على تقليص التفكّك في صفوف حلفائها للوقوف ضد موسكو في ظلِّ الأزمة في أوكرانيا. يرى إردوغان أنَّ تركيا استعادت الثقل والنفوذ اللذين تتمتع بهما. أما المعارضة، فهي تخشى أن تعطي الحرب الرئيس التركي دفعة يعد بحاجة إليها، فهو سيرمي موضوع الأزمة الاقتصادية على الحرب، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء العالمية أو فقدان ملايين السياح الروس والأوكرانيين. 

يتجنَّب إردوغان الانحياز إلى جانب واحد أو الانجرار إلى الحرب، و"ينتظر التوجّه نحو الجانب الذي سيفوز"، فتركيا "نددت مراراً بالعدوان الروسي"، وأغلقت مضيق البوسفور أمام السفن الحربية، ونقلت المزيد من الطائرات المقاتلة من دون طيار إلى أوكرانيا، مع إبقاء مجالها الجوي مفتوحاً أمام الطائرات الروسيّة، ولم تنضمّ إلى أيّ عقوبات غربية ضد روسيا.

تعدّ تركيا ممراً حيوياً للجهود الحربية الروسية في سوريا، وهو ما يفسر جزئياً سبب حرص الكرملين على إظهار الانسجام مع أنقرة. وقد أشاد لافروف بتركيا "لموقفها المتوازن" في مراقبة اتفاقية مونترو للعام 1936 التي تحكم مضيقي البوسفور والدردنيل.

أما واشنطن، فهي مستعدّة لمنح أنقرة قدراً من الحرية في الحفاظ على تناقضها الاستراتيجي، والظاهر أنها وأوروبا لا تريدان أيّ خلاف مع أنقرة، في وقت يعتبر الإجماع أمراً حيوياً لإنهاء الأزمة كما يشتهون.

قال إردوغان في 14 آذار/مارس للصحافيين إنَّ "من السابق لأوانه" القول ما إذا كانت تركيا ستشتري المزيد من المعدات العسكرية من روسيا، الأمر الَّذي سيؤدي إلى عقوبات أميركية أشدّ. ما زال إردوغان، بحسب المراقبين، يعتقد أنَّ الغرب يجب أن يستعيد تركيا، وليس العكس، وهو يتوقّع من الغربيين أن يدركوا أهميته، وأن يعطوه المزيد مما يريد، وقد يكون وضع إردوغان التفاوضي من الأزمة الحالية أفضل من ذي قبل. 

في حديثه خلال حفل توزيع "جوائز الخير الدولية" في 15 آذار/مارس، شدَّد إردوغان على أنَّ تركيا ستستمر باستضافة الأشخاص الفارين من الاضطهاد. وقال: "بالأمس، جاؤوا من العراق وسوريا وأفغانستان. اليوم، جاؤوا من أوكرانيا"، وأشار إلى الهجرة عندما انتقل النبي محمد وأتباعه من مكة إلى المدينة المنورة في العام 622، وهي رسالة إلى حلفاء تركيا الغربيين بأنَّ أنقرة لن تقوم بتسليح اللاجئين، ولكنها ستواصل استضافتهم على المديين المتوسط والطويل، وستضمن الفوائد الصحية والاجتماعية لهم، ما يحتّم تمويل الضمانات الاجتماعية.

استفادت تركيا من تجربتها في سوريا، ومن إشاحة الغرب نظره عن المسلحين في سوريا وجعلهم من مسؤوليتها وحدها. وكان المستشار الألماني أولاف شولتس أكَّد لإردوغان التعاون المستمر بشأن الهجرة، في إشارةٍ إلى إمكانية تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي عبر المزيد من المناقشات الرفيعة المستوى وتطوير الاتحاد الجمركي والتعاون في سياسة الطاقة.

وأشاد الرئيس البولندي، الذي جاء إلى أنقرة بعد شولتس، بدور تركيا في أوروبا و"تقاسم المعرفة التركية" بشأن استضافة المهاجرين. وكان استطلاع للرأي أجرته شركة "متروبول" في تركيا أظهر أنَّ ما يقارب 82% من الناخبين الأتراك يريدون عودة السوريين، وأن 84.5% من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم لحزب العدالة والتنمية بزعامة إردوغان يؤيدون عودة السوريين. وبحسب الاستطلاع، تبيَّن أنَّ حوالى 90% من ناخبي حزب الشعب الجمهوري يريدون عودة السوريين.

عندما أعلنت وزارة الداخلية الأسبوع الماضي أنَّ تركيا استقبلت أكثر من 20 ألف مواطن أوكراني منذ بداية الأزمة، كان رد الفعل العام موضع ترحيب، مع وجود قصص في وسائل الإعلام الرئيسية وفي وسائل التواصل الاجتماعي عن العائلات التركية التي استضافت عائلات أوكرانية. يعطي الأمر حججاً لإردوغان لمهاجمة المعارضة وخطابها المناهض للاجئين واتهامها بـ"المعايير المزدوجة" عندما ترحّب بالأوكرانيين، وليس النازحين من الشرق. 

ترى نخب حزب العدالة والتنمية أيضاً أنَّ الحرب فرصة أرسلها الله لاكتساح انتخابات العام 2023. أما إردوغان، فهو يركّز على المصالح الجيوسياسية الاستراتيجية لبلاده في ظل التطورات الإقليمية والدولية الكبرى. بالنسبة إليه، يتعلق الأمر في النهاية بالبقاء في السلطة، مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في حزيران/يونيو 2023.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.